تشهد مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا اشتباكات متواصلة بين قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية ومقاتلي تنظيم الدولة الذين شنّوا هجومًا قبل يومين على سجن في المدينة، ما أسفر عن سقوط أكثر من 70 قتيلًا بين الجانبين حتى الآن.
وتزامنًا مع الاشتباكات في الخارج، يواصل عناصر تنظيم الدولة المحتجَزون داخل السجن سيطرتهم عليه، بعدما استحوذوا على مستودعات السلاح والذخيرة، ما دفع بطائرات التحالف الدولي إلى شنّ عدّة غارات في محيط السجن، منها غارة على مشغل للخياطة ومخبز وعدّة مبانٍ في المنطقة بعدما اتضّح وجود عناصر للتنظيم تتحصّن هناك.
وبحسب مراسل "العربي"، فقد دفع استمرار القتال بسكان حي الزهور إلى مغادرة بيوتهم، بينما دعت قوات سوريا الديمقراطية عبر مكبّرات الصوت لإخلاء منازلهم في المناطق القريبة من الاشتباكات، إنذارًا باشتداد المواجهات بعد وصول تعزيزات عسكرية إلى المنطقة من مدينة الرقة ودير الزور في محاولة لاقتحام السجن وإعادة بسط السيطرة عليه.
وذكر محافظ المدينة أنّ آلاف المدنيين فرّوا من الأحياء التي تشهد اشتباكات عنيفة، خصوصًا مع انتشار قنّاصة على أسطح المباني المحيطة بالسجن، ومنع الأهالي من التحرك أو الخروج.
ودفعت تداعيات الهجوم جامعة الفرات إلى تأجيل الامتحانات في كليات مدينة الحسكة حتى إشعار آخر، بسبب التطورات التي تشهدها المدينة ووصول مقاتلي تنظيم الدولة إلى مبنى كلية الاقتصاد.
هجمات خاطفة وسريعة
ويرى الباحث السياسي السوري فراس فحام أنّ الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة على قوات "قسد" في الحسكة يؤشر إلى أنّ التنظيم تحوّل من إستراتيجية الولايات الأمنية التي تمّ العمل عليها بعد انهيار سيطرته على الباغوز في عام 2019، إلى سيناريو الهجمات الخاطفة والسريعة على المواقع العسكرية.
ويشير فحام في حديث إلى "العربي"، من أنطاليا، إلى وجود هدفين للتنظيم من وراء هذا الهجوم الآن، والتحول إلى هذا النمط من العمليات، أولهما هو السيطرة على مزيد من الأسلحة والذخائر والتجهيزات العسكرية، وهذا ما تمّ من خلال الاستيلاء على مستودع للذخائر والأسلحة لتنظيم قسد.
أما الهدف الثاني، بحسب فحام، فيدلّ على الرغبة باكتساب المزيد من العناصر البشرية، بمعنى أنّ "تنظيم الدولة" يبحث عن تمويل نفسه على ما يبدو بالسلاح والعناصر البشرية في هذا الهجوم.
تواطؤ أم هشاشة أمنية؟
ويتحدث فحام عن فرضيتين يمكن من خلالهما تفسير ما يجري، أولاهما أنّ هناك نوعًا من التواطؤ لدى تنظيم "قسد" مع تنظيم الدولة، وهذه فرضية لا يمكن استبعادها برأيه، والهدف منها ربما خلط الأوراق والحسابات الأميركية في ظل الحوار مع روسيا. ويشير إلى أن تنظيم "قسد" ما زال يحتوي الآلاف من عناصر تنظيم "الدولة" في معتقلات كبيرة.
أما السيناريو الثاني، وهو أيضًا غير مستبعد وفقًا لفحام، ويحتاج للمزيد من الوقت لتتّضح صورته، فهو أنّ هناك نوعًا من الهشاشة الأمنية والفساد لدى تنظيم "قسد"، ولا سيما أنه يتمدد على منطقة جغرافية ليست حاضنة شعبية له، ولا ترحّب به عمليًا.
ويشدّد على أنّ ورقة تنظيم الدولة تحديدًا هي ورقة استثمار تلجأ إليها أحيانًا الأطراف الدولية، في محاولة لتوجيه عمل هذه الخلايا في اتجاهات معيّنة، وبالمحصّلة تنظيم الدولة يجيد عمليات تحييد بعض الأطراف والتركيز على أطراف أخرى.
هل يعود "تنظيم الدولة" إلى السيطرة الجغرافية؟
ويخلص فحام إلى أنّ خلايا تنظيم الدولة تدرك تمامًا خطورة المسرح الذي تعمل به، ليس نتيجة الأطراف المحلية، وإنما نتيجة وجود لاعبين دوليين هما روسيا والولايات المتحدة.
ويستبعد انطلاقًا من ذلك، أن نشهد سيناريو السيطرة الجغرافية، بمعنى أنّ تنظيم الدولة لن يتّجه إلى سيناريو الإمساك بالجغرافيا على غرار ما كان حاصلًا في عامي 2014 و2015 حين كان التنظيم في أوج قوته.
لكنّه يرجّح في المقابل، أن نكون أمام سيناريو الهجمات المباغتة، والعمليات الموجعة التي تهدف إلى الحصول على إمداد وذخائر وأسلحة وكذلك كسب العنصر البشري، وذلك لتمويل عمليات أخرى ربما.