Skip to main content

التصعيد وسياسة الاغتيالات الإسرائيلية.. ما دوافع نتنياهو وراء عدوانه على غزة؟

السبت 13 مايو 2023

عادت إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات لقادة حركات المقاومة الفلسطينية كسياسة تعويضية إرضاء للجبهة الداخلية التي تآكلت بعد نحو خمسة أشهر على تشكيل الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو.

وتأتي عملية الاغتيال التي استهدفت ثلاثة من قادة حركة الجهاد الإسلامي في غزة في التاسع من مايو/ أيار الجاري لتعيد إلى الأذهان عمليات الاغتيال ذات الكلفة السياسية والعسكرية الأقل، كما يراها المجمع العسكري والأمني في إسرائيل.

عملية عسكرية  في غزة

وتنحصر في هذه الحالات مسؤولية اعطاء قرار الاغتيالات بعدد محدود من المسؤولين الإسرائيليين ويوكل إلى جهاز المخابرات تقديم خطة الاغتيالات ثم تترك مهمة التنفيذ إلى الجيش.

ويؤخذ قرار الاغتيال بعد موافقة المستشار القانوني للحكومة الذي تشغله حاليًا غالي بهراف ميارا والتي أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات الاغتيال دون العودة إلى المجلس الوزاري المصغر.

بالتزامن مع الاغتيال شن جيش الاحتلال عملية عسكرية على غزة بعد إغلاق معبر بيت حانون أمام تنقل الأفراد ومعبر كرم ابو سالم التجاري المخصص للبضائع والمساعدات الإنسانية.

سبق ذلك تصعيد إسرائيلي محدود إثر إطلاق رشقات صاروخية من قطاع غزة بعد استشهاد القيادي في الجهاد الاسلامي خضر عدنان في السجون الإسرائيلية. لكن سرعان ما تمكنت الوساطة المصرية من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين.

ويعتبر اغتيال قادة الجهاد الإسلامي خرقًا للاتفاق من جهة وكسرًا لقواعد الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية التي وجدت نفسها أمام امتحان جديد على مستوى الميدان والمعركة الأمنية والاستخبارية.

ومنذ تسلم نتنياهو مقاليد السلطة نهاية العام الماضي صعّد أعضاء في حكومته من خطابهم الداعي إلى اعتماد سياسة الاغتيالات كعامل ردع في وجه المقاومة الفلسطينية في غزة، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

بن غفير طالب نتنياهو بشن حملة عسكرية واسعة على حركة الجهاد في غزة - غيتي

الخضوع لأوامر "بن غفير"

تسقط الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل في الامتحانات والاستحقاقات السياسية الواحد تلو الآخر، فمنذ أدائها اليمين الدستورية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي دخلت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في دوامة من الأزمات الداخلية والخارجية.

وكان الهروب إلى الأمام هو عنوان المرحلة بالنسبة إلى نتنياهو والائتلاف الذي يقوده حزبه، إضافة إلى تصدير الأزمات إلى الخارج. ولهذا كان الاعتداء الأخير على قطاع غزة استجابة للمزايدات الداخلية بين أقطاب الحكومة.

فقد خضع نتنياهو لأعضاء حكومته اليمينية وتحديدًا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي هدد بتعليق مشاركة أعضاء حزبه "المنعة اليهودية" في حال عدم الرد على حركة الجهاد الإسلامي التي أطلقت أكثر من 100 صاروخ باتجاه إسرائيل مطلع الشهر الجاري عقب استشهاد الأسير خضر عدنان في سجون الاحتلال الإسرائيلي على إثر إضرابه عن الطعام.

كان بن غفير قد طالب نتنياهو بشن حملة عسكرية واسعة على حركة الجهاد في غزة والمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، مهددًا بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، ومستغلًا حاجة نتنياهو إلى الإبقاء على الائتلاف دون تصدعات تسقط حكومته.

وما إن نفذت الطائرات الإسرائيلية هجماتها على قطاع غزة واغتالت القادة الثلاثة في حركة الجهاد الإسلامي حتى هنأ بن غفير رئيس الوزراء، معلنًا "بداية مرحلة جديدة" في التعامل مع الفلسطينيين في قطاع غزة.

وعلى الرغم من خضوع نتنياهو للضغوط الكبيرة من أعضاء ائتلافه للعدوان على غزة، إلّا أن الترجيحات تذهب إلى أن بن غفير ومعه نواب ووزراء حزبه لم يكونوا بصدد الانسحاب من الحكومة، إذ أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية بن غفير.

ومع ذلك فإن الطبيعة الإيديولوجية لحركة بن غفير السياسية قد تدفعه لرفض أيّ تسويات في الملفات الداخلية الأكثر حساسية.

إسرائيل تعيش على وقع احتجاجات واسعة رفضًا للتعديلات القضائية - غيتي

ضغوط داخلية وخارجية

وتأتي كل هذه الضغوط مع استمرار الأزمة الداخلية المتعلقة بالتعديلات القضائية، فالمظاهرة الرافضة لهذه التعديلات لا تزال مستمرة وأخفقت معها كل الجهود التي بذلها الرئيس الإسرائيلي اسحاق هرتزوغ لتقريب وجهات النظر بين الحكومة والفعاليات النقابية والاجتماعية الداعية إلى وقف التعديلات التي تنوي الحكومة إقرارها منذ نهاية العام الماضي.

ليجد نتنياهو نفسه أمام تحد من نوع جديد يتمثل في إعلان المئات من ضباط الجيش الإسرائيلي رفضهم الخدمة العسكرية في حال مضت الحكومة في إقرار التعديلات وتقويض سلطة المحكمة العليا.

فشل نتنياهو ينسحب إلى الملفات الخارجية مع استمرار التوتر الحاصل مع الاتحاد الأوروبي بخصوص مشاريع الاستيطان التي تصرّ عليها حكومته.

هذا فضلًا عن توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لم تخف امتعاضها من السياسات اليمينية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية. ليبقى نتنياهو معلقًا على خيط دقيق بين الجنوح اليميني الداعي إلى التصعيد وبين سقوط حكومته التي تعني مسائلته قضائيًا بتهم الفساد التي تلاحقه في المحاكم الإسرائيلية.

دوافع نتنياهو وراء التصعيد

وفي هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي أن هناك جملة من الدوافع وراء استئناف قرار الاغتيالات والتصعيد من قبل نتنياهو كان أولها بحثه عن الرد على جولات إطلاق الصواريخ التي نفذتها حركات المقاومة ابتداء من لبنان وصولًا إلى حادثة استشهاد الأسير خضر عدنان.

ويشير النعامي في حديثه لـ"العربي" من غزة، إلى أن السبب الثاني وراء التصعيد هو محاولة إسرائيل "ترميم قوة ردعها التي تآكلت ودفعت بالنخب الأمنية والإعلامية إلى توجيه الانتقادات إلى الحكومة".

ويلفت إلى أن العامل الثالث وراء جولة التصعيد الحالية هو "اختبار إسرائيل لمدى صدقية مخاوفها من مسألة وحدة الساحات بين حركات المقاومة سواء في لبنان أو سوريا أو قطاع غزة".

كما يرى أن لهذه الجولة من التصعيد علاقة بما يشهده شهر مايو/ أيار عادة من أحداث ترتبط بمسيرة الأعلام الاستفزازية التي تنظمها منظمات إسرائيلية متطرفة بمناسبة ما يسمى بـ"يوم القدس". ويقول إنّ إسرائيل أرادت استباق هذا الحدث لـ"تفريغ ردة فعل المقاومة بشكل مبادر إليه وليس الانجرار إلى هذا الفعل".

ويشدد النعامي في حديثه إلى "العربي"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يريد من وراء التصعيد في قطاع غزة "تغليب الأجندة الأمنية على الجدل المثار حول الإصلاحات القضائية"، لا سيما في ظل تعاظم الاحتجاجات الداخلية على هذه الإصلاحات.

ويخلص إلى أن نتنياهو أراد من وراء ذلك الوصول إلى "استقرار حكومته لا سيما بعد امتناع حزب المنعة القومية برئاسة بن غفير عن المشاركة في جلساتها"، مؤكدًا أن إراقة الدم الفلسطيني هي المادة التي تحظى بإعجاب الجمهور المتطرف داخل إسرائيل.


المصادر:
العربي
شارك القصة