اشتباكات متواصلة في الخرطوم.. الجيش يؤكد التزامه بالعملية السياسية
أعلن الجيش السوداني اليوم السبت التزامه بالعملية السياسية التي تقود إلى قيام السلطة المدنية في البلاد.
وفي بيان مقتضب نشره على صفحته عبر "فيسبوك"، قال الجيش السوداني: إن "القوات المسلحة لن تكون رافعة لأي كيان أو حزب أو جماعة للانقضاض على السلطة".
وأضاف: "وهي ملتزمة بالعملية السياسية التي تقود إلى قيام السلطة المدنية".
ويأتي هذا التصريح، فيما هزت ضربات جوية وقصف مدفعي الخرطوم اليوم السبت مع دخول السودان أسبوعًا ثالثًا من القتال بين فصيلين عسكريين متناحرين رغم وقف إطلاق النار، مما دفع المزيد من المدنيين إلى الفرار وأثار مجددًا تحذيرات من اتساع نطاق عدم الاستقرار إذا لم تتوقف الحرب.
ومع تصاعد الدخان الأسود فوق الخرطوم، قدم مبعوث للأمم المتحدة بصيصًا من الأمل إذ قال إن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منفتحان الآن بشكل أكبر على المفاوضات، وإن لم يتحدد موعد لها. ولم يظهر الجانبان حتى الآن أي إشارة على التراجع عن موقفهما.
ودفع القتال السودان إلى شفا الحرب الأهلية، مما عرقل خطة يدعمها المجتمع الدولي للانتقال صوب إجراء انتخابات ديمقراطية. وقد يتسبب الصراع في زعزعة الاستقرار بمنطقة مضطربة بالفعل.
وواصل الجانبان معركتهما، رغم الاتفاق أكثر من مرة على وقف إطلاق النار بوساطة قوى أجنبية، لا سيما الولايات المتحدة. ومن المقرر أن تنتهي أحدث هدنة في منتصف ليل الأحد بعد أن دامت 72 ساعة.
واتهمت قوات الدعم السريع الجيش اليوم السبت بانتهاك وقف إطلاق النار في المناطق الخاضعة لسيطرته، فيما لم يصدر تعليق فوري عن الجيش الذي ألقى في السابق باللائمة على قوات الدعم السريع في انتهاكات وقال اليوم إن قواته تواصل القتال لإنهاء "التمرد".
وقال قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إنه لن يجلس أبدًا مع زعيم "المتمردين" في قوات الدعم السريع في إشارة إلى الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي. وقال قائد قوات الدعم السريع بدوره إنه لن يبدأ التفاوض إلا بعد أن يوقف الجيش الأعمال القتالية.
"الدعم السريع" حاولت الاستيلاء على السلطة بالسلاح
وفي هذا الإطار، أوضح العميد الركن نبيل عبد الله متحدث باسم الجيش السوداني أن الوضع الغريب والشاذ لقوات الدعم السريع هو أحد تجليات الأزمة التي يعيشها السودان الآن.
وأضاف في حديث لـ"العربي" من الخرطوم، أن ما وصفها بميليشيا الدعم السريع تأسست في أثناء النظام السابق بقيادة الرئيس عمر البشير، الذي تفاخر بها كثيرًا بأنها قوة احتياطية، وهي القوة التي شكلها لتحميه في السلطة.
وتابع عبد الله، عندما ثار الشعب السوداني على عمر البشير وانحازت القوات المسلحة لهذا الشعب، فإن قوات الدعم السريع وجهت البوصلة إلى الجهة التي تحفظ لهم مصالحهم، وتضمن بقاءهم ووجودهم، ثم بعد ذلك تنكروا للقوات المسلحة التي هم أصلًا نشأوا من خلالها، معتبرًا هذا الأمر من الأخطاء الإستراتيجية الكبرى التي تدفع القوات المسلحة ثمنها الآن.
ويشدد على أنه ليس هنالك شيء اسمه شراكة في الجيوش النظامية، مشيرًا إلى أن العسكرية تقوم على رئيس ومرؤوس، وعلى نظام واضح يقوم على تراتبية عسكرية واضحة، ولوائح وقوانين واضحة أيضًا.
"أزمة عسكرية"
وفيما إذا كان تصريح البرهان بأنه لن يجلس في طاولة المفاوضات مع حميدتي، يفهم على أنه إقصاء وإغلاق كل قنوات الحوار وأي تسوية سياسية مستقبلًا، أوضح عبد الله أن طبيعة الأزمة السودانية هي أزمة عسكرية.
وأشار إلى أن هناك قوة نظامية أنشئت بموجب قانون القوات المسلحة، وهذه القوة تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، وينبغي أن تعمل في إطارها العسكري، مشددًا على أن القوات المسلحة في كل دول العالم ليس لديها رأي سياسي في مقابل رأي القائد العام للقوات المسلحة.
ورأى أن الأزمة برمتها هي تمرد جزء من المنظومة العسكرية على قيادتها وعلى قيادة القوات المسلحة، وإطلاق النار ومهاجمة الحاميات العسكرية.
وأكد أن الصراع هو أصلًا محاولة للاستيلاء على السلطة بالسلاح تحت غطاء سياسي لتيار معين، وعبارة عن وسيلة للوصول للسلطة، وفرض واقع جديد، حيث سيكون أغرب واقع سياسي يمكن أن تعرفه دولة في هذا العالم.
وأردف عبد الله أنه إذ تمرد فصيل عسكري أو جزء من المنظومة العسكرية، فهناك حلان إما أن يوقف الذي تمرد هذا التمرد، وفقًا للإجراءات والمعالجات العسكرية المعروفة والمنصوص عليها في أي جيش في هذا العالم، وإما أن يستمر في هذا التورط، ما يضطر التعامل معه بالطريقة المعروفة لأي دولة.
وأضاف أن قيادة قوات الدعم السريع هي التي أقحمت هذه القوات في هذا الصراع، لافتًا إلى أن المشكلة الحقيقية لديها تكمن في أنها قيادة متطلعة إلى أن تستولي على السلطة وأن تسيطر على الحكم، وبالتالي هي تحاول أن تلعب على كل المتناقضات، وكل التغييرات السياسية التي حصلت بالسودان، بهدف استخدام هذه القوة وسيلة للوصول إلى السلطة في السودان.
وبشأن إمكانية العودة إلى الوضع الذي كان سابقًا في العلاقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تصريحات حميدتي بأنه مستعد للمفاوضات لكن شريطة وقف إطلاق النار، يسأل عبد الله على ماذا يريد أن يتفاوض حميدتي؟، مؤكدًا أن الصراع ليس مشكلة سياسة، بل تمرد عسكري، وأن معالجة التمرد على النظام العسكري، تتمثل في التوقف عن هذه التمرد والدخول إلى بيت الطاعة والالتزام بالقانون العسكري الصارم.
وأشار إلى أن هناك مساع أميركية سعودية لوقف إطلاق النار، كما هناك مبادرة "إيغاد"، التي كلفت 3 رؤساء وهم رئيس جمهورية جنوب السودان، وكينيا وجيبوتي، للتواصل مع القيادة العسكرية في السودان.
وأوضح أن مبادرة "إيغاد" تتمثل في تمديد وقف إطلاق النار أو هدنة لمدة 72 ساعة أخرى للأغراض الإنسانية، وتسمية مندوب للقوات المسلحة، ولقوات الدعم السريع للتوجه إلى جوبا لبحث في تفاصيل المبادرة التي لم تتبلور بعد.