لمع اسم إيميليانو مارتينيز في بطولة كأس العالم الأخيرة في قطر، أو مونديال الدوحة، كيف لا وهو الحارس الأرجنتيني الذي "أهدى" الأسطورة ليونيل ميسي اللقب، بعدما أنقذ منتخب بلاده في الثواني الأخيرة من المباراة النهائية، قبل أن يرجّح كفّة الفريق في ضربات الجزاء.
يقول عنه نيل كاتلر، مدرّب الحرّاس في أستون فيلا، وأحد الذين عرفوه عن كثب، إنّه أكثر إنسان قابله "لديه إرادة وتصميم على النجاح"، لكنّ المفاجأة الأكبر، ما يكشفه عن سمات شخصيته، حيث يصفه بـ"الخجول"، الأمر الذي قد يكون صادمًا لعشاق كرة القدم.
فكيف يمزج إيميليانو مارتينيز الذي كان بطل مونديال الدوحة، بين شخصيته الخجولة هذه، وتلك المثيرة للجدل وربما المستفزّة، إن جاز التعبير، على ملاعب كرة القدم؟ وما علاقته بشخصية "الجوكر"؟
في هذه الحلقة من برنامج "مع الكويّر"، يكشف اليوتيوبر محمد أبو زيد (الكوير) جانبًا آخر من حياة مارتينيز، من طفولته وعلاقته بعائلته، ومسيرته قبل أن يصبح حارسًا للمنتخب الأرجنتيني.
وفي الحلقة أيضًا، خفايا جديدة عن طريقة صد مارتينيز لضربات الجزاء، يطلقها أستاذ علم النفس الرياضي جاير جوردت، المتخصّص في ضربات الجزاء، الذي يتحدّث للمرة الأولى لمصدر عربي.
إيميليانو مارتينيز.. البدايات المؤلمة وبوابة أوروبا
نشأ إيميليانو مارتينيز في مدينة ماريه ديل بلاتا، في أسرة فقيرة، حيث كان والده سائقًا، ووالدته عاملة تنظيف، وكانت طفولته عبارة عن فقر وخوف وألم، وهو واقع لجأ إلى كرة القدم للهروب منه، شأنه شأن كلّ الأرجنتينيين، الذين يعتبروه كرة القدم المجال الوحيد لتحقيق الانتصارات.
وبعمر العاشرة، بدأت مسيرة مارتينيز الكروية، لكن بالإخفاقات أولاً، مع رسوبه في أكاديمية بوكا جونيورز، وكذلك في ريفر بلايت، ما أضاف مرارة الفشل للفقر والخوف والألم في حياته، إلى أن بدأت ملامح الحلم تظهر بعد سنتين، حين قرّر كشافو نادي انديبندينتي ضمّه.
ولأنّ هذا النادي كان يبعد 250 ميلاً عن العاصمة بوينس آيرس، كان على إيميليانو أن يعيش تجربتي الوحدة والغربة بعمر 12 عامًا، لكنّ إرادته كانت أقوى من خوفه وقلقه، فوضع كلّ تركيزه في التدريبات، وهو ما لفت مدرّبه العجوز ميجيل سانتورو، الذي يقول إنّه كان مرتبكًا وغير اجتماعي، لكنّه كان يمسك الفرصة التي سنحت له بيديه وأسنانه.
يصف سانتورو مسيرة إيميليانو في الناشئين بأنّها كانت سنوات من عرق ودموع، في إشارة للاجتهاد والمثابرة والجدّية، وكذلك التضحية والصبر وتحمّل الضغوط، وكلّ ذلك أدّى لتطوّر شخصيته قبل أدائه، وسدّ النواقص التي كانت لديه، إلى أن تمكّن من حجز مقعد لنفسه في منتخب ما دون 17 عامًا.
رويدًا رويدًا، بدأ إيميليانو يشقّ طريقه، حيث التقطته عيون كشافي أرسنال، فاتفقوا مع انديبندينتي على تجربة معايشة واختبار، ورغم أنّه لم يكن راغبًا بخوض التجربة في البداية، لاختلاف اللغة والثقافات والعادات، إلا أنّه فعل من أجل تأمين حياة أهله، بعدما تراكمت الديون عليهم.
ومن أرسنال، فتحت بوابة أوروبا أمام إيميليانو، أولاً على طريقة الإعارات لأخذ الخبرة، ولو أنها كانت إعارات غريبة، لا توحي بأنّ ارسنال اختار له الوجهة المناسبة، واهتمّ فعلاً بمتابعة تطوره ومنحنى صعوده، إلى أن وجد نفسه فجأة في منتصف موسم 2019-2020، في مركز الحارس الأول، وظهر بأداء وشخصية مختلفة.
جاير جوردت يكشف خفايا عن سلوك إيميليانو مارتينيز
بعيدًا عن مسيرة إيميليانو مارتينيز، التي يفصّل فيها "الكويّر" أكثر في سياق الحلقة، فإنّ خفايا عن سلوكه يكشفها البروفيسور جاير جوردت Geir Jordet، الذي نجح زميلنا أحمد توفيق في الوصول إليه، وإجراء مقابلة حصرية معه.
ولمن لا يعرف، فإنّ جاير جوردت هو خبير متخصّص في ضربات الجزاء، قضى سنوات طويلة من عمره وهو يحاول فهمها من كلّ النواحي، الفنية والبدنية وطبعًا النفسية، عمل مع أندية أوروبية كبيرة، وتعاون مع نجوم بحجم فينجر وهالاند وليفاندوفسكي، كما يستعين باستشاراته الكثير من المدربين واللاعبين الكبار وحتى شبكات الإعلام.
وقد لفت ما قام به إيميليانو انتباه جوردت بشدّة، وقد وصل اهتمامه به لدرجة تخصيص جزء من أبحاثه وكتاباته عنه، حتى إنّه في آخر كتاب نشره بعنوان Pressure كتب فصلاً خاصًا عن مارتينيز. وفي أول حديث له إلى مصدر عربي، يقول جوردت لـ"التلفزيون العربي"، إنّ التجارب الصعبة التي مرّ بها إيميليانو في حياته ساهمت في أن يكون قويًا ذهنيًا، وقادرًا على التحكم بنفسه تحت الضغط.
ويشير إلى أنّ هذه الدرجة من التماسك والتحكم مهمّة لأي شخص يلعب مع الأرجنتين، لأنّ الضغط والعبء النفسي والذهني رهيب، ويمكن أن يؤثّر على المستوى، وانطلاقًا من ذلك، يثني على قرار الاستعانة بديفيد بريسلي، حيث شكّل الإثنان "الخلطة الممتازة" التي سمحت لمارتينيز العمل تحت الضغط.
وبحسب جوردت، فإنّ "ديبو" يحلّل اللاعب أمامه، حتى يستطيع أن يحدّد نقاط ضعفه، قبل أن يهاجم اللاعب من نقاط الضعف هذه بطريقة حادة ومبدعة، شبيه بما يفعله "الجوكر" مع ضحاياه. وهو يصف هذه الألاعيب بأنّها نوع من الفنون، مشدّدًا على أنّ شخصية إيميليانو عامل أساسي فيها، وبالتالي فإنّ من يحاول تقليدها لا يمكن أن ينجح بالطريقة نفسها.
وعن نهائي مونديال قطر، يتحدّث جوردت حيث يلفت إلى إنّ إيميليانو قدّم عرضًا من الألعاب الذهنية، لافتًا إلى "مستوى جنوني من الضغط والتوتر" أحاط بالمباراة. لكنّه يلفت إلى أنّ إيميليانو كان يدرك ذلك جيّدًا، ولم يتردّد في استغلال هذا الضغط لصالحه، بابتكار تكتيك متدرج من صناعة الفوضى.