كان الموت قريبًا منه، عاينه وكتب عنه، ومتى أدركه باتت للموت نفسه كل معاني الحياة. ذاك هو اغتيال غسان كنفاني، الأديب والمناضل الفلسطيني، الذي تناثرت أجزاء من جسده، بفعل قنبلة موقوتة زرعها عملاء إسرائيليون في سيارته، لكنها نشرت أيضًا أفكار الرجل ومواقفه حول العالم.
حدس ربما، ترقب أم استنتاج، كتب كنفاني: "ليس المهم أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت".
وقد استشهد غسان كنفاني في 8 يوليو/ تموز 1972، بعد أعوام من النضال الفكري والسياسي، كانت فيها فلسطين منذ اليوم الأول القضية والهوية، وما تزال.
#غسان_كنفاني.. شهيد الكلمة الذي عاش لـ #فلسطين واستشهد لأجلها، في ذكرى اغتياله شاركونا ماذا قرأتم له؟ 👇#صباح_النور pic.twitter.com/0GSMJbJvCk
— العربي 2 (@AlarabyTV2) July 8, 2022
من هو غسان كنفاني؟
وُلد غسان كنفاني، الذي يُعد أحد أبرز رموز النضال والأدب الفلسطيني، في 9 أبريل/ نيسان 1936 في مدينة عكا لأسرة متوسطة الحال أقامت في يافا.
كان والده محاميًا، وشهد طفلًا النكبة في عام 1948 وقاسى مرارة التهجير بين عدة أماكن. فقد هرب مع عائلته سيرًا على الأقدام إلى المخيمات المؤقتة في لبنان، قبل أن ينتقل إلى سوريا.
وهناك، حيث استقرت العائلة في دمشق، درّس غسان كنفاني الأطفال اللاجئين في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين، وتخرّج من قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، وعمل صحافيًا في جريدة الأيام الدمشقية وانضم لحركة القوميين العرب.
في عام 1955 سافر إلى الكويت، حيث عمل في التدريس، وكتب أولى قصصه القصيرة. وبعد 5 أعوام انتقل إلى بيروت، فكتب في عدة منشورات مثل مجلة الحرية وجريدة المحرر.
كنفاني الذي كان عضوًا بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وناطقًا رسميًا لها، أسّس أيضًا مجلتها "الهدف".
عاش لـ #فلسطين واستشهد من أجلها.. في ذكرى اغتيال #غسان_كنفاني، ماذا تعرفون عنه؟ pic.twitter.com/uFFnPSF2s3
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) July 8, 2021
وبينما كان نشاطه السياسي يزداد، كان نتاجه الأدبي والفكري يتراكم ووقع كلماته يصبح أكثر دويًا، بما حملته حول فلسطين وقضيتها، وأحقيتها في اهتمام الشعوب العربية.
فكتب نحو 18 عملًا بين القصة القصيرة والرواية والعمل المسرحي والبحث، تناولت العائلة والنضال والتغريبة والإنسان الفلسطيني.
وكان من بين تلك الأعمال "أم سعد"، و"رجال في الشمس"، و"عائد إلى حيفا"، و"أرض البرتقال الحزين"، و"القميص المسروق".
كما كانت له 3 روايات لم يكمل كتابتها وجُمعت في كتاب بعنوان "العاشق"، وفق ما تورد صحيفة "العربي الجديد".
اغتيال غسان كنفاني
اغتالت إسرائيل، التي لم تعترف رغم مضي أكثر من نصف قرن بجريمتها، غسان كنفاني في الحازمية، على أطراف العاصمة اللبنانية بيروت.
الرجل الذي هُجر طفلًا من أرضه، وكتب: "أفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة أكثر من ولد"، أُريد لبحثه أن ينتهي ولنضاله أن ينطفئ، وللبوصلة التي كان واضحًا أنه يجيد تصويبها في عدد متزايد من العقول أن تضل الطريق.
كان يوم سبت، عندما دوّى انفجار هزّ بيروت، وتم اغتيال غسان كنفاني والطفلة لميس، ابنة شقيقته، عندما همّت بالصعود إلى سيارة خالها.
أدار حينها غسان كنفاني المحرّك وفي لحظات، انفجرت العبوة التي زرعها عملاء إسرائيليون تحت مقعده، فاستشهد والصغيرة على الفور.
لكن الرجل الذي شكل نموذجًا للأدب الفلسطيني المقاوم والذي حملت أعماله الكثير من المدلولات السياسية والفكرية، لم يكن اغتياله إلا تكريسًا لمكانته ودوره، الذي تجدد بعد استشهاده.
فعقب اغتيال غسان كنفاني، أُعيدت طباعة أعماله، ونُقل الكثير منها إلى 17 لغة، ونُشر في أكثر من 20 بلدًا، وتم إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية.
يقول الكاتب والروائي الفلسطيني مروان عبد العال، في لقاء أرشيفي على شاشة "العربي": "في ذكرى موت غسان كنفاني كأنما يُحتفل بحياته".
ويشير إلى أن "الرجل أنتج أدبًا ما زال مستمرًا، ويبدو وكأنه ما زال يكتب من مكان آخر لكثرة البحث في ما كتبه والنقاش حول أعماله".
ويضيف: "وكأن غسان كنفاني نفسه ما زال موجودًا، لأن فكرته ما زالت حية، وهو الذي كان دائمًا يستخدم عبارة تسقط الأجساد لا الفكرة".