يُسمع من جديد أزيز الرصاص في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، فتتجه الأنظار إلى واحدة من أكثر المناطق فقرًا وبؤسًا وتهميشًا بعد "جولات" من النسيان.
يعلو صوت الاشتباكات فيتردد صداها على نطاق أوسع خارج المخيم، الذي أسّسته اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أثر نكبة حلّت على الفلسطينيين ليعيشوا من بعدها في داخله وبصورة متواصلة مزيدًا من النكبات.
فأكبر مخيمات لبنان وأكثره كثافة سكانية يعيش ليس فقط على صفيح الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية على صعيد البلاد، بل أيضًا على صفائح أزمات أخرى محلية بين تنظميات تلعب دورًا فاعلًا على "ساحته".
مخيم عين الحلوة عاصمة الشتات
في العام 1948، نُصبت خيم على أرض في مدينة صيدا كانت معسكرًا للجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، لتؤوي عائلات فلسطينية هجرتها مجازر العصابات الصهيونية من أراضيها.
بحسب موقع منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي بدأت عملياتها داخل المخيم عام 1952، كانت العائلات في ذلك الحين من مدن عمقة وصفورية وشاب وتايتابا والمنشية والسميره والنهر والصفصاف وحطين وراس الأحمر والطيرة وترشيحا في شمال فلسطين.
الخيم وقد طال زمن اللجوء والتهجير عن فلسطين، التي تبعد 67 كلم فقط عن مخيم عين الحلوة، تحوّلت إلى مبان إسمنتية وتكدست تباعًا وقد نمت العائلات في المخيم واستقبل هذا الأخير "نازحين" من مخيمات أخرى في لبنان بينها النبطية إثر استهدافه من قبل قوات الاحتلال منتصف السبعينيات.
والمخيم الذي تبلغ مساحته نحو 2.9 كم مربع سرعان ما ظهرت فيه الأحياء، التي اتخذت أسماء منها التعمير والبركسات والطوارئ وكذلك الطيرة وراس الأحمر تماهيًا مع مسقط تتوارث الأجيال في المخيم جذورًا لن تنقطع معه، لتضرب موعدًا دائمًا للعودة مهما طال الفراق.
شقاء وعوز وتهميش
وتُفيد بيانات المنظمة الأممية بأن أكثر من 47.500 لاجئ مسجّل يعيشون في مخيم عين الحلوة، لكن مصادر أخرى تشير إلى أرقام أعلى من ذلك بكثير تزيد في بعضها عن الضعف.
ولا يختلف حال هؤلاء في "عاصمة الشتات الفلسطيني" - التي اكتسبت اسمها من عين ماء عذبة - عن حال اللاجئين الفلسطينيين في مختلف مخيمات لبنان في الشمال والجنوب وفي بيروت والبقاع (شرقًا)، حيث تُعد هذه التجمعات البشرية بقعة شقاء وعوز وتهميش.
فبينما تكاد تغيب الخدمات الحياتية الضرورية عن المخيمات، جاءت التشريعات اللبنانية لتمنع على الفلسطينيين حق التملك فضلًا عن إمكانية العمل في عشرات الاختصاصات، مما يجعل من أرقام التسرب المدرسي والبطالة مرتفعة جدًا، ومن تأمين قوت اليوم أمرًا صعبًا ومن التخطيط لمستقبل أفضل شبه مستحيل.
أما أمنيًا، فإن التوترات التي يشهدها مخيم عين الحلوة بين فترة وأخرى وتنخرط فيها مجموعات وتنظيمات محلية أو أشخاص محسوبين عليها، فإنها تزيد أثقالًا على المأساة الإنسانية المستمرة في داخله.