بعض الأحداث، لا سيما المآسي منها، لا يمكن التغاضي عنه والانصراف إلى شؤون أخرى وكأنه لم يحدث.
وبينما يُعد العدوان الإسرائيلي الذي يشهده قطاع غزة حاليًا أحد تلك المآسي، حيث ينكب المشاهد على متابعة الأحداث تاركًا اهتماماته الترفيهية، تظهر أهمية الدور الذي يلعبه المشاهير، سياسيين وفنانين ومؤثرين، على مواقع التواصل الاجتماعي.
فهؤلاء يلعبون دورًا في مواجهة الرواية الإسرائيلية التي يتبناها الإعلام الغربي، عبر نقل الحقيقة إلى ملايين الأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا عما يحدّث في قطاع غزة، وسط سيل الأكاذيب والادعاءات والتعتيم.
وما يؤكد الفارق الذي تحدثه "الكلمة" ما أسفر عنه الكذب بشأن تعرّض 40 طفلاً للذبح على يد الجانب الفلسطيني، حيث أقدم رجل أميركي سبعيني على قتل طفل من أصل فلسطيني في السادسة من عمره بـ26 طعنة، بينما ترك أمه في حالة حرجة بعدما تعرّضت لـ12 طعنة.
وفي هذا الصدد، تلعب أيضًا كلمة لاعب كرة القدم دورًا في إيصال ما يعرفه إلى متابعيه، وعليه يُحسب على أي لاعب عدم خروجه عن صمته لقول "كلمة الحق".
كيف يكون ذلك؟ الإجابة يقدمها في ما يأتي اليوتيوبر محمد أبو زيد (الكوير) في برنامج "مع الكوير"، الذي يُعرض حصريًا على منصّات "العربي" الرقمية.
لمَ في كرة القدم؟
على اختلاف اهتمامات المجتمع العربي، تبقى فلسطين قضيته الأولى، لذا تتغنى الجماهير في الملاعب بفلسطين وترفع علمها، وتنشد الأغاني عنها، بل إن الأخيرة تعتبر جزءًا من هوية النادي.
وعليه، يُنتظر وسط الأحداث المؤلمة في قطاع غزة أن يتحدث اللاعبون العرب في أوروبا والعالم عما يجري، وأن يميّزوا بين الصواب والخطأ لملايين المتابعين، وسط الهجوم الإعلامي الكبير الذي يقصي الرواية الفلسطينية تمامًا.
من هنا، تبرز الحاجة إلى لاعبين ومؤثرين وصناع قرار في كرة القدم هي ليتكلموا ويمارسوا الضغوط فلا تضيع الحقوق.
ففي العام 1948 احتلّت إسرائيل الأراضي والمؤسسات الرسمية، فتحول الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم.
ومع أن الاتحاد أصبح عضوًا في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم وراح يشارك في البطولات القارية، هل عنى ذلك أنه اكتسب شرعية؟
لا، إذ نُظر إليه بوصفه دخيلًا على اللعبة في آسيا، ولا سيما من جانب الاتحادات العربية التي رفضت التعامل مع فرق ومنتخب الاتحاد الإسرائيلي.
وقد أُنشئ اتحاد للدول العربية بقيادة رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم أحمد السعدون، وأصدر في ذلك الحين طلبًا رسميًا للاتحاد الآسيوي لطرد الاحتلال من الاتحاد.
وفي العام 1976، صدر القرار الرسمي بإبعاد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من قارة آسيا بأصوات 17 دولة مؤيدة للقرار في مقابل 13 أخرى صوتت ضده.
وبقي الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم بعيدًا عن أنشطة كرة القدم إلى أن انضم للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في العام 1992.
وما تقدم موقف سُجل لصالح القضية الفلسطينية بفضل من لم يلتزموا الصمت ولم يرضخوا لما يناقض مبادئهم وقناعاتهم.
فهل يمكن أن نتخيل لو أن أجيالًا وأجيالًا من العرب اعتادوا على كيان يلعب بصورة عادية على الأراضي العربية؟ تلك واحدة من الحروب التي تخاض ضد إسرائيل، أي حرب الأجيال التي تعي ما يحصل في المنطقة وتميّز بين الصديق والعدو.
أبو تريكة.. صورة محفورة في تاريخ كرة القدم
لذا ستظل صورة "الماجيكو" أبو تريكة محفورة في تاريخ كرة القدم العربية، عندما رفع قميص المنتخب المصري لتظهر من تحته عبارة "تعاطفًا مع غزة" عقب تسجيله هدفًا في كأس إفريقيا عام 2008، وسط العدوان الإسرائيلي على القطاع.
حينها كان الاتحاد الإفريقي لكرة القدم عازمًا على اتخاذ عقوبات في حق اللاعب المصري بتهمة إظهار شعارات سياسية في الملعب، غير أن المنتخبات العربية المشاركة في البطولة هدّدت بالانسحاب إن تعرّض الماجيكو لعقوبة كبيرة.
وحينها أيضًا، قال مدرّب المنتخب المصري حسن شحاتة لأبو تريكة "معاتبًا": "ما كنت تخبرنا يا عم، كنا نخليك تطبعلنا 35 قميص زيه".
وبينما وجّه الاتحاد الإفريقي إنذارًا لأبو تريكة ومنحه الحكم بطاقة صفراء وكتب في تقريره أن اللاعب بعث برسالة سياسية، وأدخل السياسة بالرياضة ما أحدث ضجة في الإعلام العالمي ضده، لم يكن الحال مشابهًا عندما رفع اللاعب الغاني جون بانتسيل علم إسرائيل احتفالًا بهدف منتخب بلاده غانا أمام منتخب التشيك في كأس العالم 2006.
فذاك التصرف لم يعتبر رسالة سياسية، على الرغم من أن إسرائيل لم تكن على صلة بالمباراة أساسًا.
وبدا منذ ذلك الحين أن المؤسسات الرسمية في عالم كرة القدم ستعتمد موقفًا مشابهًا لما حصل مع أبو تريكة، ففي العام 2009 غرّم الاتحاد الإسباني اللاعب عمر فريديريك كانوتيه بقرابة 3000 يورو بعدما أظهر قميصًا كتب عليه كلمة فلسطين بعدد من اللغات، للتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لقصف الاحتلال الإسرائيلي.
بدوره، نادي سلتيك الأسكتلندي، الذي تتبنى جماهيره رسميًا موقفًا داعمًا وغير مشروط للقضية الفلسطينية، غرّمه الاتحاد الأوروبي 8 مرات في 5 مواسم بسبب رفع الجماهير أعلام فلسطين خلال مبارياته.
ازدواجية المعايير.. حتى في كرة القدم
في المحصلة، يبدو أن تلك القوانين في عالم كرة القدم لا تظهر إلا عندما يتعلق الأمر بفلسطين. وقد كان الوقت كفيلًا لإظهار ازدواجية المعايير بطريقة بشعة جدًا.
فمنذ اليوم الأول للهجوم الروسي على أوكرانيا، هبّ العالم الغربي بكل مؤسساته بما فيها الرياضية ومن ضمنها كرة القدم للتضامن مع أوكرانيا. فظهرت الشعارات والأعلام وخُصصت دقائق صمت، وملصقات إعلانية لهذه الغاية.
في المقابل، فُرضت عقوبات على منتخب روسيا ومُنع من المشاركة في مباراة ملحق التأهل لكأس العالم.
لكن أحدًا لم يحرك ساكنًا عندما اعتقل الاحتلال الإسرائيلي النجم الفلسطيني سامح مراعبة 6 أشهر، أو عندما قتلت قواته أحمد عاطف دراغمة اللاعب في نادي طولكرم الفلسطيني.
وازداد الضغط أكثر مع أحداث حي الشيخ جراح في العام 2021، عندما أثارت تغريدة نشرها لاعب أرسنال المصري محمد النني ودعم فيها فلسطين غضب منظمة إسرائيلية في لندن فبعثت برسالة رسمية لنادي أرسنال. وقد وعد النادي بمحادثة النني ليفهمه "حساسية" ما كتبه.
لكن الأمر لم يكن مماثلًا على الإطلاق عندما قام زميل النني الأوكراني ألكسندر زينشنكو بدعم إسرائيل عبر منشور على إنستغرام.
في السياق عينه، أدت مقاطع على حسابات لاعب نادي ماينز الألماني أنور الغازي أبدى فيها تضامنه مع فلسطين، إلى صدور بيان رسمي من فريقه يؤكد اتخاذ قرار بتوقيفه حتى إشعار آخر. كما تتردد أخبار كثيرة حول إمكانية فسخ عقده وتسريحه من النادي.
وفي ألمانيا أيضًا، أفردت صحيفة "بيلد" تقريرًا كاملًا لإظهار إسرائيل في صورة الملاك وأن اللاعب المغربي نصير مزراوي بتضامنه مع فلسطين يسيء لمشاعر زميله في نادي بايرن حارس المرمى دانيال بيريتز، الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، في حين قام الأخير بوصف أهل غزة بالإرهابيين في منشوراته مرددًا الأكاذيب.
وفي فرنسا، خرجت حملة على رأسها رئيس بلدية مدينة نيس ضد لاعب فريق المدينة الجزائري يوسف عطال تتهم هذا الأخير بمعاداة السامية بسبب دعمه لفلسطين. وقرر النادي وقف اللاعب بعدما فتحت النيابة العامة تحقيقًا ضده.
أما اللاعب كريم بنزيما، الذي نشر تغريدة سمى فيها الأمور بمسمياتها وسط العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد أثار حالة من الجنون في فرنسا وصلت إلى حد كيل اتهامات خطيرة بحقه.
فالبرلمانية الفرنسية فاليري بوايي ادعت بأن صلات تجمع بنزيما مع منظمات إرهابية، مطالبة بسحب الجنسية الفرنسية منه، وكذلك جائزة "البالون دور" التي فاز بها عام 2022.
العتب الكبير على محمد صلاح
وأمام حالة التضييق تلك، تحتاج الجماهير العربية والإسلامية إلى كل صوت مؤثر يوضح وجهة نظر الضحية ويكسر "التابوهات" التي خدعت العالم الغربي بسبب ترويج رواية الجلاد.
وبالنظر إلى الدور الذي تلعبه منشورات لاعبين مثل النني ورياض محرز وأحمد حسن كوكا، كان الناس ينتظرون سماع كلمة من اللاعب محمد صلاح الذي لطالما حظي بالدعم حتى وإن قدم أداء سيئًا.
فمع ما له من تأثير وأعداد متابعين وقاعدة جماهيرية كبيرة، جاء العتب الكبير عليه بعدما فضل السكوت على منصات التواصل الاجتماعي إلى أن نشر مقطعًا مصورًا يطالب فيه بمساعدة أهل غزة ووقف إزهاق الأرواح.
الفيديو نفسه خلق حالة من الجدل بين من اعتبروا أنه لم يعبّر عن الحقيقة تمامًا، وآخرين ارتضوا بـ"نص الكلمة التي تفوه بها". كما رضي آخرون بالمنشور من منطلق "أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا".
وبعد ساعة واحدة من نشره، حصل الفيديو على 50 مليون مشاهدة، وهو رقم ضخم جدًا يمكن لقلة من المؤثرين أن تصل إليه. وإن أمكن من بين عشرات الملايين التأثير بـ1000، فيتمكنوا من التمييز بين الحق والباطل، سيكون ذلك مكسبًا كبيرًا جدًا.
من هذا المنطلق كان التعويل كبيرًا جدًا على محمد صلاح، ليكون سفيرًا حقيقيًا للعرب بوصفه واحدًا منهم، ويرون فيه الرجل الذي يشبههم بعدما كبر في الأحياء الشعبية واجتهد ليصل إلى ما وصل إليه بتعبه وبدعمهم: يفرحون لكل مباراة يخوضها ولكل هدف يسجله ولكل لقب يرفعه.