لليوم الثاني على التوالي، تتواصل المعارك في العاصمة السودانية الخرطوم بين قوات الجيش التي يقودها عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية الموالية لحليفه السابق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ولا حلول تلوح بالأفق مع تشبث طرفي النزاع بمواقفهما.
وللصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع جذور عميقة وخلافات نمت ببطء، وأنهت مصير الاتفاق السياسي النهائي في ظل الاحتراب.
رصاص في الخرطوم
وحتى وقت قريب من مطلع الأسبوع الحالي، كانت القوى السودانية منهمكة في الحديث عن ضرورة استكمال متطلبات المرحلة السياسية، قبل أن يصمت الحديث فجأة بعد أن سُمع دوي الرصاص في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى مع بدء الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقبل الاقتتال بساعات، كان طرفا النزاع يؤكدان استعدادهما للتهدئة عقب نشر قوات الدعم السريع وحدات لها في منطقة مروي والخرطوم دون تنسيق مع الجيش، لكن بث أجواء التهدئة كان في واقعه تضليل، سبقه حشد الجانبين للمعارك التي وقعت السبت.
والمتابع للشأن السوداني يجد أن للصراع الحالي بذور كانت تنمو ببطء خلال الفترة الماضية، وأن الشقاق بين البرهان وحميدتي تحول من صراع سياسي إلى عسكري، وأكبر إرهاصات ذلك تمثل في تأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي مرتين، وسط خلافات مستمرة حول بعض القضايا.
وفي مقدمة الخلاف، الجدل بشأن دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش، وإقحام مزيد من القوى السياسية في الاتفاق الإطاري لإضفاء مزيد من الشرعية عليه.
والآن وقد وقع الفأس بالرأس، انتهى الحديث عن استحقاقات ومتطلبات المرحلة السياسية وخلافاتها، وبالتالي فإن إسكات صوت الرصاص وهدير الطائرات بات هو الهاجس الأكبر.
اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش للسيطرة على المقار الحساسة في #السودان وسط دعوات للتهدئة pic.twitter.com/ayesbxbdTJ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 16, 2023
"هذه المعركة لن تحسم بالحرب"
وفي هذا السياق، قال بكري الجاك المدني، أستاذ السياسة العامة والإدارة: "يمكن توصيف ما يجري بالسودان بأنه عملية انقلابية بدأت عام 2021، وهناك تنافس على السلطة بين البرهان وحميدتي، وكليمها يعتقد أن لديه القوة الكافية ليكون على رأس الدولة السودانية".
وأضاف المدني، في حديث لـ"العربي" من واشنطن، أن "قوات الدعم السريع هي نتاج الإسلاميين في السودان عندما وصلوا للسلطة عام 1987، وعملوا على إضعاف المؤسسة العسكرية".
ومضى قائلًا: "الآن السودان يدفع ثمن الرهانات الخاطئة حيث لا يمكن للدولة الحديثة أن تقيم جيشًا موازيًا وتتوقع أنه سيظل وفيًا على الدوام".
واعتبر المدني، أن "التجربة في السودان تؤكد أن الحرب ما هي إلا وسيلة للجلوس والتفاوض، ولذلك فإن الأمر تجاوز قدرات الفاعلين السياسيين، وأصبحت هناك دول في الإقليم لها تأثير بالملف".
وأضاف: "هذه المعركة لن تحسم بالحرب، بل ما سيحصل هو أن القتال سيمتد، ولذلك لا يمكن التوصل للحل بوجود هذين الرجلين، وخاصة أنه جرى شخصنة الخلاف في البلاد".
وذهب المدني للقول: "جوهر الصراع في السودان يدور بين من يريد تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي ومنع تطلعات الشعب السوداني، وبقايا نظام قديم يسعى لتعجيل هذا الأمر".
وختم بالقول: "حميدتي رجل يمتلك الكثير من المال ولديه طموح سياسي، وقد توافقت طموحاته مع تطلعات "الحرية والتغيير" التي تفكر في استعادة المسار، كما أنه لا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان".
دعوة للحوار
من جانبه، قال سعد محمد عبد الله، المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان: إن "موقف الحركة كان بأن الأزمة لا بد أن تحل بالحوار والتفاوض وتحكيم صوت العقل، وخاصة أنه جرى التحذير سابقًا من خطر التصادم بين الجيش وقوات الدعم السريع، وقد جرى اقتراح مبادرات قبل انفجار المعارك بين الطرفين".
وأضاف عبد الله في حديث لـ "العربي" من الخرطوم: "بظل حالة الشد والجذب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لا بد من الجلوس إلى طاولة التفاوض لحل المشكلة، وكذلك الابتعاد عن خطاب التهييج في وسائل الإعلام الداعمة للقتال".
ورأى عبد الله، أن "التدخل الدولي غير مجدٍ، بل لا بد من الحلول الداخلية وإعطاء مساحة للحل في البلاد عبر العودة للتفاوض والحكمة".
وتابع قائلًا: "هناك إرث في السودان لحل الإشكاليات عبر حوار سوداني داخلي، كما دعا عبد الله حمدوك رئيس حكومة السودان السابق".
نفق مظلم
بدوره، رأى مهدي رابح، القيادي في الحرية والتغيير - المجلس المركزي، أن "المواجهة المسلحة قد أدخلت السودان في نفق مظلم جديد".
وأضاف رابح في حديث لـ"العربي" من الخرطوم، أنه "منذ بداية المعارك كان موقفنا هو إيقاف صوت الرصاص والرجوع للحوار عبر الوصول إلى نوع من الاستقرار".
وألمح رابح، إلى "أن الأزمة الحاصلة هي نتاج انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ورغبة البرهان وحميدتي في الانفراد بالسلطة".
وختم بالقول: "إن الحرية والتغيير والكتل الأخرى الموقعة على الاتفاق الإطاري بذلوا جهدًا كبيرًا وواجهوا هذا الانقلاب ومحاولات شرعنته، ونجحوا لتأسيس عملية سياسية كانت تسير في طريق النجاح".