لم يحدث منذ تشكيل مجلس الأمن القومي الروسي في يونيو/ حزيران، عام 1992، أن أقر علنًا إقحام الجيش الروسي بشكل مباشر في هندسة وتنفيذ السياسة الخارجية الروسية.
إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وقع مرسوم إحداث السياسة الخارجية الجديدة، أنها تبنى على سلاح الردع العسكري بشتى أصنافه في وجه كل ما يهدد وجود العالم الروسي، وهو مجال جغرافي لا يشمل روسيا فقط، بل كل دول الاتحاد السوفيتي سابقًا من البلطيق وحتى آسيا.
وفي وقت يتمدد حلف شمال الأطلسي "الناتو" نحو روسيا، ينادي بوتين أمام أعضاء مجلس الأمن القومي بنظام دولي جديد، ويتحدث عن الولايات المتحدة والغرب، باعتبارهما مصدرًا لتهديدات وجودية لبلاده، كما يتطرق لما سماها إكراهات سياسية في المحيط الدولي دفعت بلاده لتغيير عقيدة سياستها الخارجية.
وقال بوتين: إن "التغييرات الجذرية في الحياة الدولية، تطلبت منا أن نعدل بجدية الوثائق الرئيسية للتخطيط الإستراتيجي، ومن بينها مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الذي يحدد مبادئ النشاط الدبلوماسي ومهامه وأولوياته".
وأضاف: "لقد قمنا بتحديث المفهوم ليتوافق مع الواقع الجيوسياسي المعاصر".
تُبنى على سلاح الردع العسكري بشتى أصنافه.. #بوتين يوقع مرسوم العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية لـ #روسيا تقرير: عبد الله بوزاري pic.twitter.com/4pxiJSQEKc
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 1, 2023
ما لم يقله بوتين صرح به وزير خارجيته سيرغي لافروف، الذي أكد أن موسكو ستلجأ إلى القوة العسكرية في حال شن أي هجوم يستهدف بلاده أو أيا من حلفائها، وهو كلام يفسر التحركات النووية الروسية الأخيرة في بيلاروسيا والتجارب الصاروخية في سيبيريا.
وأكد لافروف أن استخدام القوات المسلحة ضد من ينفذ هجمات علينا سيكون ضمن التعديلات على عقيدة السياسة الخارجية.
#بوتين يُوقّع مرسومًا جديدا لعقيدة السياسة الخارجية لـ #روسيا.. إليكم أبرز بنوده👇#العربي_اليوم pic.twitter.com/uRecYlcNnu
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 31, 2023
لا تركز الخطة الإستراتيجية الروسية الجديدة على الرد العسكري فقط، بل تنص على ضرورة تكثيف التعاون وتقوية العلاقات مع الصين والهند، وكذا الدول التي تنطق باللغة السلافية، والتي تتوزع جغرافيًا في شرق وجنوب شرق أوروبا وشمال آسيا والمحيط الهادي.
"تحذيرات من اندلاع حرب نووية"
وفي أثناء ذلك، حذر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو خلال خطابه السنوي من اندلاع حرب نووية، بسبب ما وصفه بالدعم الغربي لأوكرانيا، مشددًا على أن موسكو ستستخدم الأسلحة الأشد رعبًا، إذا لاحظت مخاطر قد تؤدي إلى انهيار روسيا.
كما دعا الرئيس البيلاروسي إلى هدنة في أوكرانيا ومحادثات بين كييف وموسكو من دون شروط مسبقة.
بالمقابل، أكد وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف أن القوات الأوكرانية تتجهز لشن هجوم مضاد على القوات الروسية، كما شدد على حاجة أوكرانيا إلى قوات الاحتياط التي اجتازت التدريبات العسكرية في الدول الحليفة.
وأشار إلى أن بلاده تعول على نتائج قمة الناتو القادمة، وذكر أن الجيش الأوكراني هو الوحيد في العالم الذي يعرف كيف يقاتل الجيش المعتدي، حسب تعبيره.
معركة السيطرة على باخموت
في سياق متصل، أعلن مستشار الرئاسة الأوكرانية سيرغي ليشتشنكو أن كييف لم تعد تسيطر سوى على ثلثي مدينة باخموت التي تشهد معارك عنيفة منذ أشهر في شرق أوكرانيا.
وقال إن أوكرانيا تسيطر على ثلثي باخموت، لكنه نفى أن تكون القوات الروسية تحاصر المدينة.
وكان معهد دراسة الحرب الأميركي أعلن أن القوات الروسية تسيطر على حوالي 65% من المدينة.
"حرب هجينة"
وفي هذا الإطار، يوضح عضو مجلس الدوما السابق ومدير معهد الدراسات السياسية سيرغي ماركوف، أن الإستراتيجية الجديدة تتعلق باستقلال وسيادة روسيا وحفاظها على علاقات طيبة مع كل الدول.
وفي حديث لـ"العربي" من موسكو، يضيف أن العقيدة الجديدة تذكر أن الدول الأنجلوساكسونية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ليست أعداء لروسيا، لأن موسكو تود بناء علاقات طيبة مع هذه الدول، لكن الجديد هو أن روسيا الآن ينبغي عليها الدفاع عن نفسها ضد العدوان الذي تشنه دول الناتو والولايات المتحدة وبريطانيا في حرب هجينة.
ويتابع أن "روسيا تعتبر أن هذه الدول هي الخطر الأساسي، وينبغي علينا أن نقف معًا لدرء هذه المخاطر الغربية".
ويردف أن هناك أيضًا المزيد من القوى النامية الصاعدة في العالم التي تمت الإشارة إليها مثل الصين والهند، وهذه القوة ينبغي أن تلعب دورًا أكبر على الساحة السياسية الدولية.
"خطاب تعبئة"
من جهته، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني العبيدي، أن خطاب بوتين هو خطاب تعبئة، مشيرًا إلى أن بوتين عندما يتحدث عن المناطق السلافية والناطقين بالروسية، فهو يعي جيدًا بأنها قنبلة موقوتة للعديد من الدول الأوروبية.
وفي حديث لـ"العربي" من جنيف، يعرب عن اعتقاده بأن العقيدة الجديدة هي عبارة عن قطيعة مع العهد السابق، وعودة إلى أجواء الحرب الباردة، لأنها تكرس نهائيًا القطيعة مع الغرب، الذي يوصف بأنه مصدر للتهديد، وإقحام البعد العسكري، فضلًا عن تكريس البعد الآسيوي لروسيا.
ويضيف العبيدي أن العقيدة العسكرية الجديدة هي ردة، لأن روسيا ليست في موضع القوة، ولذلك فهي ترد بالفعل، وتغير من خططها الإستراتيجية، وكذلك من أولويات السياسة الخارجية.
ويشير إلى أن المرحلة المقبلة صعبة، لأن موسكو تعلم جيدًا بأن العديد من الدول الأوروبية وافقت على إمدادات عسكرية جديدة نوعية لأوكرانيا، الأمر الذي قد يحدث تغيرًا، بالإضافة إلى التحذيرات المكثفة من قبل الجيش الأوكراني.
ويلفت العبيدي إلى أن العقيدة الجديدة تأتي لتقول إن لدى روسيا الحق، وتشرعن ردة الفعل المقبلة، بالإضافة إلى أن هناك اعتقادًا بأن أي حل دبلوماسي هو مؤجل.