قالت لجنة أطباء السودان المركزية إن قوات الأمن السودانية قتلت بالرصاص أربعة محتجين أثناء احتجاجات في أنحاء البلاد أمس الخميس نظم خلالها عشرات الألوف من المحتجين مسيرات مناهضة لحكم الجيش.
من جهتها، قالت وزارة الصحة السودانية إنّ حجم القمع والإصابات في مدينة أم درمان قد "تجاوز كلّ التخيّلات"، بينما أفاد مراسل "العربي" بأنّ القوات الأمنية منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى المدينة لنقل المُصابين.
وبحسب مراسلنا، فقد حدثت عمليات كرّ وفرّ على مدى ساعات، حيث كان يحاول المتظاهرون الوصول إلى شارع القصر لتأكيد مطالبهم بالدولة المدنية ورفض الانقلاب العسكري بالمطلق، وإبعاد العسكريين عن السياسة.
واشنطن "إلى جانب" شعب السودان
وفي المواقف، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن على تويتر إنه "منزعج" من تقارير عن استخدام القوة المميتة، وإن الولايات المتحدة "تقف إلى جانب شعب السودان مع مطالبته بالحرية والسلام والعدالة".
من جهته، أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص للسودان فولكر بيرتيس أنه "منزعج للغاية" لسقوط قتلى في السودان، مضيفًا أن "لجميع الناس الحق في التعبير عن أنفسهم سلميًا وأن من حق وسائل الإعلام العمل بحرية".
ودانت السفارة الأميركية التي كانت دعت إلى ضبط النفس، قتل المحتجين ونددت بـ"الاعتداءات العنيفة التي تشنها أجهزة الأمن السودانية على وسائل الإعلام والصحافيين".
وأطلقت الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين على بعد بضع مئات الأمتار من القصر الرئاسي، مقر الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي انقلب على شركائه المدنيين في السلطة قبل أكثر من شهرين.
وقام متظاهرون بإجلاء الجرحى فيما كانت صفوفهم تتقدم وتتراجع مع كل رشقة من الغاز.
تجمع المهنيين "متمسّك" بمطالبه
من جهته، أكد تجمع المهنيين السودانيين، فجر الجمعة، تمسكه بنقل السلطة خالصة لقوى الثورة وفتح الطريق أمام سودان مدني "ديمقراطي".
وقال التجمع المهني قائد الحراك الاحتجاجي، إنّ "مجزرة الخمس" لن تكون "إلا سببًا جديدًا لمزيد من الصمود ودافعًا لوحدة وتطوير أدوات الشارع وقواه الثورية".
وأضاف البيان أن "لاءات الثورة الثلاث: المساواة، لا شرعية، لا للتفاوض، غدت أكثر رسوخًا ووضوحًا، ولن تجدي المبادرات ومحاولات إنقاذ السلطة".
وتابع: "لا استماع لأي صوت سوى إعلان نقل السلطة خالصة لقوى الثورة وفتح الطريق، فورًا، لسودان مدني ديمقراطي".
ودعا البيان القوات النظامية إلى "إدراك مسؤوليتها في وقف العنف والانتهاكات بحق الشعب، والتَوقف عن حماية مجموعة صغيرة في أعلى السلطة".
"الثورة مستمرة"
واحتجاجات الخميس هي الجولة الحادية عشرة من المظاهرات الضخمة منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الذي شهد عزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل إعادته إلى منصبه. ويطالب المتظاهرون بألا يكون للجيش دور في الحكومة خلال فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات حرة.
ومع كل دعوة جديدة للتظاهر تحت شعار "الثورة مستمرة"، تستحدث السلطات السودانية تقنيات جديدة في محاولة لإخماد الاحتجاجات التي يبدو حتى الآن أن لا شيء يردعها.
ومنذ مساء الأربعاء، أغلقت السلطات الطرق المؤدية إلى الخرطوم ووضعت حاويات على الجسور التي تربط العاصمة السودانية بضواحيها.
ولم يمنع ذلك عشرات آلاف المتظاهرين من النزول إلى الشارع مجددا الخميس هاتفين "لا لحكم العسكر" و"العسكر الى الثكنات".
"ارتباك" في صفوف الأجهزة الأمنية
ويلفت الباحث السياسي شوقي عبد العظيم إلى أنّ احتجاجات الخميس كانت الأولى "بعد قرار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإطلاق يد القوات الأمنية ومنحها حصانة وعدم مساءلة وإعطائها حق استخدام القوة والاعتقال والتوقيف"، على حدّ قوله.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من الخرطوم، إلى أنّه "من الواضح جدًا أنّ وصول الثوار إلى القصر أكثر من مرة كان له تأثير كبير على ذهنية القوات الأمنية التي تحاول قمع الشباب الذين تحدّوها أكثر من مرّة".
ويعتبر أنّ "العنف مؤشر واضح لهزّة كبيرة داخل القوات الأمنية وخوف حقيقي لديها في مواجهة متظاهرين سلميين"، مضيفًا أنّ "هذا الأمر يدلّ على ارتباك داخل الأجهزة الأمنية ستكون له انعكاسات خطيرة على مستقبل السودان".
خيارات "ضيّقة ومحدودة" أمام حمدوك
ويرى عبد العظيم أنّ الخيارات باتت ضيّقة ومحدودة جدًا أمام رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ولا سيّما أنّ الاتفاق الذي وقّعه مع الطرف العسكري لم يتمّ الالتزام به.
ويشير إلى أنّ الخيارات صعبة في كل الأحوال، "فنحن نسير الآن في طريق خطر على الشعب السوداني بهذا الانفلات وهذا الانزلاق وهذا العنف المفرط الذي تواجَه به المواكب السلمية".
ويشدّد على أنّ مساحة المناورة أصبحت ضيقة جدًا أمام حمدوك، "فإما يغادر المشهد أو يتخذ إجراءات حقيقية وقوية في مواجهة العسكريين".
ويخلص إلى أنّ "الطرف الآخر لا يريد للاتفاق أن يكتمل وربما يريد أن يغادر حمدوك المشهد بشكل أو بآخر".
"اغتصاب" متظاهرات
والخميس عمدت قوات الأمن (الشرطة والجيش والقوات شبه العسكرية من قوات الدعم السريع) للمرة الأولى إلى نصب كاميرات على المحاور الرئيسة في الخرطوم لرصد تجمعات المتظاهرين، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس.
وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول الموافق للذكرى الثالثة للانتفاضة التي أسقطت عمر البشير، اتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن باغتصاب متظاهرات لمحاولة سحق حركة لطالما حشدت عشرات آلاف السودانيين.
ورغم إعادة حمدوك الى منصبه، ما زال السودان من دون حكومة وهو شرط لاستئناف المساعدات الدولية للبلد الذي يعد من أفقر دول العالم.