زعمت رواية مضلّلة جديدة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، استخدام المقاومة الفلسطينية سيارات الإسعاف الخاصة بالهلال الأحمر خلال عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتكرّر هذا الادعاء مرات عدة على صفحات الاحتلال الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تردّده اللجان التابعة له.
ودقّقت وحدة التحقق من خلال المصادر المفتوحة في التلفزيون العربي، في التفاصيل وكشفت دلائل زيف الرواية الإسرائيلية.
في لقطة روّج لها جيش الاحتلال، يظهر مسعفًا مرتديًا لباسًا أخضر اللون، بينما تحمل سيارة الإسعاف ملصقات مميزة على جوانبها.
وبتتبّع هذه العلامات، وجد فريقنا أنّ السيارة التي تظهر في الفيديو تعود إلى الهلال الأحمر الإندونيسي، حيث تبرّع بها بالتعاون مع عدة جهات إندونيسية، منها مؤسسة "بيت المال"، "هداية الله"، و"منتدى الزكاة".
كما كُتب على السيارة عبارة "من جاوة الغربية مع الحب"، تعبيرًا عن تقديم إندونيسيا السيارة لغزة في إحياء ذكرى النكبة. أما لباس المسعف الذي يظهر في الفيديو، فيظهر عليه بشكل واضح عبارة "EMS"، أي الطواقم الطبية.
وبالتالي، فإن ما يظهر في الصور هي طواقم الإسعاف والطوارئ في الخدمات الطبية التابعة لوزارة الداخلية، وهي جهة مستقلة تمامًا عن الهلال الأحمر، الأمر الذي أكدته مؤسسة الهلال الأحمر الفلسطيني عبر حسابها على منصة "إكس"، مشيرة إلى أنّ الرعاية الطبية من حق الجميع من دون استثناء.
ما دوافع الاحتلال في الترويج لهذا الادعاء؟
منذ بدء العدوان على غزة، عمدت الجهات الإسرائيلية على تبرير انتهاكاتها من خلال نشر الروايات المضلّلة. ونرصد عددًا من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الاحتلال بحقّ الهلال الأحمر الفلسطيني.
في 14 من فبراير/ شباط الحالي، نشر الهلال الأحمر مقطعًا مصورًا يظهر استهداف الاحتلال لسيارة الإسعاف خلال محاولتها نقل أسطوانات الأكسجين من مستشفى ناصر إلى مستشفى الأمل.
وكشفت آثار الأعيرة النارية التي ظهرت على السيارة عن استهدافها بشكل مباشر من قبل جنود الاحتلال، كما تمّ الاعتداء على الطاقم داخلها.
وللتأكيد على تواجد قوات الاحتلال في هذا الموقع في التاريخ المحدّد، رصد فريقنا مقاطع تعود لـ13 فبراير و16 منه، أي قبل الاعتداء مباشرة وبعد يومين، حيث يظهر تمركز آليات الاحتلال في محيط المستشفى بوضعية مجهزة للاستهداف.
وفي 12 فبراير، نشر الهلال الأحمر مقطعًا يُظهر استهداف الاحتلال لمركبات الإسعاف في ساحة مستشفى الأمل، وخروج معظمها عن الخدمة.
من خلال المعالم الظاهرة في الفيديو، وبعد مطابقتها، تمكن فريقنا من تأكيد موقع الاستهداف عند هذه الإحداثيات، التي تعود بالفعل إلى مستشفى الأمل الواقع في مدينة خانيونس.
وأكد المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي وجود جيش الاحتلال في هذه المنطقة، حيث نشر صورة لقوات الاحتلال عند مدخل المستشفى في 11 فبراير، مع ادعاء يقول إنّها أدخلت أكثر من 20 خزان أكسجين وأجهزة طبية إلى مستشفى الأمل.
ونفى الهلال الأحمر هذه الادعاءات جملة وتفصيلًا، حيث أشار إلى أنّ جيش الاحتلال هو مَن يُحاصر المستشفى ويمنع عنها اللوازم الطبية.
لجان وهمية
إلى جانب خلل الرواية الإسرائيلية ونقص الأدلة فيها، جهّز الاحتلال مجموعات وحسابات إلكترونية تُردّد ادعاء مشاركة الهلال الأحمر في عملية "طوفان الأقصى".
وكشف تحليل "العربي" أنّ تفاعل الحسابات المؤيدة للاحتلال مع هذه الرواية سجّل أكثر من 5440 منشورًا بين 20 يناير وحتى 19 فبراير الحالي، من قِبل حوالي 3480 حسابًا.
وكانت 63% من هذه الحسابات غير محدّدة الجنس، مما يكشف عن سيطرة اللجان الوهمية على النقاش. وتؤكد هذه النتيجة قائمة الحسابات الأكثر تفاعلًا، والتي تظهر فيها الأسماء غير المنتظمة للحسابات المتفاعلة.
وللتدقيق أكثر، قام فريقنا بدراسة سلوك هذه الحسابات، من بينها حساب لا يحمل صورة غلاف، وهي إحدى خصائص اللجان الوهمية.
وعمد الحساب على استهداف حساب الهلال الأحمر الفلسطيني، إلى جانب مهاجمته للمحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، وذلك من خلال إعادة التغريد لتضخيم المحتوى.
واتبعت حسابات أخرى الأسلوب نفسه. وتوصّل تحليلنا إلى أنّ ذروة تفاعل هذه اللجان تزامن مع استهداف الاحتلال لسيارات الإسعاف في 10 فبراير، بـ 367 منشورًا، وفي 12 فبراير بـ223 منشورًا، وفي 17 من الشهر ذاته بأكثر من 900 منشور؛ وهي جميعها تواريخ تسبق اعتداء الاحتلال على طواقم الإسعاف وآلياتها.
وانطلاقًا من هذه المعطيات، تمكن فريق "العربي" من تأكيد ارتكاب الاحتلال لجريمة حرب دولية، إذ لا تُجيز اتفاقية جنيف الرابعة الاعتداء على المستشفيات أو منظمات الرعاية الصحية، بينما تحظر المادة 11 من ملحق الاتفاقية أن تكون مناطق الاستشفاء والأمان هدفًا للهجوم.
كما تحظر اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، الاعتداء على الكرامة الشخصية.
وتوصّل تحقيقنا إلى أنّ الاحتلال خرق كل هذه القواعد بجيشه على الأرض، ثمّ برّر جرائمه بروايات كاذبة، وبجيش من الحسابات الإلكترونية الوهمية.