تمثّل قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على تطوير معارفها سبب حيرة لدى البعض، خصوصًا بعد التقدّم الكبير الذي أحرزته خلال الأشهر الماضية.
وأثارت هذه التكنولوجيات الجديدة مخاوف الكثيرين، خصوصًا في ما يتعلّق باحتمال فقدان السيطرة البشرية عليها.
ولم تعد مهام هذه البرامج، على غرار "تشات جي بي تي" محصورة بالإجابة على الأسئلة، بل أصبحت قادرة على إنجاز بحوث وحل مسائل رياضية معقدة.
كما تمكنت هذه البرامج من اجتياز امتحانات التخرج في كلية الحقوق في ولاية مينيسوتا الأميركية، والتي تضمنت كتابة نصوص في مواضيع تتعلق بالقانون الدستوري والضرائب.
تشابه برامج الذكاء الاصطناعي مع الدماغ البشري
وبحسب موقع "سينتيفك أميركان"، أظهر عدد متزايد من الاختبارات أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه تطور نماذج داخلية للعالم الحقيقي، تمامًا كما يفعل دماغ البشر، على الرغم من اختلاف تقنية الآلات.
ونقل الموقع عن الباحث إيلي بافليك من جامعة براون قوله: "كل شيء نريد القيام به مع هذه البرامج لجعلها أفضل أو أكثر أمانًا أو أي شيء من هذا القبيل يبدو لي أمرًا سخيفًا".
ويعتمد برنامج "تشات جي بي تي" على نظام تعلم آلي يسمى الشبكة العصبية التي تتمتع بهيكل مصمم بشكل مشابه للخلايا العصبية المتصلة في الدماغ البشري.
ويعد رمز هذه البرامج بسيطًا نسبيًا، ويملأ بضع شاشات فقط، ويقوم بإعداد خوارزمية التصحيح التلقائي، والتي تختار الكلمة الأكثر احتمالًا لإكمال المقطع بناءً على تحليل إحصائي.
ويضمن التدريب الإضافي أن يقدم النظام نتائجه في شكل حوار. وبهذا المعنى، فإن كل ما يفعله هو إعادة ما تعلمه، أي أنه "ببغاء عشوائي"، على حد تعبير إميلي بندر، عالمة اللغة بجامعة واشنطن.
تعقيد يتجاوز التحليل الإحصائي
لكن هذه البرامج تمكنت أيضًا من اجتياز امتحان المحاماة، وأثبتت قدرتها على كتابة التعليمات البرمجية للكمبيوتر. وقد أوضح أحد العلماء أن "تشات جي بي تي" يمكنه تنفيذ التعليمات البرمجية أيضًا.
وتوضح هذه القدرة المرتجلة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تطور تعقيدًا داخليًا يتجاوز التحليل الإحصائي.
وبحسب موقع "سينتيفك أميركان"، فقد أظهرت الأبحاث أن نشاط الذكاء الاصطناعي "العصبي" يطابق عملية التقليد عند الإنسان، وإن كان في شكل معقد.
وتعجب الباحثون من مدى قدرة برامج الذكاء الاصطناعي على التعلم من النص. فقد كان من المفاجئ أنها تتعلم من طلبات مستخدميها، وهي قدرة تُعرف باسم "التعلم في السياق".
بناء على ذلك، قال بن غورتزل، مؤسس شركة "سينغولاريتي نيت" للذكاء الاصطناعي: "إنه نوع مختلف من التعلم، لم يكن مفهومًا وجوده من قبل".
ذكاء اصطناعي عام
وعلى الرغم من أن الأنظمة المتاحة غير مصنّفة على أنها ذكاء اصطناعي عام، وهو مصطلح يشير إلى آلة تتمتع بقدرة أدمغة الكائنات الحية، فإن قدراتها الناشئة توحي لبعض الباحثين أن شركات التكنولوجيا أقرب إلى هذا المستوى من أي وقت مضى.
وقال غورتزل في مارس/ آذار الماضي خلال مؤتمر حول التعلم العميق في جامعة فلوريدا أتلانتيك: "إنها دليل غير مباشر على أننا ربما لسنا بعيدين عن الذكاء الاصطناعي العام".
كما يشعر الباحثون بالقلق من أن النافذة قد تغلق على قدرتهم على دراسة هذه الأنظمة.
ولم تفصح شركة "أوبن أي آي" عن تفاصيل كيفية تصميمها وتدريبها لـ"تشات جي بي تي"، ويعود ذلك جزئيًا إلى منافستها مع "غوغل" والشركات الأخرى.
ولا يضر هذا النقص في الشفافية بالباحثين فقط، بل يعيق الجهود المبذولة لفهم الآثار الاجتماعية للاندفاع نحو تبني هذه التكنولوجيا.