عيّن الرئيس الفلسطيني محمود عباس المستشار الاقتصادي محمد مصطفى رئيسًا للوزراء لتشكيل الحكومة التاسعة عشرة، في حين تشهد الأراضي الفلسطينية حالة توتر على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبحسب نص مرسوم التكليف، فإن مهام رئيس الوزراء الجديد تتمثل في تنسيق جهود إعمار قطاع غزة، وإعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية، ومواصلة الإصلاح بما يفضي إلى نظام قائم على الحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد، والتحضير لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في كافة المحافظات الفلسطينية بما فيها القدس المحتلة.
ترحيب أميركي ورفض فلسطيني
ومحمد مصطفى البالغ من العمر 69 عامًا يعرف بأنه رجل اقتصاد وشغل مناصب في مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، أبرزها رئاسة مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، كما عمل في البنك الدولي مدة 15 عامًا.
وجاء اختيار مصطفى لتشكيل حكومة فلسطينية، بعد سلسلة مطالبات أميركية لتجديد السلطة وإصلاحها.
في حين استبق تكليف مصطفى، ما وصفته مصادر سياسية بحوار أجرته قيادة السلطة الفلسطينية مع الولايات المتحدة وأطراف إقليمية، لإقناعها باسم محمد مصطفى.
بدوره رحب البيت الأبيض، بتعيين مصطفى رئيسًا للحكومة الفلسطينية الجديدة، وطالب بتشكيل حكومة إصلاحية في أسرع وقت ممكن، بوصفها خطوة ضرورية لتهيئة الظروف للاستقرار في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بحسب ما جاء في بيانه.
لكن الخطوة بدت أنها زادت المشهد الداخلي الفلسطيني تعقيدًا، إذ قابلتها فصائل وحركات سياسية فلسطينية منها حماس، بالرفض، معتبرة إياها خطوة تعزز الانقسام الفلسطيني.
وقالت حماس وحركة الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية، إن تشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني؛ هو تعزيز لسياسة التفرد، وتعميق للانقسام، والتفاف على تشكيل قيادة وطنية موحدة، وفق بيانها.
وهذه المواقف المتباينة تؤشر إلى تعقد المشهد الفلسطيني يومًا بعد يوم، وأن العدوان على غزة وما خلفه من كارثة غير مسبوقة، لم يهيئ الظروف الفلسطينية بعد لإنهاء الانقسام، وترتيب البيت الداخلي، باعتبارها خطوة مهمة لمعالجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على القطاع.
"رؤية وطنية عميقة"
وفي هذا السياق، يرى عضو المجلس الثوري لحركة فتح تيسير نصر الله، أن تكليف محمد مصطفى لم يكن مفاجئًا للشعب الفلسطيني بل إن الكل كان ينتظر من الرئيس محمود عباس ممارسة صلاحيته، وتعيين أحد الكفاءات الوطنية لرئاسة الحكومة القادمة لبدء التشاور مع الكل الفلسطيني، حسب قوله.
ويضيف نصر الله في حديث إلى "العربي" من نابلس، أن "تشكيل الحكومة يأتي في وقته؛ لأن الأولوية هي الوصول إلى الانتخابات وهي إحدى مهام الحكومة التي يجب أن تلقى قبولًا دوليًا وخاصة أنها مكلفة بإعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب، وإلا ستبقى الحكومة محاصرة كما كانت حكومة محمد اشتيه خلال الخمس سنوات الماضية".
وإذ يشير إلى وجود "قبول فلسطيني لحكومة من الكفاءات المهنية والوطنية"، لفت نصر الله إلى أن "هناك واقعا جديدا بعد السابع من أكتوبر يحتاج إلى رؤية وطنية عميقة، وأن حركة فتح تقدمت بخطوة لتجاوز الواقع الجديد بشكل مشترك".
ووفقًا لنصر الله، "لا يزال الباب مفتوحًا أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لأننا بحاجة لوحدة وطنية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية ينضوي تحتها الكل الفلسطيني لمواجهة التحديات".
"الأولوية الآن هي لصد الاحتلال"
بدوره، يعتبر محمد الحاج موسى، المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي، أن "بيان حركات المقاومة جاء لأن القضية الفلسطينية تعيش حالة خطر وجودي من قبل إسرائيل، إضافة إلى مشاريع تصفية للقدس وتهجير للفلسطينيين".
ويضيف في حديث إلى "العربي" من بيروت، أن "الأولوية الآن هي لصد الاحتلال وإيقاف حرب الإبادة الجماعية وهذا يحتاج إلى تواصل كافة القوى الفلسطينية".
ويلمح الحاج موسى إلى أن "هناك مقاومة وصمودا وإنجازات راهنًا لم يحققها الفلسطيني منذ عام 1948، وبالتالي الأولوية هي مواجهة الاحتلال وهذا ما يحتاج إلى توافق وقيادة وطنية موحدة".
وأردف متسائلًا: "ما الجدوى من استبدال حكومة فلسطينية بأخرى؟"، معتبرًا أن ذلك بمثابة "إطلاق نار على مدار الوقت لكل محاولات لملمة البيت الفلسطيني".
وراح يقول: "الإشكالية الأساسية ليست داخلية بل في وجود الاحتلال الذي يريد إلهاء الفلسطينيين بمثل هذا الاستبدال الحكومي".
"هذه ليست حكومة مواجهة"
من جانبه يرى ناصر أبو خضير، الناشط السياسي، أن "إقدام السلطة الفلسطينية على تشكيل حكومة لا يمكن وصفه إلا بالإمعان من جانب الرئيس محمود عباس وسلطته بضرب عرض الحائط بالكل الوطني وآخرها الحوارات في موسكو التي جرت قبل أسبوعين".
ويضيف أبو خضير في حديث إلى "العربي" من القدس: "هناك إصرار من السلطة على إزاحة منظمة التحرير وقواها السياسية المختلفة وكل القوى السياسية الفلسطينية، وبالتالي هذا يعني تلبية استحقاقات وشروط الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والارتماء في حضن المشروع الأميركي والذي تكشف في ظل هذه المجازر الدموية في غزة".
ومضى يقول: "هذه ليست حكومة مواجهة ولن تكون، إذ إن كل مشروع السلطة هو الانضواء في المشروع الأميركي لإجهاض القضية الوطنية".
وشدد على ضرورة الكف عن تصوير "أن هذه الحكومات وكأنها منقذ للشعب، إذ إن الشعب ليس بحاجة لحكومة كفاءات معينة من الإدارة الأميركية".
ويخلص إلى أنه "لا يمكن لهذه الحكومة أن تحظى بموافقة الكل الوطني؛ لأن المرحلة لا تحتاج إلى حكومة تكنوقراط بل تحتاج إلى قيادة وطنية حقيقية تعيد الاعتبار لمشروع التحرير الوطني".