فيما تتواصل في تونس حالة التجاذب تحت قبة البرلمان، وتتجدد محاولة الكتل المناوئة لرئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، لسحب الثقة منه، في مقابل إصرار رئيس الجمهورية، قيس سعيد، على عدم قبول التحوير (التعديل) الوزاري، ورفضه استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين أمامه، في حالة من الاضطراب الدستوري غير المسبوقة منذ 2011، تستمر الأزمة السياسية في تونس وتتصاعد، بشكل أصبح يؤثر على الوضع العام للبلاد واستقرارها.
عرفت تونس، منذ نجاح ثورتها في العام 2011، أزمات متعدّدة، لعل أبرزها ما حصل سنة 2013، وأفضى إلى الحوار الوطني الشامل بمشاركة أطياف الحكم والمعارضة وانتهى إلى تنظيم انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2014، إلا أن الأزمة الحالية تبدو أكثر اضطرابا، لعدد من الأسباب، لعل أهمها عجز النظام السياسي عن استكمال مؤسساته الحيوية، على الرغم من مرور سنوات عشر منذ انطلاق الانتقال الديمقراطي، ففي غياب المحكمة الدستورية أصبح تأويل النصوص مجرّد عمل فردي، يتم وفق المصلحة أو الولاءات والحسابات السياسية، بل ويطرح رئيس الجمهورية نفسه بديلا للمحكمة الدستورية، على الرغم مما في هذا التوجه من خروج عن الالتزام بالمهام المنصوص عليها دستوريا لكل موقع سلطوي في الدولة. وفي المقابل، ترفض القوى الحزبية التنازل لبعضها بعضا، وتسعى إلى تسجيل المواقف أكثر من تقديم الاقتراحات والحلول المجدية، في حالة من الطفولية السياسية البائسة.
ما يجري في تونس اليوم هو نتيجة جملة من العوامل، أبرزها نظام انتخابي أعرج عاجز عن إفراز أغلبية حزبية حاكمة قادرة على تشكيل الحكومة، وتحمل مسؤولية الحكم سنوات خمسا، وهو ما دفع الأوضاع إلى تحالفاتٍ غير مستقرة، وانتهى إلى حكومة تكنوقراط، هي ذاتها محل تنازع.