ترتفع وتيرة الاشتباكات بين الجيش الأوكراني والقوات الانفصالية شرق البلاد منذ أيام، حيث تتجدد عمليات القصف المتبادلة.
ويتراشق الطرفان الاتهامات، ويحصي كل منهما للآخر عدد اختراقات وقف إطلاق النار، وتتحدث كييف عن استخدام الانفصاليين لأسلحة محظورة وفقًا لاتفاقية مينسك.
وتتوجس كييف من المحاولة الروسية لجرها نحو التصعيد العسكري من وراء الحدود الشرقية، وتتأهب بعد نشر موسكو نحو 150 ألف جندي وإجراء مناورات عسكرية مع بيلاروسيا أشرف عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وينفي الكرملين ما يؤكده الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله إنّ روسيا اتخذت قرارًا بغزو أوكرانيا، فيما يلوح البيت الأبيض بعقوبات قاسية وفورية ضد موسكو، على غرار تحذيرات أخرى أطلقتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبيرغ من أي غزو روسي محتمل لأوكرانيا يغير القواعد الدولية والنظام العالمي.
ويذكّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأوروبيين بأن بلاده كانت درعًا لأمنهم منذ 8 سنوات، ويدعوهم إلى وقف ما سماه بـ"سياسة المهادنة" مع موسكو مطالبًا بإطار زمني وواضح للانضمام إلى "الناتو".
في غضون ذلك، تتماهى بعض المواقف الأوروبية مع واشنطن، بينما ترغب بروكسل في حسم موقفها كفاعل أساسي وتدعمها برلين التي لا تبدو مستعدة للمغامرة بتكلفة عالية على حدود الاتحاد الأوروبي.
متى يلجأ بوتين إلى غزة شامل لأوكرانيا؟
وفي هذا الإطار، يرجح المتخصص في الشؤون الروسية والدولية هاني شادي عدم حصول غزو روسي واسع النطاق لأوكرانيا إلا في حال أغلقت جميع أبواب المفاوضات، لكنه لا يستبعد أن تحدث مشاكل كبيرة عسكرية في دونباس ولوغانسك.
ويشير شادي في حديث إلى "العربي" من العاصمة الروسية موسكو إلى أنّ روسيا وضعت سقفًا عاليًا لمطالبها، خاصة في ما يتعلق بوقف توسع الناتو.
ويلفت إلى أن روسيا تنتهج حاليًا عقيدة عسكرية جديدة، تتمثل بإمكانية استخدام السلاح النووي في حال تهديدها من أي طرف أو الاعتداء عليها، ووضع حلف الناتو كأحد مصادر الخطر على الأمن القومي الروسي بالإضافة إلى الولايات المتحدة، إلى جانب تعزيز العلاقات والتحالفات في المنطقة.
ويضيف شادي أن بوتين يعرف أن الناتو لن يضم أوكرانيا لكنه يريد ضمانات أمنية قانونية مكتوبة.
ويعتقد أنه على الرغم من استخفاف المسؤولين الروس بالعقوبات التي قد تفرض على بلادهم، فإن الكرملين يعرف أنها ستكون قاسية جدًا، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن الاقتصاد الروسي بشكل عام هو اقتصاد ضعيف.
ويتابع شادي أن الصين يمكن أن تدعم روسيا سياسيًا فقط، ولن يكون بينهما أي تحالف عسكري إستراتيجي على الإطلاق، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك محاولة روسية للدخول في المنظومة العالمية الجديدة.
ما هو موقف الولايات المتحدة من الأزمة الأوكرانية؟
من جهته، يرى كبير الباحثين في مركز الدراسات الأمنية التابع لوزارة الدفاع الأميركية ديفيد ديسروتشز أن "القضية الأساسية لا تتعلق بتهديدات الناتو بالنسبة إلى روسيا، وإذا كان مبعث القلق الأساسي بالنسبة إلى بوتين هو الناتو فإن ما يقوم به يعزز التحالفات في لحلف شمال الأطلسي، ويقود الدول للانضمام إلى الناتو.
ويعتقد ديسروتشز في حديث إلى "العربي" من واشنطن، أن بوتين بحاجة إلى أن ينظر إلى نقاط الضعف الداخلية لبلاده بما في ذلك الاقتصاد الذي قد يؤدي إلى ثورة جديدة داخل روسيا.
ويؤكد أن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا ودول أخرى لن تتغير كثيرًا تحت مختلف الإدارات، فهم يريدون من هذه الدول أن تكون ذات سيادة مع عدد قليل من القوات الأميركية.
ويضيف أن الإدارات الأميركية في مختلف مراحلها، حاولت تقليل من وجود الجيش في أوروبا لكن أعمال بوتين تؤدي إلى رد فعل عكسية.
ويرى ديسروتشز أن "عدوان بوتين ضد أوكرانيا وجورجيا أعطى الفرصة للناتو ليقول إنه لا بد من القيام بشيء".
ويشير إلى أن إدارة بايدن لديها مباعث قلق حقيقية عندما يتعلق الأمر بسيادة أوكرانيا، مضيفًا أن التبعات الاقتصادية لغزو أوكرانيا ستكون عميقة بالنسبة إلى موسكو.
ويتابع أن إدارة بايدن تريد حل الأزمة بطريقة تخفف من أي مشاكل قد تظهر مع المحافظة على سيادة أوكرانيا، لكن الأزمة قد تتفاقم إذا ما أصرّ بوتين على غزو مناطق من أوكرانيا.
وعن دور الصين في الأزمة الأوكرانية، يعتقد ديسروتشز أن بكين دائمًا سعيدة بجعل الوضع صعبًا بالنسبة إلى واشنطن، لكنها ستكون محايدة، وهي تتوق إلى حلول دبلوماسية، مستبعدًا أن تلعب الصين دورًا نشطًا في حل الأزمة.
مسارات الأزمة الأوكرانية
أما الباحث في النزاعات والقانون الدولي في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في الدوحة وديع محمود العرابيد، فيوضح أنّ الوضع الإقليمي في أوكرانيا يسير ضمن 3 مسارات: المسار العسكري والسياسي والأمني.
وفي ما يخص المسار العسكري، يشير العرابيد إلى أن المنطقة مشتعلة بالأصل وتتراوح فيها كل الظروف العسكرية ما بين التصعيد والتخفيف.
أما على الصعيد السياسي، فيوضح أن هناك عدة مسارات دبلوماسية في المنطقة كالنورماندي بقيادة ألمانيا وفرنسا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وبالنسبة للمسار الأمني فيرى أن بوتين محق عندما يتكلم عن أمن روسيا، مضيفًا أن الدول الغربية تحاول أن تصنع من كييف أداة لمقابلة الشروط والضمانات التي يريدها بوتين في ما يتعلق بأمن المنطقة.
ويرى أن تقاطع الأزمة الأوكرانية مع الشؤون الدولية والإقليمية جعل البعض يحلل تصريحات بوتين في الآونة الأخيرة على أنها متناقضة، لكن بوتين وخلال رسالته الأخيرة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي أكد أن مفهوم الأمن غير قابل للتجزئة، في المقابل يتعامل الأوروبيون مع الأزمة بسياسة الباب الموارب من خلال محافظتهم على مصالحهم مع موسكو بالتحديد ألمانيا وفرنسا، وفي الوقت نفسه لا يريدون أن يغضبوا الولايات المتحدة.
ويلفت العرابيد إلى أن أزمة الطاقة تشكل مدخلًا لفهم ما يقوم به بوتين في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تروج لغازها ومن مصلحتها أن يقوم الاتحاد الأوروبي باستيراد الغاز منها.