يُعَدّ تزويج القاصرات في المجتمعات العربيّة الوجه الآخر لقصصٍ مأسويّة أبطالُها فتيات في سنّ الزهور، وسط أرقام صادمة تكشف سطوة العادات والتقاليد على سلطان القانون في مجتمعاتٍ تختلف درجة قابليتها للزواج من القاصرات.
وهنا تتداخل تقاليد اجتماعية متوارثة مع معتقدات دينية، وتدفع الفتيات القاصرات في الغالب الثمن غاليًا، خصوصًا في حالة الانفصال وإنجاب الأطفال، لا سيّما أنّ الزواج يكون عرفيًا، أو يُختزَل في "قراءة الفاتحة فقط".
وتُختزَل أفكارٌ بين تيّارٍ رافض لتجريم زواج القاصرات من باب أنّ السلامة الجسدية والعقلية هي المعيار بدل السنّ، في مواجهة تيار آخر يطالب بتطبيق أقسى العقوبات في حقّ من يجبر فتاة على الزواج في سنٍّ مبكرة.
هل الزواج من القاصرات يعد اغتصابًا قانونيًا؟#جدل pic.twitter.com/lg2MRlfbTD
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 10, 2021
"أنقذوا وعد"
يلجأ عدد من الأولياء في المجتمعات العربية إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، ما يفرض حكمًا آثارًا صحية ونفسية على الفتيات القاصرات اللواتي يُجبَرنَ على الزواج.
لكن، رغم هذه التأثيرات، ترفض العديد من المجتمعات تجريم زواج القاصرات في حين قد يلعب رجال الدين دورًا في الدفاع عن هذا الموقف.
وعلى المستوى الشعبي، تُنظَّم حملات ضاغطة في العديد من المجتمعات. فعلى سبيل المثال، نجحت حملة شعبية في اليمن في إلغاء زواج طفلة لم تتجاوز سنّ الـ11 من رجٍل خمسيني، وتحوّلت قضية هذه الطفلة إلى قضية رأي عام.
#أنقذوا_الطفلة_وعد ينتشر في مواقع التواصل بعد خبر زفاف طفلة يمنية بعمر الـ 11 عاما pic.twitter.com/dt81rVzVzp
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 29, 2021
وعليه، وبحسب بيان شرطة مديرية تعز، أُودِع والد الطفلة بالسجن بعد أن ثبت بأنه كان يحاول تزويجها قسرًا.
وأعادت مأساة الطفلة وعد إلى الواجهة من جديد ملفًا في خانة "المسكوت عنه" عربيًا، ألا وهو زواج القاصرات.
أرقام صادمة
وعلى مستوى الأرقام، أفاد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بأن في مصر 117 ألف حالة زواج تحت سن الـ18 سنويًا دون أي أوراق ثبوتية.
أما في المغرب، فيسجّل 30 ألف عقد زواج من قاصرات سنويًا، 10% منهنّ يتزوجن بالفاتحة دون تحرير عقد مدني وفق جمعية حقوق وعدالة المغربية.
وأضافت الجمعية أن مدوّنة الأسرة في المغرب حدّدت سنّ الزواج بـ18 سنة مع "استثناءات" لتزويج القصّر، بحيث يكون للقاضي صلاحية تقدير صحة زواج القاصر من عدمه ليتحول الاستثناء إلى قاعدة.
وفي العراق يعدّ الزواج المبكّر على رأس أسباب حالات الطلاق، وفي لبنان فتاة من كل 25 تزوجت تحت سن الـ18.
وتجرّم قوانين جزائرية زواج القاصرات، في ظلّ ما ذكره الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات عن تزايد حالات الزواج العرفي وبقراءة الفاتحة فقط.
وبالإضافة إلى تركهنّ مقاعد التعليم نتيجة الزواج المبكر يُحرم أيضًا زواج الفاتحة الفتيات من حقوقهن عقب الطلاق وفق منظمات حقوقية عربية.
وبحسب اليونيسف رفع الزواج المبكر معدلات العنف ضدّ المرأة، ويُسجل حوالي 70 ألف حالة وفاة سنويًا من جراء مضاعفات تتعلق بحمل القاصرات وإجهاضهنّ.
"اغتصاب قانونيّ"
يرى الباحث في العلوم الإسلامية عبدالله الجباري أن هذه القضية معقّدة وتحتاج إلى نقاش عميق كما لا يمكن تجريم الأهل بشكل مطلق، لا سيّما في ظلّ اختلاف أطراف المجتمع على تعريف وتحديد عمر القاصر.
ويشير الجباري، في حديث إلى "التلفزيون العربي"، إلى أن التعامل مع قضية ابنة 12 عامًا تختلف عن قضية شابة بسن الـ16 عامًا على الرغم من أن كليهما قاصر، ويجب التفريق بين القاصرة والطفلة.
الباحث في العلوم الإسلامية عبد الله الجباري: زواج القصّر قضية اجتماعية معقدة لا يمكن حلّها عبر التجريم القانوني#جدل @rimachlone2 pic.twitter.com/21TBXFmjRx
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 10, 2021
في المقابل، ترى الناشطة النسوية العراقية نورا القيسي أنه وبحسب القوانين الدولية كل من هم دون سن الـ18 يندرجون تحت مسمّى قصّر لعدم نموهم الفيزيولوجي والنفسي.
وتردف القيسي بوجود فرق حتى بين سن الـ17 والـ18، اذ تشهد الفتيات اكتمال نموهنّ الجسدي عند بلوغ الـ18 ويصبح جاهزًا بالتالي أكثر لما سيحمله من أطفال.
ما أسباب تزويج الأولياء لبناتهنّ قسرًا؟
وتشير القيسي إلى أنه وفق إحصائيات الأمم المتحدة، أحد أهم أسباب تزويج القاصرات هي الصعوبات الاقتصادية وحالة العائلة المادية، بالإضافة إلى الحالة الأمنية في البلاد والوضع السياسي، إلى جانب تغليب منطق العادات والتقاليد على القانون.
أما عبد الله الجباري فيرى أن تزويج القاصرات في المجتمعات العربية نتيجة الوصاية الذكورية أفكار شاذة ولا يجب البناء عليها، كما يرى أن السبب يعود إلى تدني مستوى الوعي عند الآباء.
وعلى الجانب الآخر، يشير الجباري إلى أن القوانين الأوروبية تسمح بالعلاقات الجنسية قبل سنّ الـ18، ولا يتحدثون فيها على المقاربة الطبية.