بدأ نهار القدس الثلاثاء باقتحام نحو 3000 مستوطن على رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى، تحت حماية شرطة الاحتلال التي فرضت طوقًا أمنيًا على البلدة القديمة في المدينة.
ومارس المستوطنون خلال اقتحامهم أفعالًا استفزازية، وصلوات تلمودية، ورفعوا الأعلام الإسرائيلية تزامنًا مع ما يسمى بذكرى خراب الهيكل.
واعتبر بن غفير الذي طالما حرض على الفلسطينيين، ودعا إلى مواجهة مفتوحة معهم، أن التقدم واضح فيما وصفه بالسيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، ليرد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن ما حدث خرق للوضع القائم في الحرم المقدسي.
وهذا ما ذهبت إليه السفارة الأميركية في إسرائيل والخارجية الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي دعا أيضًا إلى احترام الوضع القائم.
من جهتها، قالت الخارجية الفلسطينية إنها تنظر بخطورة بالغة إلى التصعيد الحاصل جراء اقتحامات المتطرفين للمسجد الأقصى بحجج واهية.
فصراع التاريخ والجغرافيا الذي يتجلى في صورة الوضع القائم، تزامًنا مع سياسة إسرائيلية قائمة على ترسيخ التقسيم الزماني والمكاني في الحرم المقدسي، مترافق مع سياسات إسرائيلية ممنهجة لتهويد مدينة القدس وتغيير هويتها، إجراءات تطرح مبدأ الوصاية على الطاولة وسياسة الاحتلال تجاه المقدسات.
وبالحديث عن الوصاية، أدانت الخارجية الأردنية في بيان رسمي اقتحام المستوطنين للأقصى تحت حماية شرطة الاحتلال. وشجب البيان الخرق الفاضح للقانون الدولي والوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس، مرجعًا الاختصاص الحصري بإدارة الأماكن المقدسة في المدينة إلى وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في عمان.
وهذا ما ذهبت إليه القاهرة والدوحة والرياض وعواصم أخرى، كما نددت فصائل المقاومة الفلسطينية بالخطوة، وقالت إن الاقتحامات تصعيد للحرب الدينية وعدوان سيقابل برد قوي.
"اختلاف إسرائيلي على توقيت الاقتحام لا المبدأ"
وفي هذا الإطار، أوضح الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي أشرف بدر، أن قرار المحكمة الإسرائيلية العليا عام 1993 كان ينص من الناحية القانونية بأنه يجوز الدخول إلى المسجد الأقصى، لكن بموافقة الأمن، مشيرًا إلى أن بن غفير هو الآن وزير الأمن الداخلي الذي من صلاحيته السماح بدخول الأقصى أو منعه.
وفي حديث للتلفزيون العربي من الخليل جنوب الضفة الغربية، أضاف بدر أن تعليق مكتب نتنياهو على اقتحام بن غفير المسجد الأقصى، جاء لأن هناك تعهدات إسرائيلية للحكومة الأردنية بألا تزور شخصيات سياسية أو وزراء المسجد، وذلك بعد اقتحام رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون عام 2000، حين حصلت "انتفاضة الأقصى".
وفيما أشار إلى أنه لا يوجد انقسام فيما يتعلق بالمسجد الأقصى داخل المجتمع الإسرائيلي، لفت بدر إلى أن ما صرح به زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد هو اختلاف على التوقيت وليس على المبدأ، لأن دخول المسجد الأقصى في هذه الأوقات الحساسة قد يفجر الأوضاع الأمنية، وقد يخرب العلاقات مع بعض الدول.
وأوضح بدر أن الجهة السياسية الإسرائيلية الوحيدة التي تعارض اقتحام المسجد الأقصى تقريبًا هي الأحزاب الحريدية مثل حزب "شاس" و"يهدوت هتوراه"، بينما تشجع الأحزاب العلمانية الاقتحام بداعي فرض السيادة على المسجد.
وأشار إلى أن نتنياهو يرخي العنان لبن غفير الذي يحاول أن يستعرض قوته، وأن ينفذ برنامج الصهيونية الدينية، وبشكل أساسي برنامج التيار الديني القومي الذي ينص على محاولة فرض السيادة على المسجد الأقصى وتقسيمه مكانيًا.
"ضغوط أردنية"
من جهته، اعتبر نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق جواد العناني، أن اقتحام بن غفير للأقصى ورد مكتب نتنياهو عليه هو ازدواجية اللعب، وأمر تمارسه إسرائيل باستمرار.
وفي حديث للتلفزيون العربي من العاصمة الأردنية عمان، أضاف العناني أن الأردن يمارس الكثير من الضغوط على إسرائيل، وسبق أن نجح بعضها، فيما البعض الآخر لم ينجح كما تريد المملكة.
وتابع أن الأردن لم لن يدع هذه الممارسات تمر دون احتجاج، خاصة وأنهم بدأوا يمارسون أعمالًا غريبة، كاعتقال الشيخ عكرمة صبري لدفاعه عن المسجد الأقصى.
وأوضح العناني أن قضية القدس من أهم القضايا الأساسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعودة المدينة بكاملها إلى الحضن العربي والفلسطيني، بالنسبة للأردن وشعبه، ولا خلاف عليها ولا تراجع عنها على الإطلاق.
وأردف أن الأردن يعتبر أن الوصاية الهاشمية ليست إحلالًًا لمكان السيادة، وإنما يعتبرها بالدرجة الأساسية حماية وصيانة لهذه الأماكن وهي وصاية هاشمية أي أنها تابعة للأسرة الهاشمية وليست تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية، حتى لا يساء فهمها ويُفهم بأن الأردن يسعى للسيادة عليها.
وقال العاني: "إذا قامت إسرائيل بانتهاك الحقوق الأساسية للمسلمين في داخل المسجد الأقصى، أو سعت إلى الهدم، فإن ذلك سيؤثر على العلاقات الإسرائيلية الأردنية".
اقتحام المسجد الأقصى والموقف الأميركي
من ناحيته، أوضح الدبلوماسي الأميركي السابق السفير ريتشارد شمايرر، أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم الوضع القائم في الأقصى، وهذا ما حدده نتنياهو أيضًا.
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أضاف شمايرر أن إسرائيل تريد علاقات جيدة مع الأردن، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الممارسات الأخيرة تقوض هذه العلاقات وهي ممارسات من قبل المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية للاستفزاز وخلق المشاكل بين إسرائيل والمملكة.
واستبعد نجاح هذه الممارسات، بسبب رفضها من قبل الشعب الإسرائيلي والمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة كما رفضها نتنياهو، حسب قوله.
ورأى شمايرر، أن إيتمار بن غفير اقتحم المسجد الأقصى في هذا التوقيت، لأنه يظن أنه مفيد سياسيًا لحراك إسرائيل، في ظل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة التي يرفضها الوزير المتطرف نفسه، ويحاول تشتيت الانتباه لمنع وقف الحرب على غزة.
وفيما ذكر أن الولايات المتحدة انتقدت اقتحام المستوطنين المسجد الأقصى كما انتقدت بناء المستوطنات في الضفة الغربية، لفت شمايرر إلى أن المتطرفين يلجأون إلى هذه الخطوات عندما يظنون أنها لمصلحتهم السياسية.
وأردف شمايرر أن الرئيس الأميركي جو بايدن يدعم حل الدولتين، الذي سوف يضمن برأيه حل المسائل المتعلقة بالقدس، معربًا عن اعتقاده أن الإدارة الحالية مستعدة للمساعدة في إيجاد حلول مقبولة وبرامج مختلفة يوافق عليها كل من الطرفين.