لن تكون ألمانيا بعد أنغيلا ميركل كما قبلها. بالنسبة لمن عارضوا سياسة المستشارة، ذاك رهان يأملون أن تحقّقه انتخابات البوندستاغ، أما من وصفوها بـ"Mutti" أو الأم فيرون في الاختلاف بين الألمانيتَين كابوسًا مزعجًا يرجون ألا يتحقق.
تغيب السياسية الألمانية الأشهر عن الاستحقاق المرتقب الأحد؛ والغياب بداية لانسحاب نهائي عن المجال الذي لعبت فيه أدوارًا مفصلية محليًا وأوروبيًا وعالميًا أيضًا، حيث عُدّت المرأة الحديدية ونالت لقب المرأة الأكثر نفوذًا في العالم.
فهل انتهت الكيمياء بين ميركل وعالم السياسة، أم أن الأخير فقد وفق مبادئ الفيزياء خاصية الجاذبية؟
القرار في واقع الحال أعلنت عنه المرأة الحائزة على دكتوراه في الفيزياء الكيميائية، قبل أعوام. كان ذلك تحديدًا في أكتوبر عام 2018. حينها قالت ميركل إنها ستتخلى عن رئاسة حزبها المحافظ في نهاية العام نفسه، وعن منصب المستشارة في نهاية ولايتها الرابعة والأخيرة عام 2021.
وبينما جزمت أنها لن تترشح للبرلمان الألماني، أشارت إلى أنها لن تسعى لأي مناصب سياسية.
استقالة مؤجلة
ما بدا عام 2018 استقالة مؤجلة تستحقّ بانتهاء الولاية الرابعة التي تشغلها ميركل على رأس ألمانيا، يطوي صفحة من تاريخ البلاد لم يبدأ قبل 16 عامًا فحسب، بل يمكن القول إنه انطلق نهاية ثمانينيات القرن الماضي حين دخلت ميركل معترك السياسة الألمانية.
في ذلك الوقت، كان الجدار الفاصل بين الألمانيتين الغربية والشرقية قد سقط. والشابة التي وُلدت في هامبورغ عام 1954 ونشأت في الشطر الشيوعي من البلاد، بعد أن انتقل إليه والدها القسّ للتبشير، قد حازت على شهادتها العليا ونشرت أبحاثًا في مجال تخصّصها العلمي.
إسدال الستار على رحلة #أنغيلا_ميركل السياسية.. هذه أبرز محطات مشوار "المرأة الحديدية"👇#ألمانيا pic.twitter.com/iYejMyumw3
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) September 25, 2021
خطت ميركل وكان لقبها قبل الزواج كاسنر، خطواتها الأولى في عالم السياسة. انضمت إلى حركة "الصحوة الديمقراطية" ثم انتسبت إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، وهو حزب محافظ ينتمي إلى اليمين الوسط، وصعدت سلم السلطة إلى رئاسته عام 2000 عبر تولّيها مناصب عدة داخله.
بموازاة النشاط الحزبي كانت ميركل قد دخلت إلى مجلس النواب الألماني عام 1990، وشغلت منصبَي: الوزير الاتحادي للمرأة والشباب بين عامي 1991 و1994، والوزير الاتحادي للبيئة وحماية الطبيعة والسلامة النووية بين عامي 1994 و1998.
أما بلوغ ميركل، التي حافظت أيضًا على لقبها بعد زواج ثان من عالم الكيمياء يواخيم ساور، سدّة الحكم في ألمانيا فقد تحقق عام 2005، حيث أدت اليمين الدستورية في الثاني والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني.
ثقة وامتنان
منذ ذلك الحين، قادت أنغيلا ميركل التي تسلّمت مقاليد السلطة لأربع ولايات متتالية، البلاد في أزمات متتالية، واعتبرت الزعيمة الفعلية لأوروبا.
ومما يعُرف عنها تلك البراغماتية في التعاطي مع الشؤون السياسية، أكان ذلك على الصعيد المحلي أم الأوروبي.
ولعلّ قراءتها لموضوع المهاجرين ومعارضتها اتخاذ أي خطوات من شأنها تغيير سياسة الباب المفتوح أمامهم، أحد أبرز نماذج مقاربتها الواقعية للملفات الهامة، علمًا أن هذا الملف كان قد هدّد بانهيار الائتلاف الحكومي الذي تقوده.
وتركت طريقة إدارة ميركل لدفة الحكم أثرًا ليس فقط على المستوى الألماني، بل القاري أيضًا. فبحسب موقع فوربس، وجد استطلاع أُجري في أكتوبر 2020 أن 75% من البالغين في 14 دولة أوروبية يثقون بميركل أكثر من أي قائد آخر في المنطقة.
أما اللاجئون، ومن بينهم السوريون الذين استقبلتهم ألمانيا وشكلت موطنًا لهم وسط الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تعيشها بلادهم، فهم ممتنون لها ويقدرون عاليًا تعاطفها معهم.
ويخشى هؤلاء مع دنو رحيلها تغيّرًا في السياسات الخاصة باللاجئين. وبينما يصفون اللحظات الفاصلة عن اتضاح صورة ما ستكون عليه ألمانيا في المرحلة المقبلة، بـ "الحاسمة"، يأملون ألا تسهم موجة الفارين من الحروب في دعم حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يؤلب الرأي العام ضدهم.