بعد انكماش قاس جراء الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ أكثر من 3 سنوات، سجل لبنان العام الحالي نموًا محدودًا بنسبة 2%، وفق ما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الخميس.
وبرغم هذا التحسن المحدود، والذي يعود إلى أسباب عدة أهمها زيادة تحويلات المغتربين وتحسن النشاط السياحي، حذر ميقاتي من أن "لبنان على مفترق طرق، خلاصته إما النهوض المنتظر أو التدهور القاتم".
وخلال كلمة أمام منتدى الاقتصادي العربي في بيروت، قال ميقاتي: "رغم الضغوطات الماكرو-اقتصادية المستمرة والاختلالات المالية المتواصلة في ظل تشنج سياسي متعاظم، عاد الاقتصاد ليسجل هذا العام نموًا يقارب 2% بالقيم الفعلية، بعد الانكماش الصافي الملحوظ الذي شهده منذ بداية الأزمة" في العام 2019.
وسجل إجمالي الناتج المحلي نموًا سلبيًا في العام 2021 بنسبة 10,9% و25,9% في العام 2020، بحسب بيانات البنك الدولي الذي صنف الانهيار الاقتصادي في لبنان بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
وتأتي تصريحات ميقاتي في وقت سجلت فيه الليرة اللبنانية أدنى مستوياتها، إذ لامس سعر الصرف في السوق السوداء عتبة 46 ألفًا في مقابل الدولار الواحد.
وخلال ثلاث سنوات، خسرت الليرة أكثر من 95% من قيمتها أمام الدولار، وأصبح 80% من السكان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.
"أسباب النمو المحدود"
وأعاد ميقاتي النمو المحدود العام الحالي إلى أسباب عدة بينها تحسن الاستيراد وقطاع البناء، وزيادة عدد السياح بنسبة 70%، فضلاً عن زيادة تحويلات المغتربين بنسبة 7% لتبلغ 6,8 مليارات دولار.
ودعا ميقاتي إلى ضرورة حل المشاكل السياسية العالقة وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية بعد نحو شهرين على شغور المنصب، وتنفيذ إصلاحات يضعها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي شرطًا لحصول لبنان على دعم مالي.
وتوقع أن يسجل لبنان "نموًا إيجابيًا يراوح بين 4% و5%" العام المقبل في حال "تحقق السيناريو الاقتصادي السياسي الإيجابي" والمتمثل بانتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة جديدة تنفذ الإصلاحات وتتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد.
وفي أبريل/ نيسان، توصل لبنان مع صندوق النقد إلى اتفاق مبدئي على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، تطبيقها مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات.
ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءًا، إذ إنه في ظل الفراغ الرئاسي تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية.
%43 من الأسر اللبنانية يقضي فيها شخص واحد يوما كاملا دون طعام 👇#لبنان pic.twitter.com/tSu0u3NqYl
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 12, 2022
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، فشل البرلمان اللبناني عشر مرات في انتخاب رئيس جراء انقسامات سياسية عميقة.
ما هي دلالات تصريحات ميقاتي؟
وتعليقًا على تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال، أكد الباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين أن كلام ميقاتي يدخل ضمن نطاق التجاذب السياسي ونتائجه على الواقع الاقتصادي في لبنان، مشيرًا في الوقت ذاته إلى وجود تحذيرات في لبنان من أن إطالة فترة الفراغ الرئاسي ستؤثر سلبًا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
ولفت في حديث إلى "العربي" من العاصمة اللبنانية بيروت، إلى أن الأرقام بدأت تتكلم عن هذا الأمر، خاصة وأن الواقع الاقتصادي في لبنان تحول إلى اقتصاد نقدي، من خلال الدخول الكبير للدولار إلى البلاد، مشيرًا إلى أن العملة الأميركية لا تستخدم بعالم الاستثمار بل في مجال المضاربات.
ورأى ناصر الدين أن لبنان قد يكون أمام مفترق طرق إذ لم يتم اتخاذ إجراءات، لذلك فإن ميقاتي يدعو اليوم إلى خطوات اقتصادية أكثر من الدعوة إلى خطة اقتصادية.
ويردف أن المطلوب من الحكومة أن تقوم بإجراءات اقتصادية لأن خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تقم الدولة بأي إجراءات للحد من الانهيار.
ويضيف أن لبنان أمام مشكلة كبيرة في ظل الفراغ الرئاسي، موضحًا أن حكومة تصريف الأعمال لا تمتلك الصلاحيات الواسعة لاتخاذ القرارات الكبيرة.
ويشير ناصر الدين إلى أن ميقاتي يراهن في تقديراته على ملف النفط والغاز، الأمر الذي سينعكس على الثقة الاقتصادية الداخلية.
ويخلص إلى أنه إذا استطاع لبنان انتخاب رئيس جمهورية ووضع برنامج للحكومة والاستفادة من موضوع الغاز كمدخل للثقة ورسملة المصارف والتوجه حسب خطة الحكومة إلى صندوق النقد الدولي، قد تصل البلاد إلى مفترق طريق جديد.