Skip to main content

أطفال غزة يدفعون الثمن الأكبر لحرب الإبادة.. ثلاث قصص تختصر المأساة

منذ 4 ساعات
شكّل الأطفال النسبة الأكبر من ضحايا حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر

أكثر من عام وقطاع غزة يتعرّض لحرب إبادة معلنة، حيث لم يطل العدوان الإسرائيلي العمران وحسب، بل الغزّيين كلهم، صغيرهم قبل كبيرهم، إذ دفع الأطفال الثمن الأكبر من حيث أعداد الشهداء بينهم، إضافة إلى تبعات العدوان الكارثية عليهم.

وشكّل الأطفال النسبة الأكبر من ضحايا حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، إذ استشهد أكثر من 16 ألف طفل منذ ذلك الوقت إلى يوليو/ تموز الماضي، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، وهي من أعلى النسب في صفوف الأطفال القتلى خلال الحروب في العالم كله.

ولم تقتصر الآثار التدميرية على ذلك، بل شملت تدمير البنية التحتية لحياتهم، وتعريضهم لمشكلات نفسية، والشعور بعدم الأمان، والرهاب من أصوات القصف، وعدم القدرة على التأقلم مع البيئات الجديدة التي اضطروا للعيش فيها جراء النزوح.

كما قدّرت وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عدد الأطفال الغزّيين الذين يحتاجون إلى مساعدات نفسية خلال الفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأغسطس/ آب من العام الحالي، بنحو 500 ألف طفل. من بين هؤلاء أكثر من 17 ألف طفل فقدوا والديهم، أحدهما أو كليهما، أو فقدوا التواصل الجغرافي معهم بسبب النزوح المتواصل.

"غزة.. طفولة مسلوبة"

كثيرة هي القصص التي تعبّر عن المعاناة التي يعيشها مئات الآلاف من الأطفال في حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، معاناة يختصرها وثائقي "غزة.. طفولة مسلوبة" عبر تتبّع يوميات ثلاثة أطفال غزّيين، حياتهم ومصائرهم، خلال نحو عام كامل (ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وسبتمبر/ أيلول 2024) من الحرب الوحشية.

أول هؤلاء الأطفال محمد نوفل، الذي يمشي في إحدى حدائق العاصمة القطرية الدوحة، مستعينًا بعكازين طبيين، على عشب أخضر يفتقر إليه مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس (جنوبي قطاع غزة) الذي أدخل إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، حيث بُترت إحدى قدميه جراء إصابتها بقذيفة خلال قصف إسرائيلي طال منزلهم آنذاك.

يقول محمد وهو ينظر إلى الأفق بعينين حزينتين إن أطفال غزة لا يعيشون بأمان بسبب الحروب التي تشن عليهم، وإن من حقهم أن يعيشوا مثل بقية الأطفال في هذا العالم.

يقول محمد هذا من دون أن ينظر مرة واحدة إلى طرفه الاصطناعية التي نجح الأطباء في قطر بتركيبها له بعد وصوله إليها للعلاج.

محمد.. بتروا إحدى ساقيه فاعتصم بالأمل

في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 دوى صوت انفجارين في بيت محمد خلال تصفحه شاشة الهاتف الجوال الخاص بوالده، فأصيب بشكل مباشر بشظايا القصف، وبُترت إحدى ساقيه على الفور كما فقد أحد أصابعه.

كان محمد يحلم بإكمال دراسته الجامعية خارج قطاع غزة، وأن يصبح عالم فَلَك، وأن يسافر، ويعرف الكرة الأرضية والمجموعة الشمسية والمجرة، وأن يكون مثل بقية أطفال العالم.

يقول محمد إنه كان متفوقًا في دراسته، ويحوز الدرجة الأولى من بين أقرانه في المدرسة، وما ذلك إلا لتحقيق حلمه بالدراسة والسفر، بأن يصبح عالمًا، ولكنه الآن بلا ساق، يمشي بها على الأرض، وعليه أن يستعيدها ليحقق حلمه الذي أصبح صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.

في البداية، عندما التقاه فريق وثائقي "غزة.. طفولة مسلوبة" كان محمد يبكي عندما يتحدث. ينظر إلى قدميه وإلى سقف غرفة العلاج في المستشفى ويبكي، كان غارقًا في اليأس والأسى على ما آلت إليه الحال، لكنه بدأ بعد ذلك مقاومةَ إعاقته التي جعلته واحدًا من بين 98 ألف غزّي أصيبوا بإعاقات نتيجة العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، بحسب الجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء.

قدّرت وكالة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين (الأونروا) عدد الأطفال الغزّيين الذين يحتاجون إلى مساعدات نفسية خلال الفترة ما بين أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وأغسطس/ آب من العام الحالي، بنحو 500 ألف طفل، بينهم أكثر من 17 ألف طفل فقدوا والديهم، أحدهما أو كليهما، أو فقدوا التواصل الجغرافي معهم بسبب النزوح المتواصل

قالت والدته إن واحدًا من أحزانها الكبرى كان عندما رأت ساق ابنها قربه في المستشفى، لكنه أخبرها بأنه راض بقدره، وهو ما كان.

في يونيو/ حزيران الماضي عثر فريق وثائقي "غزة.. طفولة مسلوبة" على محمد في الدوحة بعد ثمانية أشهر من اللقاء الأول به في مجمع ناصر الطبي في خانيونس. كان محمد قد كبر نحو عام، تمكن خلاله بصعوبة من الخروج من قطاع غزة للعلاج، وكانت محطته الأولى في بور سعيد في مصر قبل أن ينتقل إلى القاهرة، ومنها إلى الدوحة ليخضع لعلاج مكثف في مستشفى حمد الطبي.

كان محمد يقاوم ضعفه وهو يقوم بتمارين يومية لتقوية العضلات، تمهيدًا لتركيب طرف اصطناعي هناك. كان يفعل ذلك يوميًا حتى أصبح جاهزًا، وما إن أصبح يمشي بساقيه الاثنتين حتى استعاد أحلامه القديمة التي قتلتها حرب الإبادة على غزة.

يقول إنه يريد أن يلعب كرة القدم مجددا إذا استطاع وأن يسبح، وأن يمارس حياته الطبيعية مثل البشر كلهم، بدون إعاقة وبدون مساعدة من أحد، وأن يلتحق بالمدرسة مجددًا.

ثمة حزن ظل عالقًا في روح محمد وفي نظرات عينيه. يقول إنه عندما وصل إلى قطر انتابته مشاعر مختلطة ما بين الحزن والفرح. الفرح لأنه سيتغلب على إعاقته، والحزن لأنه آمن هنا ويجد ما يأكله بينما إخوته ووالده لا يجدون بيئة آمنة يعيشون فيها ولا طعامًا مناسبًا يأكلونه. كان الشعور بالفقد يداهمه بين الحين والآخر، وتنتابه الرغبة بأن يكون هناك، في غزة، بينهم. يذهب بمعيتهم إلى المدرسة ويلهو معهم، وفي قرارته كان يعرف ألا مكان آمنًا في غزة ما دام العدوان متواصلًا.

فرح.. رحيل الأحباب وغياب شبكة الأمان

في 19 أكتوبر من العام الماضي، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة فرح (8 سنوات) في مدينة غزة خلال قيامها باللعب مع ابنة عمها، فأصيبت برضوض في مختلف أعضاء جسدها، ما استدعى نقلها إلى مستشفى الشفاء.

قام فريق وثائقي "غزة.. طفولة مسلوبة" بتتبّع تفاصيل حياة فرح منذ ذلك الوقت حتى خروجها من المستشفى، كما واكب رحلة نزوحها المستمر من مدينة غزة إلى جنوبها في خانيونس وصولًا إلى رفح، حيث فقدت خلال رحلة الاقتلاع المتكرر هذه شعورَها بالأمان تمامًا، وأصيبت برهاب الأماكن الجديدة والتأقلم مع الآخرين، فصبّت كل جهودها لاستعادة طفولتها المفقودة، بتمسكها بألعاب طفولتها، وتشييد عوالم متخيلة تكون فيها بالقرب من أفراد أسرتها وصديقاتها وبينهم.

تقول فرح التي منذ أن خرجت من منزلها في مدينة غزة لم تعد إليه ثانية، إن كل من تحبهم رحلوا، فنصف أقارب عائلتها استشهدوا، وكذلك نصف عدد صديقاتها، كما فقدت أيضًا مدرستها للغة الإنكليزية، فكل من وما أحبته وتحبه في حياتها تركها ورحل، البيت والمدرسة والصديقات والأهل، ما جعلها تعاني لا بسبب الخيمة التي وجدت نفسها تعيش فيها بل بسبب الليل نفسه كما تقول، ما جعل أحلام فرح متشابهة ومتكررة، وفيها يستشهد أفراد أسرتها وتهاجمها الكلاب والقطط في الليل من دون أن تستطيع رد أذاها عنها أو تجد من يدافع عنها.

تكشف أحلام فرح غياب شبكة الحماية الأولى لطفولتها بعد أن فقدت كل شيء منذ فقدت وعائلتها منزلهما الأول، وهو ما يعاني منه مئات آلاف الأطفال الغزّيين الذين دمر القصف الإسرائيلي بيوتهم.

صبري.. نموذج آخر عن أطفال يكبرون قبل الأوان

صبري (7 سنوات) من ضحايا القصف الإسرائيلي الممنهج لحاضر الأطفال ومستقبلهم.

نزح صبري مع عائلته من مدينة غزة إلى مدينة خانيونس في الأسابيع الأولى للعدوان الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت فقد طفولته تمامًا، فأصبح مظهره يبدو كأنه أكبر من عمره، كما أصبح صوته خشنًا بعض الشيء، وحافظت ملامح وجهه على سيماء غضب وعتب على العالم كله الذي دفعه لمعاناة العيش خارج بيته والعيش في خيمة نزوح تفتقر للحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة.

يصف صبري حياته في المخيم بأنها ليست جيدة على الإطلاق، فلا ماء يكفي ولا طعام، في ظل القصف الذي يلاحقه والغزّيين.

الحياة قبل العدوان كانت أجمل. يقول صبري هذا وهو يتصفح صوره على الهاتف الجوال. ويضيف: "كنت جميلًا آنذاك، وكنا سعداء في بيتنا هناك. كنت ألعب وأضحك كثيرًا". أما الآن فالحرب دمّرت كل شيء، وتدفعه للشعور بأنه على وشك البكاء في أي وقت، فيقاوم شعوره هذا بالمزيد من الغضب ورفض التأقلم مع حاضر أليم.

الناس يموتون من حوله، والقصف يتواصل حيثما نزح وأهله، ما جعله يقول بمرارة بأنه سئم من حياته كلها، وثمة حر شديد وأصوات رصاص متقطعة، ونزوح إلى مواصي خانيونس، ولا أمل بالخروج من هذه الدوامة والهروب من أصوات القصف والانفجارات ليل نهار، فمتى ينتهي هذا؟

يلعب صبري لعبة "الاستغماية" ليهرب من واقعه. يقول إنه لم يعد يستطيع التحمل، فلو لم تقم الحرب، وبقي وأسرته في مدينة غزة، لكان في المدرسة الآن، أو كان وأهله يفكرون بالسفر خارج قطاع غزة للترويح عن أنفسهم لو كان معبر رفح مفتوحًا.


تجدون في الفيديو المرفق، وثائقي "غزة.. طفولة مسلوبة"، الذي يروي ثلاث قصص من بين آلاف القصص لأطفال غزة الذين يعيشون فظائع حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، للإجابة على سؤال: كيف هي الحرب في عيون صغار غزة؟
المصادر:
التلفزيون العربي
شارك القصة