يعيش لبنان حلقة جديدة من حلقات أزماته المتلاحقة، وهو الذي يشهد منذ 3 سنوات أزمة اقتصادية وانهيارًا ماليًا غير مسبوقين، فقد اقتحم مواطنون عددًا من المصارف مع إشهار سلاح واحتجاز عدد من الموظفين.
فعلى وقع إطلاق الرصاص وصراخ المودعين المحتجين والمتضامنين معهم، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت اليوم الجمعة، عددًا من الاقتحامات لمجموعة من البنوك دفعة واحدة بما وصفه البعض "يوم اقتحام المصارف".
هذا المشهد، بات متكررًا في ظل تمسك المصارف بفرض قيود على سحب المودعين لأموالهم، وعدم إقرار السلطات خطة التعافي المنشودة منذ عامين على الأقل.
وفي وقائع متتابعة، سجل احتجاز رهائن وإغلاق بنوك على وقع مطالبات بالودائع، الأمر الذي وضع المصارف والسلطة في حالة استنفار.
مخاوف أمنية
ولم تملك جميعة المصارف، صاحبة الشأن والقول، من أمرها لمجابهة موجة المودعين المنتفضين سوى أضعف الحلول ألا وهو إغلاق البنوك لمدة 3 أيام ابتداءً من الإثنين المقبل.
فقد قالت جمعية المصارف اللبنانية yن هذا الإجراء ضروري، بسبب مخاوف أمنية تهدد قطاع المصارف من قبل أصحاب الودائع، بينما حثّت الجمعية السلطات على محاسبة المتورطين في اعتداءات لفظية وجسدية على البنوك.
ويوم الاقتحامات هذا، جاء عقب واقعتين أخريين في بيروت يوم الأربعاء الماضي، تمكن خلالهما مودعون من استرداد جزء من أموالهم بالقوة، وذلك بعدما اعتقل رجل الشهر الماضي عندما اقتحم بنكًا في العاصمة لسحب أموال من أجل علاج والده المريض قبل أن يخلى سبيله من دون توجيه اتهام له، بعد أن أسقط البنك دعواه القضائية ضده.
في موازاة هذا المشهد الذي انقسم اللبنانيون حوله بين مؤيد ومعارض، كان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يخاطب مجلس النواب ويحثه على مواجهة "أزمة صعبة جدًا" بالتعاون.
رد فعل على "سياسات النهب"
ومن بيروت، يرى حسن بزي المتحدث باسم جمعة المودعين اللبنانيين أن مشهد اليوم هو "نتيجة"، فلبنان يخضع لسلطة تنفيذية كل وجوهها هم "أمراء حرب" خاضوا حربًا أهلية في البلاد لمدة 16 عامًا، قبل أن يتولوا السلطة لـ 30 عامًا.
مما يعني على حد تعبيره، أن لبنان "شكليًا دولة لكن الواقع هو مزرعة يحكمها أمراء حرب"، مشيرًا إلى وجود منظومة سياسية مصرفية أمنية يحميها الدستور "وتعمل بالتكافل والتضامن من أجل مصالحها الشخصية".
ويضيف بزي في حديثه لـ"العربي": "عندما بدأت الأزمة تبين لنا أن هناك 120 مليار دولار من أموال المودعين قد نهبت وسرقت، من خلال الأطماع المصرفية بالتواطؤ مع مصرف لبنان المركزي وحاكمه والسلطة السياسية، ليس أقلها تهريب 2 مليار دولار بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول".
ويلفت المتحدث باسم جمعة المودعين اللبنانيين إلى أنه بعد التقدم بعدة دعاوى ضد 13 مصرفًا وضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واستحصالهم على قرار بمنع سفره والحجز على أملاكه، توصل تقرير الخبراء إلى فضيحة كبيرة ترتبط بعمل المصارف عقب "ثورة 17 تشرين".
فقد تم الاستحصال على جدول بأسماء سياسيين ونافذين قاموا بطريقة احتيالية تسمى الحسابات الوهمية في سويسرا، بتهريب مئات ملايين الدولارات، عبر وضع حسابتهم باسم البنك المراسل، على حد قول بزي.
ويتابع: "أي عندما يطالب البنك المراسل بأمواله إنما يطالب بأموال السياسيين المهربة"، مؤكدًا عزم جمعية المودعين على عرض لائحة الأسماء للعموم.
المصارف ترفع المسؤولية عنها
في المقابل، يؤكد نسيب غبريل كبير الاقتصاديين لمجموعة "بنك بيبلوس"، أن المصارف لو كانت تسيطر على الطبقة السياسية، لما كانت الحكومة السابقة قد أخذت قرارًا بالتعثر عن تسديد سندات "اليورو بوند" التي أدت إلى خسائر بقيمة 10 مليار دولار للمصارف.
ويردف: "لو كانت مزاعم تواطؤ المصارف صحيحة، لما كانت المؤسسات ذات الطابع التجاري تعمل بشكل منتظم، ولما كان هناك هدر 45 مليار دولار على قطاع الكهرباء بينما لا تصل الكهرباء لنا أكثر من ساعة في النهار".
وعن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها جمعية المصارف، فيقر غبريل أنها تؤثر على العمل اليومي إذا أغلقت المصارف أبوابها لثلاثة أيام، إلا أن الأولوية اليوم هي حماية آلاف الموظفين في البنوك الذين لا شأن لهم من هذا الصراع، على حد قوله.
ويشرح قائلًا: "المودع له حق وعلى المصارف تحمل المسؤولية، ولكن ما ذنب الموظف الذي يتعرض للتهديد الجسدي والمعنوي والنفسي بهذا الموضوع، فالمشكلة الأساسية ليست إغلاق المصارف وعلى المعنيين مصارحة الناس بمصير الودائع وبأي طريقة سيحصلون على ودائعهم ومتى".
تضارب بين العدالة والقانون
أما الأكاديمي والباحث السياسي علي مراد، فيعتقد أن هناك حالة من "التضارب الصارخ" بين العدالة وبين القانون، فالعدالة هي بصف المودعين على عكس القانون.
واعتبر مراد من بيروت، أنه "بعد 3 سنوات عجزت السياسة عن إخراج البلاد من الأزمة أو حتى تمهيد بداية الخروج منها، حتى أن القضاء عجز عن ذلك، إلى جانب الحاكمية المالية العامة".
وهذا العجز يصفه الباحث السياسي بأنه تواطؤ لعدم القيام بأي أمر، مستشهدًا بتقارير البنك الدولي وصندوق النقد التي تشير إلى عملية تجفيف الودائع عبر الزمن، في محاولة لإنقاذ أصولها.
ويستكمل في حديثه مع "العربي": "في القانون إذا المصارف تعتبر نفسها مفلسة فيجب أن تعلن إفلاسها، لتسيل أموالها وأصولها وتدفع ودائع الناس كما يجري في كل دول العالم التي شهدت انهيارات مالية".