الثلاثاء 17 Sep / September 2024

من جنة إلى جحيم.. هكذا حوّل زلزال تركيا مجمعًا فاخرًا إلى مقبرة جماعية

من جنة إلى جحيم.. هكذا حوّل زلزال تركيا مجمعًا فاخرًا إلى مقبرة جماعية

شارك القصة

نافذة إخبارية عن اعتقال عشرات المقاولين والمهندسين المعماريين الأتراك بعد الزلزال (الصورة: الغارديان)
تحوّلت مجمعات رونيسانس ريزيدينس وشققها الـ249 إلى مقبرة جماعية بعدما تهدمت أساسات المباني، قبل أن تنقلب جميع الطوابق الاثني عشر.

عند وقوع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير/ شباط الماضي، تحوّلت مجمعات "رونيسانس ريزيدينس" وشققها الـ249 إلى مقبرة جماعية. وتهدّمت أساسات مباني المجمّع، قبل أن تنقلب جميع الطوابق الاثني عشر من كل مبنى إلى الأمام، وتنهار. 

من بين قتلى المجمّع، عائلة كوشار المؤلفة من ثلاثة أفراد، الذين تعرّضت جثثهم لحروق شديدة لدرجة أن أقاربهم لا يزالون ينتظرون نتائج الحمض النووي لتأكيد هوياتهم، وثمّ دفنهم.

وروى عطا كوشار، أحد أبناء العائلة الذي يسكن في قريتهم إكينجي، لصحيفة "غارديان" البريطانية أنه هرع على الفور إلى المجمع فور وقوع الزلزال.

وقال: "في الطريق، بدأت أدرك أن الطرق كانت مغلقة بسبب المباني المنهارة. لقد بدأت أدرك مدى قوة الزلزال، وكان علي أن أجد طريقة للوصول إلى هنا.

مجمع "رونيسانس ريزيدينس"

عندما وصل إلى المكان، حاول البحث بين أنقاض المجمع السكني الضخم وسط صراخ أقارب العائلات التي كانت تسكن المجمع الذين هرعوا للبحث عن أحبائهم في الغبار والخرسانة في مبنى قيل ذات مرة إنه آمن.

"مكان شبيه بالجنة"

وقال: "في كل خطوة، كنت أسمع الناس يصرخون طلبًا للمساعدة. لكن المجمع عبارة عن 250 شقة تقريبًا. لقد انهار كل شيء تمامًا ولم أتمكن من الدخول. مكثت هنا حتى الثامنة من ذلك اليوم، لكن لم يأت أحد ".

كان من المفترض أن يكون المبنى، وفقًا لما كتبه أحد السكان السابقين في سجل الزوّار، "ركنًا من أركان الجنة". 

فهو مجمع فاخر بُني عام 2013 على مشارف مدينة أنطاكيا، في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا، وضمّ شققًا باهظة الثمن بيعت بما يصل إلى 132 ألف جنيه إسترليني، وهو أغلى بكثير من أي شقة أخرى في المنطقة.

ضمّ المجمع مسبحًا خاصًا به ومقاهٍ وملاعب رياضية، انتمى سكانها إلى الطبقة المتوسطة في هاتاي من أساتذة، ورياضيين محترفين ومقاولين.

بعد أقلّ من أسبوع على انهيار المجمع، ألقت السلطات القبض على متعهّد البناء محمد يشار جوشكون في مطار اسطنبول في أثناء محاولته الفرار خارج البلاد. كما ألقت السلطات القبض على حوالي 110 مقاولين ومتعهّدي بناء آخرين في تركيا، واتهم بعضهم بارتكاب جرائم "القتل غير العمد وانتهاكات قانون البناء".

وأكد جوشكون للمدعين العامين أنه لا يعرف سبب انهيار المجمّع، مؤكدًا أنه اتبع جميع اللوائح المطلوبة في أثناء البناء. وقال: "لم تكن هناك مشاكل خلال بنائه الذي استغرق عامين، حيث تم الانتهاء من بنائه دون وقوع أي حادثة. كان المبنى قيد الاستخدام لمدة 10 سنوات، ولم تكن هناك مشاكل خلال هذا الوقت".

لكنّ سكانًا سابقين في المجمع أوضحوا أنهم حذّروا من أن مباني المجمع كانت غير آمنة قبل الزلزال بوقت طويل. 

وقالت زكية باروتشو يغيت باشي لوكالة أنباء "ديميرورين": "أخبرت مدير المبنى أنني كنت خائفة، وأن أساسات المباني كانت تنزلق. لقد ضحك علي"، مضيفة أنها قرّرت مغادرة المبنى بعد أن رأت صدعًا كبيرًا في أحد جدران شقتها.

وأوضحت: "لقد حذرتهم لأيام، وبعد ذلك أخبرني مدير المبنى أنه تمّ حل المشكلة. وعندما سألت كيف، أخبرني أن المهندسين قاموا بتقييم المبنى. قلت هذا لجيراني، لكنهم لم يهتموا".

وتشير التقديرات إلى وجود ألف شخص داخل المجمع وقت انهياره. بعد أكثر من أسبوع على الزلزال، وفي شارع خالٍ بشكل مروع، قام جنود يرتدون القبعات الزرقاء بدوريات، بينما كانت العائلات تعرض صور أحبائها على عمال الطوارئ، على أمل التعرف على جثثهم المتفحّمة.

والجثث التي انتُشلت من تحت الأنقاض دون وجود أحد الأقارب للتعرف عليها، كانت معرضة لخطر الدفن بسرعة بسبب تحلّلها، مما أجبر العائلات على استخراج الجثث من أجل التعرّف عليها. وأعربت عائلات أخرى عن ارتياحها لتمكنها من العثور على جثث أحبائها سليمة، بدلًا من أشلاء من أجسادهم، مما يسهل التعرف عليها.

وعلى غرار العديد من سكان المجمع، اختارت عائلة كوشار الانتقال إلى المجمع لاعتقادهم أنه آمن. 

وفي هذا الإطار، قال عطا: "أُعلن أن هذا المبنى واحد من أقوى المباني في أنطاكيا، ولهذا السبب كان الناس الذين يعيشون هنا من طبقة اقتصادية واجتماعية معينة. اختاروه من أجل سلامته، لقد كان أغلى مبنى في المنطقة".

وأضاف: "عندما انتقل أخي إلى الشقة قبل عام ونصف، دعا والدي، وهو مقاول بناء متقاعد، لتفقّد الشقة. فأخبره والدي أن الأمر خطير وأنه يجب ألا ينتقل إلى هنا. لكن أخي لم يستمع. وأخبر والدي أنه مبنى آمن، يتمتع بنظام ياباني مضاد للصدمات لجعله مقاومًا للزلازل من الأساسات".

من جهتها، اعتبرت عائلات أخرى اجتمعت أمام الردم الخرساني الضخم للمجمع أن اعتقال جوشكون لم يكن كافيًا.

وقال إلياس جيتين، الذي كان ينتظر مع شقيقيه العثور على جثة شقيقهم الرابع الذي انتقل إلى المبنى مؤقتًا أثناء توليه وظيفة في المنطقة، للصحيفة: "لا تنتهي العملية بإمساك المقاول ومعاقبته، بل يجب ملاحقة الجهات التي منحته رخص البناء واعتقالهم".

ووافق شقيقه إبراهيم على ذلك، وقال: "يجب محاسبة من سكب هذا الإسمنت ومن أعده وأحضره إلى هنا، وكذلك مصدرو الشهادات لهذه المباني. لا ينتهي الأمر بالمقاول فقط. هذا يحتاج إلى التحقيق".

وخدم جوشكون لفترتين رئيسًا لغرفة المهندسين المعماريين في هاتاي، وهو منصب نقابي رائد. لكن بعد انهيار المجمع، ألقى رئيس بلدية هاتاي لطفي سافاش اللوم على بلدية إكينجي حيث يقع المبنى السكني، في منح رخص بناء المجمع لجوشكون.

من جهته، قال أيوب موهكو، الأمين العام لغرفة المهندسين المعماريين في تركيا: "هناك سلسلة من المسؤوليات في عملية البناء، بما في ذلك تلك الموجودة في الحكومة المحلية والمركزية"، مضيفًا أنه "يتمّ استخدام الناس كبش فداء، حتى لا تتمّ محاسبة المسؤولين. ينبغي ملاحقة كل من شارك في تشييد المبنى وتقييمه قانونًا".

لكن عائلات الضحايا، التي تجمّعت عند المجمع المنهار، أكدت أن اعتقال أحد المقاولين لن يهدأ حزنهم. 

وقال إلياس: "أنا أنتظر أخي هنا الآن. يمكنني إعطاء المقاول 100 ألف ليرة تركية، لكن هل يمكنه إعادة أخي؟ أنا أقبل بعدم محاكمته مقابل أن يعيد إلي أخي".

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close