بعد تزويجها في السابعة برجل يكاد يكون بعمر جدّها في أفغانستان، تعرّضت فاطمة للاغتصاب والضرب والتجويع إلى حدّ لم تتحمله وحاولت إنهاء حياتها.
بعيون دامعة، تتذكر الضرب الذي تلقته في العاشرة من عمرها، وكيف دُفعت إلى حائط وطُرق رأسها بمسمار، ثم تقول: "كدت أن أموت".
تبلغ فاطمة الآن 22 عامًا، وتقيم حاليًا في أحد مراكز الإيواء القليلة للنساء المعنفات التي لا تزال مفتوحة في أفغانستان منذ عودة طالبان إلى الحكم. غير أنها تخشى أن تفقد ملجأها في أي وقت.
ففي حال أُغلق المركز، لن يبقى أمام فاطمة أي مكان تلجأ إليه، لا سيما وأن الاتصال انقطع بعائلتها، فيما هدّدت عائلة زوجها بقتلها لأنها جلبت لهم العار.
صالونات التجميل في #كابل تتحدّى تضييقات طالبان المفروضة على النساء #شبابيك #أفغانستان pic.twitter.com/F6abhYaB11
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 7, 2021
وتعاني من محنة فاطمة ملايين النساء في أفغانستان؛ حيث حرمت التقاليد الذكورية والفقر وانعدام التعليم النساء من حقوقهن منذ عقود.
وتفيد الأمم المتحدة بأن 87% من الأفغانيات تعرّضن لنوع من العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي.
ورغم ذلك، لم يكن في البلد الذي يضم 38 مليون نسمة سوى 24 مركز إيواء للنساء قبل عودة طالبان، جميعها تقريبًا يموّلها المجتمع الدولي ويعارضها العديد من المحلّيين.
البدء من الصفر
كثفت بعض الملاجئ التي تديرها منظمات غير حكومية جهودها قبل وقت طويل من عودة طالبان.
وأشارت مديرة إحدى تلك المنظمات لوكالة "فرانس برس"، إلى أنها بدأت في إخراج النساء من ملاجئ في ولايات غير مستقرة قبل انسحاب القوات الأميركية.
أُرسل بعضهن إلى أقارب الدم أملًا في أن تُقدَم لهن الحماية من عائلات الأزواج، في حين أُرسلت أخريات إلى ملاجئ في عواصم ولايات أكبر.
وبينما واصلت طالبان تقدمها، بات الوضع ميؤوسًا منه أكثر من ذي قبل، ونُقلت قرابة 100 امرأة إلى كابُل لكن العاصمة سقطت.
وقالت المديرة طالبة عدم الكشف عن اسمها أو اسم منظمتها: "علينا أن نبدأ من الصفر". وتسعى المنظمة لمعرفة سبل العمل في ظل النظام الجديد.
بحجة عدم الحصول على ترخيص مسبق.. #طالبان تفض بالقوة مظاهرة نسائية تطالب بحق المرأة في التعليم pic.twitter.com/qusqHg35DJ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 30, 2021
من ناحيتها، تؤكد طالبان أن تفسيرها المتشدّد للقرآن يؤمن الحقوق والحماية للنساء، لكن الواقع مختلف جدًا إذ تواجه النساء ضغوطًا ويتم إخراجهن ببطء من الحياة العامة.
كما أُغلقت معظم مدارس البنات الثانوية، ومُنعت النساء من تولي الوظائف الحكومية باستثناء مجالات معينة.
وهذا الأسبوع، صدرت تعليمات جديدة تمنعهن من القيام برحلات طويلة من دون مرافق ذكر. ومع ذلك برز بصيص أمل.
فقد ندّد القائد الأعلى لحركة طالبان هبة الله أخوند زاده الشهر الماضي بالتزويج القسري، فيما أعلن سهيل شاهين ـ مرشح طالبان لمنصب ممثل كابل في الأمم المتحدة ـ لمنظمة العفو الدولية أن بإمكان النساء اللجوء إلى المحاكم إذا تعرّضن للعنف.
ولم يصدر عن النظام أي إعلان رسمي حول مستقبل مراكز الإيواء، رغم معرفته بوجود اللاجئات.
تجارة الزعفران بـ #أفغانستان مهددة في ظل تضييقات طالبان على النساء #شبابيك pic.twitter.com/hJxswWhLal
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 11, 2021
وفق موظفين، أجرى عناصر من طالبان ومسؤولون عدة زيارات للمركز، الذي يستقبل فاطمة ونحو 20 امرأة أخرى.
وأوضحت موظفة أنهم "دخلوا ونظروا إلى الغرف وتحققوا من عدم وجود رجال"، ناقلة عنهم قولهم: "إن المكان ليس آمنًا للنساء، وإن مكانهن هو المنزل".
ثم تابعت في حديثها لـ "فرانس برس": "كان الأمر أفضل بكثير مما توقعنا".
اتهام بالكذب
ولم يكن للعديد من النساء المعنفات في منازلهن مراكز إيواء تُذكر في أفغانستان، حتى قبل عودة طالبان إلى الحكم.
فزكية اتصلت بوزارة شؤون المرأة التي باتت مغلقة بعد سيطرة طالبان، طلبًا للنصيحة بشأن النجاة من والد زوجها الذي هدّد بقتلها.
وبينما أشارت إلى أنهم لم يستمعوا لها، أردفت بأنهم قالوا لها إن وضعها ليس سيئًا جدًا.
بدورها قوبلت منى (17 عامًا)، التي هربت من عمّ يسيء معاملتها قبل سبع سنوات مع أختها الأصغر سنًا، برد مماثل. وقالت لـ "فرانس برس": "اتهمتني الوزارة بالكذب".
وليست النساء اللاجئات في المراكز وحدهن من يواجهن الخطر. فقد ذكرت منظمة العفو الدولية أن العاملات والموظفات في المركز أيضًا "يواجهن العنف والقتل".
وأعلنت العديد من الموظفات أنهن تلقين تهديدات عبر الهاتف من أشخاص قالوا إنهم من طالبان، يسألون عن أماكن وجود نساء هربن من منازلهن.
ارتفاع حالات الانتهاك
أحد الملاجئ القليلة التي لا تزال مفتوحة، وإن بتكتم، تديره محبوبة سراج المناضلة من أجل حقوق النساء في البلاد.
تلفت سراج إلى أن المركز تُرك وشأنه نوعًا ما بعد زيارة التفتيش التي قامت بها طالبان، لكنها تخشى الآن على النساء العالقات في منازل تتعرضن فيها للإساءة وليس لديهن مكان يلجأن إليه.
ويُرجح أن ترتفع حالات الانتهاكات بحق النساء مع انهيار الاقتصاد، وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى أزمة نقدية وتفاقم الجوع. حيث تقول عاملة في أحد المركز: "عندما يتراجع الوضع الاقتصادي، يصبح الرجال من دون عمل وترتفع حالات العنف".
وكانت مساعدة ممثلة الأمم المتحدة لشؤون النساء في أفغانستان أليسون دافيديان قد صرحت بأن "الوضع ساء على الأرجح"، مشيرة إلى أن "الخدمات تضاءلت عمومًا".