شهد العالم على مرّ التاريخ حروبًا طويلة لأهداف سياسية اقتصادية واجتماعية مختلفة. وخلّفت هذه الحروب مليارات القتلى والجرحى، وإن كان بعضها لتحقيق الاستقلال أو التخلّص من العبودية والاحتلال.
وفي المقابل، شهد العالم أيضًا سلسلة من الحروب الغريبة التي تُثبت أنّ بعض الصراعات لا تكون نابعة من أهداف سامية. ففي الحقيقة، بعض الحروب تنبثق بسبب أحداث تحريضية غبية جدًا.
ورصد موقع "ليست فيرس" (listverse.com) بعضًا من هذه الحروب التي ستجعلك تفكر مرتين في بعض المعارك غير البطولية عبر التاريخ. فماذا نعرف عنها؟
1- حرب الدلو (War of the Oaken Bucket)
عام 1325، اندلعت معركة غريبة للغاية بين مدينتي بولونيا ومودينا الإيطاليتين اللتين جمعتهما عداوة قديمة لأكثر من ثلاثة قرون، حيث تقاتل الغويلفيون (ومعقلهم في بولونيا) والغيبلينيون (ومعقلهم في مودينا) على منطقة إميليا رومانيا في شمال إيطاليا.
وتقول الأسطورة إنّ الحرب اندلعت على دلو أخذه سكان مودينا غنيمة من بئر في بولونيا.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1325، التقى جيشا المدينتين في مدينة زابولينو بإقليم بولونيا، وخاضا معركة الحرب الوحيدة في ذلك الشهر، حيث قُتل حوالي 1500 جندي من بولونيا بينما انتصر جيش مودينا.
وعندما فر سكان بولونيا عائدين إلى أسوار مدينتهم المحصنة، أخذ سكان مودينا الدلو من البئر غنيمة، وهو ما زاد غضب سكان بولونيا. وعلى مدى الأعوام المئتين التالية، استمرت الدولتان في القتال حتى عام 1529 عندما استولى الملك تشارلز الأول ملك إسبانيا على السلطة في جزء كبير من إيطاليا.
لم يعجب ذلك الغويلفيين ولا الغيبلينيين. وفي مواجهة تهديد الإسبان، قرّرت بولونيا ومودينا انهاء الحرب وعقد السلام بينهما والاستعداد لمحاربة الإسبان.
2- حرب أذن جنكينز
في منتصف القرن الثامن عشر، كان روبرت جنكينز قبطان سفينة بريطانية تُعرف باسم "ريبيكا".
عام 1731، تعرّضت سفينة "ريبيكا" إلى هجوم إسباني خلال إبحارها بمنطقة الكاريبي، ونهب الجنود الإسبان محتوياتها قبل أن يُقدموا على تعنيف طاقمها وقطع أذن جنكينز.
وأدت الحادثة إلى اندلاع حرب استمرت عقدًا من الزمن بين القوتين البحريتين، في نقاط على طول البحر الكاريبي، بما في ذلك غرناطة الجديدة.
خلال أكتوبر/ تشرين الأول 1740، انتقلت المعارك إلى القارة الأوروبية فيما يُعرف بحرب الخلافة النمساوية، وشملت كل الدول الأوروبية تقريبًا.
وفي عام 1748، تراجعت كل من بريطانيا العظمى وإسبانيا عن بعض مساعيهما في منطقة البحر الكاريبي، ونسيتا أذن جنكينز.
3- حرب الكعك
عام 1832، كان الطاهي الفرنسي ريمونتيل متجر كعك على مشارف مدينة مكسيكو في مكان يسمى تاكوبايا. تعرّض المتجر للسرقة، واتهم ريمونتيل ضباطًا مكسيكيين بالأمر، وعندما لم يحصل على تعويض من الحكومة المكسيكية، دعا السلطات الفرنسية إلى التصرّف. فقرّرت سلطات بلاده الدخول في حرب كاملة في المكسيك.
عام 1838، طالبت الحكومة الفرنسية آنذاك نظيرتها المكسيكية بدفع مبلغ 600 ألف بيزو للتعويض عن خسارة متجر الكعك ومجموعة متنوّعة من الشركات الفرنسية الأخرى في المكسيك. وعندما رفض المكسيكيون دفع المبلغ الذي كان يُعتبر باهظًا آنذاك، اتخذ الفرنسيون قرار الحرب.
وعلى الفور، فرضت البحرية الفرنسية حصارًا على جميع المدن الساحلية المكسيكية في خليج المكسيك، كما أغلق الفرنسيون الطرق التجارية للمدن الساحلية المكسيكية. حتى أن الولايات المتحدة أرسلت مركبًا شراعيًا في وقت ما لمساعدة الفرنسيين في الحصار.
وتمدّدت المعركة من البحر إلى اليابسة، حيث اقتحم الفرنسيون حصنًا مكسيكيًا واستولوا عليه في النهاية. وخسر الجانبان مئات الرجال في هذه الحرب، قبل التوقيع على اتفاق سلام، قضى بدفع المكسيك غرامة قدرها 600 ألف بيزو. ومع ذلك، لم يدفعوا المبلغ، ما أدى إلى هجوم فرنسي ثانٍ أشد كثافة على المكسيك، واستمرّ حوالي عقد كامل بدءًا من عام 1861.
4- حرب الكلب الضالّ (حرب بيتريتش)
في 18 أكتوبر 1925، كادت الحرب أن تندلع بين اليونان وبلغاريا بعد أن عبر كلب ضال الحدود وتسبّب في حادثة دولية.
وتقول احدى الروايات، إنّ الحرب اندلعت بعد أن ركض كلب عبر الحدود من اليونان إلى بلغاريا عند ممر ديمير كابيا. وكان الكلب ملكًا لجندي يوناني سارع عبر الحدود للإمساك بالجرو الضال وإعادته؛ لكنّ البلغاريين أطلقوا النار عليه.
في المقابل، تزعم النسخة البلغارية من القصة أنّه لم يتورط أي كلب على الإطلاق، بل أنّ البلغاريين عبروا الحدود اليونانية وقتلوا نقيبًا يونانيًا وحارسًا في خطوة عدوانية.
وسارعت بلغاريا إلى الاعتذار عن الحادث، وزعمت أن إطلاق النار على الجنود اليونانيين كان سوء فهم، وأعربت عن أسفها، كما عرضت المشاركة في تحقيق مشترك في الحادث.
لكن اليونان أصدرت إنذارًا نهائيًا لبلغاريا، يقضي بمعاقبة المسؤولين خلال 48 ساعة، أو دفع مليوني فرنك فرنسي كتعويض لأسر الضحايا.
ولفتت القضية نظر عصبة الأمم، التي كانت في ذلك الوقت بمثابة مقدمة من نوع ما للأمم المتحدة، خاصة أنّها لم تكن ترغب باندلاع حرب واسعة النطاق بين اليونان وبلغاريا.
وفي النهاية، وقبل سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الأولى، احتلت اليونان مدينة بيتريش. وخوفًا من اندلاع أعمال عنف، تحرّكت عصبة الأمم بسرعة للتوسط في الأمور. ولحسن الحظ، تجنّبت اندلاع حرب كاملة.
5- حرب الكرسي الذهبي
عام 1900، شنّت بريطانيا حربًا غريبة جدًا مع إمبراطورية أشانتي فيما يُعرف الآن بدولة غانا في غرب إفريقيا. ودارت الحرب بأكملها حول ما يسمّى "الكرسي الذهبي"، والذي كان رمزًا مقدسًا طويل الأمد للقوة وكان يحظى باحترام كبير من قبل شعب الأشانتي.
في الأساس، أراد البريطانيون استعمار تلك المنطقة الساحلية بأكملها من إفريقيا، ولم يكن الأشانتي مستعدين للاستعمار.
اشتعلت التوترات لأول مرة عام 1896، عندما أرسل البريطانيون قوات لاحتلال المنطقة. ثم في عام 1900، نظّم الأشانتي انتفاضة لإخراج البريطانيين من أراضيهم وتخلّي القوة الأوروبية عن أحلامها الاستعمارية في غرب إفريقيا. ومع ذلك، قام البريطانيون بسرعة بقمع التمرّد، ثم استولوا بالكامل على مدينة كوماسي التابعة للأشانتي.
بعد الاستيلاء على كوماسي، قام البريطانيون بترحيل ملك أشانتي التقليدي بالإضافة إلى جميع مستشاريه. وفي المقابل، تمّ ضم منطقة أشانتي بالكامل وأصبحت جزءًا من الأراضي الخاضعة لسيطرة بريطانيا في الخارج باعتبارها مستعمرة تابعة للتاج البريطاني. وذهب السير فريدريك هودجسون الذي كان المدير البريطاني المسؤول عن المستعمرة الجديدة بأكملها هناك، إلى شعب الأشانتي وطالب بالسماح له بالجلوس على الكرسي الذهبي.
لكنّ الأشانتي رفضوا هذا الطلب وأخفوا الكرسي الذهبي، ما أدى إلى اندلاع حرب على الكرسي الذهبي، من مارس 1900 حتى سبتمبر من ذلك العام. وفي المجمل، قُتل أكثر من ألف جندي بريطاني، مقابل أكثر من ألفي رجل من الأشانتي. ومع ذلك، لم يتم إخراج الكرسي الذهبي من مخبئه، حتى بعد انتهاء الحرب. ثم في عام 1921، اكتشفت مجموعة من عمال الطرق الأفارقة الكرسي أثناء وجودهم في مشروع بناء، وجردوه من الكثير من الذهب.
وطالب زعماء الأشانتي بإعدامهم، لكنّ البريطانيين احتجزوا عمال الطرق وتفاوضوا في النهاية على نفيهم بدلًا من قتلهم.
وبعد ذلك، أُخرج الكرسي الذهبي من مخبئه وأعادوه إلى أصحابه الشرعيين من الأشانتي.
6- حرب كرة القدم
يُعدّ كأس العالم أحد أهم أحداث كرة القدم في العالم التي تُقام كل أربع سنوات. وبينما يظل الجدل قائمًا على أرض الملعب في معظم الأوقات، إلا أنّ الأمور تصبح محمومة بعض الشيء في بعض الأحيان.
وتجلّى هذا الأمر في عام 1969، عندما اندلعت التوترات التي طال أمدها بين هندوراس والسلفادور أثناء خوضهما مباراة التأهل إلى كأس العالم 1970.
خلال المباراة الأولى في 8 يونيو/ حزيران في تيغوسيغالبا، فازت هندوراس بنتيجة 1-0. ثم في المباراة الثانية في 15 من الشهر ذاته في سان سلفادور، فاز الفريق المضيف من السلفادور بنتيجة 3-0. ولذلك خاض الفريقان مباراة فاصلة نهائية في مكسيكو سيتي في 26 من الشهر نفسه. وفي تلك المباراة، فازت السلفادور بنتيجة 3-2.
أثناء وبعد كل مباراة من تلك المباريات، اندلعت أعمال شغب. لكنّ أكبر أعمال الشغب وقعت بعد المباراة الفاصلة في مكسيكو سيتي، واستلزمت استجابة حكومية سريعة.
وبما أنّ السلفادوريين كانوا يهاجرون إلى هندوراس لعقود من الزمن بحلول تلك المرحلة، حيث شكّلوا أكثر من 10% من سكان هندوراس.
لكنّ الأمر لم يرق للسكان المحليين في هندوراس، وشعروا أنّ السلفادوريين كانوا يستولون على الوظائف والموارد المخصّصة لمواطني هندوراس. لذا تصاعدت أعمال العنف ضد السلفادوريين في تيغوسيغالبا وأماكن أخرى. وفي المقابل، في نفس يوم المباراة الثالثة لكرة القدم، قطعت السلفادور جميع علاقاتها الدبلوماسية مع هندوراس.
ثم بدأت الحرب، حيث هاجمت القوات الجوية السلفادورية أهدافًا عسكرية هندوراسية داخل حدود هندوراس. وعلى مدى الأيام الأربعة التالية، اندلعت مناوشات ومعارك في جميع أنحاء هندوراس، حيث قُتل حوالي 900 جندي ومدني سلفادوري وأكثر من 2100 جندي ومدني هندوراسي، قبل أن تندفع منظمة الدول الأميركية لوقف إطلاق النار.
وفي النهاية، سحبت السلفادور قواتها، وانتهت الحرب بعد أقل من أسبوع من بدايتها.
7- حروب القد
كانت حروب القد عبارة عن سلسلة من النزاعات خلال منتصف القرن العشرين بين أيسلندا وبريطانيا حول ممرات صيد سمك القد والمناطق في شمال المحيط الأطلسي. وعلى الرغم من أنها لم تكن "حروبًا" تقليدية، إلا أنّها كانت مميتة. وفي جميع النزاعات، خرجت أيسلندا منتصرة وتمكّنت من الحفاظ على قنوات صيد سمك القد والمياه الإقليمية التاريخية.
تطوّرت الأمور في القرن الخامس عشر، عندما ظهرت سلسلة طويلة من النزاعات بين أيسلندا وبريطانيا حول حقوق صيد الأسماك.
ومع ذلك، توترت الأمور أكثر بعد أن سمحت محكمة العدل الدولية لأيرلندا بتوسيع مياهها الإقليمية من ثلاثة أميال بحرية إلى أربعة أميال بحرية عام 1952. وأثار ذلك غضب الصيادين البريطانيين الذين زعموا أنّ التوسّع سيُضرّ بصناعتهم. وردًا على ذلك، منعت بريطانيا قوارب الصيد الأيسلندية من الرسو في أي ميناء بريطاني لتفريغ صيدها.
وبعد ست سنوات، وتحديدًا في عام 1958، وسّعت أيسلندا مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا بحريًا، ومنعت جميع الأساطيل الأجنبية من الصيد داخل تلك المياه. لكن بريطانيا رفضت قبول القرار.
لذلك، وعلى مدى حوالي عقدين كاملين من عام 1958 حتى عام 1976، رافقت البحرية الملكية البريطانية قوارب الصيد البريطانية مباشرة إلى مناطق الصيد المربحة، بينما أمضى خفر السواحل الأيسلندي وقته في محاولة إخراج القوارب البريطانية من مياه بلادهم.
واستمرت لعبة القط والفأر مرارًا وتكرارًا، حيث قطع خفر السواحل الأيسلندي الشباك عن القوارب البريطانية وأتلفت صيدهم. كما قام الجانبان بشكل روتيني بصدم سفنهما بقوارب من الجانب الآخر، ما أدى إلى إتلافها وزيادة التوترات.
ولحسن الحظ، لم يكن هناك سوى حالة وفاة واحدة مؤكدة خلال ما يسمّى بحروب القد الأربعة. وفي نهاية المطاف، انتهت حروب سمك القد عام 1976، عندما استسلمت بريطانيا أخيرًا ووافقت على الاعتراف بالحدود البحرية المشروعة لأيسلندا ومنطقة الصيد ذات السيادة.