تخطى التضخم في روسيا نسبة 9% في أغسطس/ آب الفائت، وهو من النتائج المباشرة لعسكرة الاقتصاد الروسي الذي بات خلال سنتين ونصف سنة يتوقف إلى حد بعيد على القطاع الدفاعي والعسكري، مع تواصل الحرب على أوكرانيا.
وأنفقت السلطات الروسية مليارات الدولارات على الجيش والجنود وعائلاتهم وشركات الأسلحة، ووظفت استثمارات طائلة سمحت لها حتى الآن بالحد من تبعات العقوبات الغربية، التي فُرضت على البلاد بهدف تجفيف مصادر تمويل مجهودها الحربي.
البنك المركزي يحذر
غير أن البنك المركزي الروسي يتحدث حاليًا عن خطر جديد يهدد الاقتصاد الوطني وهو الركود التضخمي، وقالت مديرته إلفيرا نابيولينا في يوليو/ تموز إن "نقص (اليد العاملة) قد يقود إلى وضع يشهد تباطؤًا في النمو الاقتصادي، رغم كل الجهود المبذولة لتحفيز الطلب، وتؤدي فيه كل هذه التحفيزات إلى تسريع التضخم".
وأضافت: "إنه بشكل أساسي سيناريو ركود تضخمي لا يمكن وقفه إلا لقاء انكماش اقتصادي حاد".
وخلال الأشهر الأخيرة، سجّل الروبل الروسي مستويات منخفضة أمام الدولار، ما دفع البنك المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة في محاولة لوقف التدهور في قيمة العملة المحلية.
وفي حال تسجيل ركود تضخمي، وهو تعبير يشير إلى تضخم شديد بالتزامن مع نمو ضعيف أو حتّى منعدم، فسيطرح ذلك تحديًا جديدًا على الكرملين.
تباطؤ النمو
ومذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين بالهجوم على أوكرانيا قبل أكثر من سنتين ونصف سنة، ارتفعت النفقات الفدرالية بنحو 50%، متسبّبة بارتفاع في الأجور وإنفاق الأسر.
وتراجعت البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية فيما ارتفعت ثقة المستهلك إلى أعلى نسبة منذ 15 عامًا. لكن مع هجرة عمال مهرة وغير مهرة فروا إلى الخارج هربًا من التجنيد أو التحقوا بالجيش طلبًا للأجور المغرية، باتت ملايين المناصب شاغرة.
كما أن العقوبات التي حرمت روسيا من التكنولوجيا الغربية، انعكست سلبًا على الإنتاجية وبلبلت سلاسل الإمداد.
وأقرّ البنك المركزي الروسي بوجود "مؤشرات إلى تباطؤ النمو". إلا أن معدل الفائدة الرئيسية وصل إلى 18%، ما يثير استياء أرباب العمل الذين يشكون من تزايد تكاليف القروض المصرفية، ما يعيق بشكل إضافي النمو في قطاعات غير مرتبطة بالجيش.
"المورد الكبير"
ويؤكد بوتين من جهته أن الانفاق العسكري يمثل "موردًا كبيرًا" يمكن أن يحرك النمو في روسيا، غير أن مراقبين يشكّكون في ما إذا كانت فوائد هذه الاستثمارات العسكرية كافية للتعويض عن التكاليف الباهظة.
وفي هذه الأثناء، تملك موسكو الموارد لخوض نزاع طويل الأمد، فلديها نحو 300 مليار دولار من الاحتياطات التي لم يجمدها الغرب، ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي متدنية بنسبة تقارب 15%.
كما أعلن الكرملين زيادات كبيرة في الضرائب ستجني له عائدات إضافية بمليارات الدولار في السنوات المقبلة.
ويؤدي ضعف الروبل إلى تفاقم التضخّم عن طريق زيادة تكلفة الواردات بالعملة الروسية. كما يؤثر على الأسعار.
بدوره، يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى زيادة أعباء الاقتراض، وهو من شأنه أن يحد من الطلب المحلي على السلع. لذلك يُحاول البنك المركزي تهدئة الاقتصاد المحلي لخفض التضخم.