قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنّ استيلاء الجيش على السلطة في السودان والعنف ضد المتظاهرين ألقيا بظلال من الشكّ على مستقبل العلاقة بين البلدين.
جاء ذلك قبيل إعلان رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك استقالته من منصبه، بعدما تصدّت السلطات السودانية للمتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، وهم يسيرون في مظاهراتهم المطالبة بالحكم المدني منذ ثلاثة أشهر.
وتوحي التطورات المتسارعة بأنّ الأزمة تتصاعد في السودان، في ظلّ انغلاق أيّ أفق للحلّ، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن مآلات الأزمة، وبين هذا وذاك، كيف ستتعامل واشنطن مع الوضع الراهن؟
ماذا يريد المتظاهرون؟
هكذا، تتواصل المظاهرات في السودان للشهر الثالث على التوالي. ولا يخشى المتظاهرون المطالبون بالحكم المدني رصاصًا صُوّب على سابقين منهم ولا غازًا مسيلاً للدموع حجبت به السلطات الأمنية سماء البلاد.
المهم لديهم ألا يُحجَب هدفهم وأن يصل صوتهم إلى العالم وإن قُطِعت خدمة الإنترنت وسُدّت الطرقات، فقد دعاهم تجمع المهنيين السودانيين لجعل العام المقبل بأيامه الأولى عامًا للمقاومة المستمرّة.
هم يبغون امتطاء المدنيين صهوة الحكم وأن ينكفئ العسكر إلى ثكناتهم وقد طال بقاؤهم في ساحة الحكم، فيما لا يراهم مجلس السيادة في المقابل، بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، طرفًا "يمكن التحاور معه".
"السلطة الانقلابية في حالة ذعر"
يرى عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين أنّ القوى المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي تثبّت أقدامها على الأرض يومًا بعد يوم.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، إلى أنّهم من يمتلكون زمام المبادرة ومن يحددون كيف تسير الأحوال في البلاد، لافتًا إلى أنّ السلطة الانقلابية متى ما سمعت أنّ هناك تحرّكًا ميدانيًا يقوم به شباب وشابات السودان فإنها تقوم بجملة من الإجراءات مثل إقفال الطرقات والجسور وقطع شبكات الهاتف والإنترنت.
ويقول إنّ "هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أنّ كفة القوى الراغبة في استئناف مسار التحول المدني في السودان وإسقاط السلطة الانقلابية هي الطرف الأقوى"، معتبرًا أنّ "حالة الذعر توحي كأن السلطة الانقلابية في حالة موت سريري وربما ننتظر وفاتها بعد مدة".
بين "أعراض" الأزمة و"جذورها"
من جهته، يؤكد أستاذ العلوم السياسية الرشيد محمد إبراهيم أنّ القتل مرفوض، لكنّه يعتبر أنّه لا يمكن عزل ما يحصل عن فترة السنوات الثلاث الفائتة، التي لعبت دورًا في صناعة هذا الواقع.
ويشير إلى أنّ التظاهر السلمي وحماية المتظاهرين لم تنظم طيلة السنوات المنصرمة، مضيفًا: "ليس هنالك تنظيم للمظاهرات ولا حماية كما هو معمول في كل دول العالم".
وإذ يشدّد على أنّ ما يحدث الآن هو استمرار للواقع الذي كان سائدًا خلال السنوات السابقة، يلاحظ أنّ "كل ذلك عبارة عن أعراض للمشكلة السودانية وليس جذورها"، متحدّثًا عن "إخفاقات وفشل صاحب إدارة العملية الانتقالية وتمّ تضييع وقت كبير".
الإدارة الأميركية "ضاقت ذرعًا"
أما رئيس دائرة البحوث بالمركز العربي في واشنطن عماد حرب فيلفت إلى أنّ الإدارة الأميركية ضاقت ذرعًا بالعسكر السودانيين وما يقومون به.
ويقول حرب في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إنّ الولايات المتحدة ليست ملتزمة فقط بحمدوك وإنما تريد شخصًا مقبولًا من الجميع.
ويوضح أنّ الأزمة السودانية اليوم هي في الأساس أزمة اقتصادية واجتماعية وحمدوك جاء ليقدم خبرته الاقتصادية لتحسين وضع السودان، لكن هناك الكثير من السودانيين القادرين على تولي هذه المهمة.
ويعرب عن اعتقاده بأنّ الولايات المتحدة لا تريد أن تفرض شخصًا معيّنًا على السودانيين.