في عملية وصفها الحوثيون في بيان رسمي "بالنوعية"، استهدفت طائرة مسيَّرة تل أبيب فجر الجمعة في سابقة هي الأولى من نوعها منذ دخول جماعة الحوثي على خط الاشتباك.
وقد أدّت العملية لمقتل إسرائيلي وإصابة عشرة آخرين بحسب إعلان هيئة البث التي أكدت اعتراض مسيَّرتين من العراق ولبنان.
ووصف وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت العام الحالي بعام الحرب، فيما أكَّد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أن تل أبيب في حرب متعددة الساحات وتتحرك ضد كل التهديدات القريبة والبعيدة.
وأثار الحدث سلسلة من الإجراءات في إسرائيل حيث أجرى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اجتماعات لتقييم الأوضاع الأمنية، فيما قالت المعارضة إنَّ حكومة نتنياهو فقدت القدرة على توفير الأمن للإسرائيليين في أي مكان بإسرائيل.
وتشير تل أبيب صراحة عبر منصاتها إلى مسؤولية إيران عن هجوم الحوثي، واضعة احتمالية استهداف الأراضي اليمنية على الطاولة.
وهذا ما استبقه الحوثي حين أكّدت الجماعة استعدادها لكل السيناريوهات.
وليس بعيدًا عن نقطة الاستهداف قرب السفارة الأميركية في تل أبيب، تقول وسائل إعلام إسرائيلية إنه تمَّ إطلاق أكثر من سبعين صاروخًا من لبنان نحو إسرائيل خلال هذا اليوم.
ويقابل هذا الإعلان بيانات حزب الله التي تكشف عن قصف مواقع جديدة في الجبهة الشمالية لم تكن على خارطة الاشتباك في السابق.
فشل إسرائيلي ونجاح حوثي
وفي هذا الإطار، يعتبر نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية الأسبق الفريق قاصد محمود أن الفشل الإسرائيلي في اعتراض المسيرة الحوثية التي استهدفت تل أبيب يدل على توافر إمكانيات ذاتية ومتطورة لدى الحوثيين وعلى وجود تنسيق بين جماعة الحوثي وفصائل المقاومة وخصوصًا إيران، حيث يجري تبادل الإمكانيات والخبرات التكنولوجية.
ويلفت محمود في حديث إلى التلفزيون العربي من عمّان إلى أن الحوثيين هدّدوا سابقًا بمهاجمة أهداف في إسرائيل لكن كثرًا شكّكوا في ذلك. وقال: "اليوم تأتي الحقيقة الميدانية لتثبت أن الحوثيين تفوّقوا تكنولوجيًا وإلكترونيًا ورداريًا على إمكانيات الحلفاء الذين ينتمون إلى أميركا في البحر الأحمر وعلى إمكانيات إسرائيل المتطورة جدًا ومعظمها أميركي أو مطوّر إسرائيليًا".
ويشير إلى أن المسيّرة مرّت على بعد أمتار من السفارة الأميركية في شارع بن يهودا في تل أبيب، ما يدلّ على أنه لم يعد في إسرائيل مكان آمن وأن نظريات الأمن الإسرائيلي باتت على المحك.
كما انتقد محمود ادعاء إسرائيل بأن عدم اعتراض المسيرة الحوثية خطأ بشري قائلًا: "كل الأخطاء أخطاء بشرية، لكن هذا نظام إلكتروني متكامل ولا يجوز للخطأ البشري أن يلعب دورًا في كل الأحوال". واصفًا ما حدث بأنه "فشل إسرائيلي مقابل نجاح حوثي".
"نقطة فارقة في التهديد الحوثي"
وبشأن موقف إسرائيل، يرى الخبير بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن الصورة "ليست واضحة حتى الآن"، مشيرًا إلى أن إسرائيل أعلنت على لسان مسؤوليها السياسيين والعسكريين بأن إمكان ضرب اليمن احتمال وارد أو أنه قيد البحث، لافتًا إلى أن ما يجري التشديد عليه من خلال التحليلات العسكرية هو أن انفجار هذه المسيرة في قلب تل أبيب يعبّر عن مرحلة جديدة في الحرب المتعددة الساحات والتي يخوضها الحوثيون ضد إسرائيل كإحدى جبهات الإسناد لغزة.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من عكا، يشير شحلت إلى وجهة نظر تقول إن هذه العملية "تمثل نقطة فارقة في ما يسمى التهديد الحوثي".
ويلفت إلى أن الكثير من التحليلات الإسرائيلية تعتبر أن "التهديد الحوثي" الذي كانت تعتبره إسرائيل "صغيرًا" بات "تهديدًا كبيرًا"، وذلك يعود إلى أن جماعة الحوثي تمتلك قدرات عسكرية تشبه تلك الدولية ولاسيما في ما يتعلق بالصواريخ البالستية.
كما أن لدى الحوثيين "مناعة داخلية" فبالرغم من الهجمات التي يتعرضون لها ما زالوا يمتلكون الكثير من القدرات التي يمكن أن تفاجئ إسرائيل والسفن البحرية في البحر الأحمر وفي باب المندب، كما يمتلكون الكثير من القدرات والأسلحة "الاستثنائية" مثل القوارب المفخخة وفق شلحت.
ويعتبر أن جماعة الحوثي لا تهدّد إسرائيل فحسب بل تهدّد الاقتصاد العالمي.
جبهات الإسناد
وعن التهديد الإقليمي الذي يمثله الحوثيون، يتحدث الباحث السياسي أمين قمورية عن تنسيق كبير بين القوى التي تشكل ما يسمى "محور المقاومة".
ويعتبر في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت أن عملية الحوثي الأخيرة تمثل "خرقًا للعمق الإسرائيلي" حيث عبرت المسيرة مسافة آلاف الكيلومترات وقطعت البحر الأحمر وجزءًا من البحر المتوسط وصولًا إلى قلب تل أبيب، لافتًا إلى أن المدمرات والفرقاطات والبوارج والمضادات الأميركية وغيرها لم تتمكن من صد المسيرة.
ويرى قمورية أن ذلك يدلّل على "وجود ثغرة كبيرة وأن على إسرائيل أن تفكر ألف مرة وأن تحسب ألف حساب قبل أن تقوم بما كانت تفكر القيام به بضرب لبنان أو ضرب أي منطقة أخرى".
ويتساءل قمورية: "إذا كان لدى جماعة الحوثي هذه القدرات وهي على مسافة أكثر من 2000 كيلومترًا عن تل أبيب، فماذا باستطاعة حزب الله المحاذي والمطل على إسرائيل أن يفعل وهو الأقرب إلى المنطقة الحساسة في إسرائيل".
كما يفترض قمورية أنه "طالما تمتلك الحوثي هذه المسيرات، فإن حزب الله يمتلك مسيرات من نوعها أو بمستواها أو حتى أكثر تطورًا"، مشددًا على الدور الذي تلعبه جبهات المساندة في لبنان والعراق وحتى إيران.
وفي أعقاب التطورات الأخيرة، يعتبر قمورية أنه بدا واضحًا أن "غزة ليست منفصلة عن لبنان وكذلك عن اليمن وربما عن أماكن أخرى".