مع تراجع القتال، بدأ نزوح سكان إقليم ناغورني كاراباخ الأرمن، وهم يؤمنون بأن الحياة هناك حاليًا باتت عبارة عن صراع وجود، في ظل استمرار نفاد المواد الغذائية وفرارهم إلى العراء ومخاوف من سيناريو التطهير العرقي.
وعقب 3 عقود من الحكم الذاتي، يعيش الأرمن في الإقليم وهم يشاهدون نظامهم ينهار في غضون أسابيع، لا سيما بعدما شنّت أذربيجان هجومًا ضخمًا، الأمر الذي دفع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان للإعلان عن استعداده لاستقبال عشرات آلاف الأسر بعد موافقة أذربيجان.
"أخفقت في مهمتها"
وتجري عملية النزوح برعاية قوات السلام الروسية، التي يتهمها الأرمنيون بالإخفاق في مهمتها القاضية بحفظ أمنهم منذ عام 2020.
وقد بدا ذلك جليًا على لسان رئيس وزراء أرمينيا، حين طالب الجمهور بعدم تجاهل حقيقة فشل هذه القوات.
لكن الكرملين ردّ على الاتهامات، مذكرًا باشينيان بأنه اعترف وقت وقف إطلاق النار بأن الإقليم من الأراضي الأذربيجانية.
في الأثناء، لا تتوقف الاضطرابات الداخلية التي تلاحق حكومة باشينيان، لا سيما بعد إعلان جهاز الأمن القومي الأرميني إحباطه عملية محاولة انقلاب على السلطة لأعضاء منظمة يمينية لديهم آراء مناهضة للسلطة الحالية.
وفيما من المقرّر أن يلتقي رئيس الوزراء الأرميني والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الشهر المقبل، يبدو أن باشينيان ينتظر هذا اللقاء، خاصة وأنه برعاية غربية بحتة وسط اضطرابات تهدّد مصير حكومته، وإدارة موسكو ظهرها له في أحلك أوقاته.
"اضمحلال الدور الروسي"
تعليقًا على التطورات، يسأل الكاتب والباحث السياسي سركيس أريان: "ماذا يجب على الأرمن أن يفعلوا بعد خسارة كاراباخ؟".
وبينما يذكّر في إطلالته عبر "العربي" من يريفان، بالنضال الذي جمع أرمينيا وروسيا منذ أكثر من 300 عام، يتحدث عن انكسار واضمحلال الدور الروسي، الذي كان مبرمجًا للسلام في منطقة كاراباخ لحماية المواطنين الأرمن.
ويؤكد أن الجندي الروسي لم يفعل شيئًا للحفاظ على أمن المواطنين الأرمن، الذين كانوا جاهزين للسلام.
ويعتبر أريان أن روسيا كانت تستغل الظرف في كاراباخ للضغط على الطرفين؛ وبيع أسلحة لكل من يريفان وباكو، ويقول إن الصراع كان يكبر وروسيا لم تتدخل.
"باشينيان ليس حليفًا لروسيا"
من جانبه، يعتبر الأكاديمي والباحث السياسي غيفورك ميرزيان، أن "باشينيان وأرمينيا أمران مختلفان".
ويقول في حديثه إلى "العربي" من موسكو: إن باشينيان ليس حليفًا لروسيا، ولم يكن كذلك، ولكنه يميل إلى الغرب ومساره الوظيفي مرتبط بالغرب.
وبينما يؤكد أن أرمينيا هي بالفعل حليفة لروسيا، يشير إلى "وجوب أن يتوقف الأرمن عن ممارسات طفولية، لأنه يتعيّن عليهم أن يجيبوا عن خياراتهم الانتخابية، فهم انتخبوا باشينيان".
ويشدد الأكاديمي والباحث السياسي على أن المسؤول عما يجري في ناغورني كاراباخ هم الأرمن الذين يعيشون في أرمينيا، والذين انتخبوا عام 2018 باشينيان وأعادوا انتخابه.
"توجهات باشينيان أوروبية"
بدوره، يرى أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات، أن الحسابات قد تغيّرت في المنطقة منذ عام 2018 والثورة المخملية التي قادها نيكول باشينيان وأوصلته إلى سدة الحكم في يريفان.
ويذكر في حديثه إلى "العربي" من الدوحة، بأن توجهات باشينيان أوروبية وليست روسية، وهو الأمر المفهوم منذ اليوم الأول لوصوله للحكم ومنذ الثورة المخملية التي قادها.
ويقول: لهذا السبب لم نفاجأ عام 2020 عندما حصل تفاهم ضمني غير معلن وغير مكتوب بين روسيا وتركيا، بأن تمدّ هذه الأخيرة أذربيجان بالأسلحة المتطورة والطائرات المسيّرة والعتاد الكبير وأن تدخل بشكل علني على خط الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، وألا تتحرك روسيا للدفاع عن حليفها المفترض أرمينيا.
ويلفت إلى أن أرمينيا عضو في منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، والتي تشكلت عام 1992 لإيجاد إطار أمني للدفاع عن الجمهوريات السوفيتية السابقة.
ويضيف: من الناحية الفنية أعلنت روسيا عام 2020 ألا اعتداء على أراضي أرمينيا كي تقوم بالتدخل لحمايتها.
ويتدارك قائلًا: إن "التفاهم الروسي التركي الذي أدى بنهاية المطاف إلى انتصار حاسم لباكو دون تدخل فاعل من موسكو، أراد أن يوصل رسالة لباشينيان بأن وجهتك هي الغرب، فدعه يدافع عنك ويحميك ويحمي ناغورني كاراباخ"، مؤكدًا أن الغرب لم يقدم شيئًا لباشينيان آنذاك.