منذ أن أطلق طلاب جامعة كولومبيا الأميركية شرارة الاحتجاجات الطلابية الداعمة لفلسطين في 17 أبريل/ نيسان الماضي، توسّعت الحركة الطلابية إلى أكثر من 100 جامعة في 46 ولاية، وتمدّدت حول العالم.
وأثار هذا التوسّع السريع للاحتجاجات حملة مُوازية لتشويه سمعة الحركة المؤيدة لفلسطين باعتبارها حركة عنيفة ومعادية للسامية وضد التعايش السلمي.
ورصد موقع "ميدل ايست آي" البريطاني 3 من أكثر الأخبار المفبركة التي سعت إلى تشويه سمعة الحركات المؤيدة لفلسطين في الجامعات.
1- احتجاجات عنيفة
منذ انطلاق مخيمات التضامن مع غزة في الجامعات الأميركية، انتشرت أخبار مفبركة حول أنّ الاحتجاجات عنيفة، ومع ذلك، لا يوجد دليل على تورّط الطلاب المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في احتجاجات عنيفة من أي نوع.
وزار موقع "ميدل إيست آي" ستة مخيمات جامعية في أربع ولايات، ووجد أنّ الطلاب هناك يركّزون على التعليم من خلال التدريس والصلاة وبناء المجتمع، وينخرطون في أشكال المقاومة الفنية.
صحيح أنّ الطلاب استولوا على المباني في كولومبيا وبرينستون، كما نادوا بحقّ الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، لكن لا يُوجد دليل يُشير إلى تعرّض أي طالب أو هيئة تدريس للتهديد أو الأذى أثناء دخول القاعات.
وأعادت مشاهد دخول القاعات الذاكرة إلى الاحتجاجات السابقة التي شهدتها جامعتا كولومبيا وبرينستون احتجاجًا على حرب فيتنام ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
بعد تفكيك المخيم الأول في كولومبيا واعتقال العديد من المتظاهرين، أصدرت إدارة شرطة نيويورك بيانًا أشارت فيه إلى أنّ المتظاهرين كانوا سلميين ولم يُقاوموا الاعتقال.
وعندما اقتحمت الشرطة قاعة هاميلتون (المعروفة الآن باسم قاعة هند) مساء الثلاثاء، اعترفت الشرطة بعدم وجود مقاومة كبيرة بين المحتجّين.
وفقًا لأحد المتتبّعين، فإن 99% من الاحتجاجات الطلابية كانت سلمية، ممّا يؤكد الروايات المتناقلة عن انضباط الطلاب وأنّ حوادث العنف كانت نادرة أو معدومة.
منذ انطلاق المخيمات في منتصف أبريل، لم يتمّ الإبلاغ عن حوادث العنف إلا عندما هاجم الطلاب المؤيدون لإسرائيل المخيمات، كما حدث في جامعة كاليفورنيا في 2 مايو/ أيار الحالي، أو عندما قامت الشرطة بمداهمة الجامعات.
وفي جامعة كولومبيا، أطلق ضابط شرطة النار "عن طريق الخطأ" عندما اقتحم الطلاب قاعة هاميلتون ليلة الثلاثاء.
أما حالات العنف الأخرى فقد ارتكبها رجال الشرطة في جامعات إيموري في جورجيا، وتكساس في أوستن ودالاس، وكولومبيا، ونيويورك، وكلية مدينة نيويورك.
وحتى الآن، اعتقلت الشرطة حوالي 2200 شخص في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وزعمت شرطة نيويورك أنّ نسبة من الطلاب الذين أُلقي القبض عليهم في جامعة كولومبيا وكلية مدينة نيويورك كانوا "غرباء". ومع ذلك، حذّر أحد موظفي جامعة كولومبيا الذي لم يكن مخوّلًا بالتحدّث إلى وسائل الإعلام، من أنّ شرطة نيويورك لم تُوضح بعد معنى كلمة "غرباء".
وتضمّ العديد من الجامعات مثل جامعة كولومبيا، كليات تابعة لها مثل كلية بارنارد، مما يعني يُرجّح أنّه تمّ تعريف الطلاب من الكليات التابعة بشكل خاطئ على أنّهم "غرباء".
وفي حالات عديدة، استخدمت الشرطة الأميركية معدات مكافحة الشغب والمركبات التكتيكية لإخلاء المخيمات والمباني.
وفي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس هذا الأسبوع، قامت الشرطة بنشر القنّاصة على أسطح الكلية، وأطلقت الرصاص المطاطي واستخدمت قنابل الصوت والضوء والدخان لإخلاء المخيمات.
ولم ترد تقارير عن حيازة الطلاب للأسلحة أو تشكيل تهديد للشرطة.
2- ترهيب الطلاب اليهود ومضايقتهم
تداولت وسائل الإعلام اليمينية شائعات مفادها أنّ الطلاب اليهود تعرّضوا لمضايقات واستهداف في المخيمات في جميع أنحاء البلاد.
وتحدّث موقع "ميدل ايست آي" للطلاب اليهود في جامعات تافتس، وبراون، وهارفارد، وبرينستون، وكلية أوكسيدنتال، وجامعة كولومبيا، حيث أكدوا أنّهم لم يتعرّضوا لأي مضايقات أو ترهيب.
وقالت فيوليت بارون وهي طالبة في جامعة هارفارد للموقع: "باعتباري يهودية، فإن هذه القضية ذات أهمية خاصة بالنسبة لي، حيث رأيت الطرق التي تمّ بها استخدام الحزن اليهودي كسلاح وتم اختيار السلامة اليهودية لتبرير جريمة القتل هذه".
وأضافت بارون: "استُخدمت سلامة اليهود في جامعة هارفارد لقمع الخطاب المؤيد لفلسطين، وتمّ الاستناد إلى معاداة السامية بشكل خاطئ من أجل إسكات أولئك الذين يتحدثون علنًا عن فلسطين".
ولاحظ "ميدل إيست آي" أن الطلاب المؤيدين لإسرائيل في جامعتي برينستون وكولومبيا هم الذين اقتربوا من الطلاب المؤيدين لفلسطين، وسخروا منهم في محاولة لاستفزازهم.
وفي جامعة نورث إيسترن، دعا أحد الطلاب إلى ترديد هتاف "اقتلوا اليهود". وتبيّن أنّه كان مؤيدًا لإسرائيل. ورفض الطلاب ترديد الهتاف من بعده، وطلبوا منه المغادرة. ولم يُواجه أي تهديدات.
وفي مخيم بجامعة ستانفورد، قال أحد الطلاب اليهود للموقع، إنّ الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المؤيدين لإسرائيل هم في كثير من الأحيان يمرّون بالقرب من المخيم ويطلقون على الطلاب لقب "الإرهابيين" أو "حماس".
وقال توبياس الطالب في كلية أوكسيدنتال في لوس أنجلوس للموقع: "أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتني إلى دعم المخيم هو أنّه من خلال تجربتي، غالبًا ما يتم الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية".
وأضاف: "أعتقد أنّه من الحيوي أن يكون هناك يهود مناهضون للصهيونية لتوضيح هذا التمييز، لأنّه في كثير من الأحيان يتمّ استخدام معاداة السامية كسلاح بطريقة غير مفيدة للغاية، وضارة للغاية. وفي نهاية المطاف تؤذي الشعب اليهودي".
وفي إحدى حالات العنف الموثّقة في كلية دارتموث في نيو هامبشاير، حيث أُلقي القبض على 90 متظاهرًا مؤيدًا للفلسطينيين، تبيّن أنّ رجال الشرطة هم من ألقوا الأستاذة اليهودية أنيليز أورليك على الأرض.
وقال أورليك الرئيس السابق لقسم الدراسات اليهودية بكلية دارتموث: "رجال الشرطة تعاملوا بوحشية معي. لم أرتكب أي خطأ على الإطلاق، كنت أقف مع أعضاء هيئة التدريس من النساء في الستينيات والثمانينيات من عمرهن في محاولة لحماية طلابنا. والآن، مُنعت من دخول الحرم الجامعي الذي قمت بالتدريس فيه لمدة 34 عامًا".
وأضافت: "لقد آذاني رجال الشرطة، وبدا أنّهم يستمتعون به".
3- الطلاب متشدّدون
يُطالب الطلاب بوضع حد للإبادة الجماعية في غزة، كما تشمل مطالبهم الرئيسية الأخرى دعوة جامعاتهم إلى الكشف عن البيانات المالية، وسحب الاستثمارات من الشركات المشاركة في احتلال فلسطين والحرب الإسرائيلية الحالية على غزة.
كما طالب آخرون بإسقاط التهم المُوجّهة ضد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، أو تقديم منح دراسية للفلسطينيين من غزة، أو إنشاء مراكز ثقافية عربية.
وفي حين ثبت بعض الطلاب على مطالبهم، كان آخرون منفتحين على العديد من التنازلات.
وخلال المفاوضات بين الطلاب والهيئة الإدارية في جامعات براون في بروفيدنس، ونورث وسترن في إلينوي، وروتجرز في نيو جيرسي، اعتمد الطلاب إستراتيجيات وتكتيكات مختلفة للوصول إلى أهدافهم في جامعاتهم. وقد تكون هذه التنازلات فعّالة أو لا تُثبت فعاليتها خلال الأشهر والسنوات المقبلة، لكنّ الطلاب ليسوا كتلة موحّدة.
وجادل العديد من المُعلّقين بأنّ شعارات مثل "عولمة الانتفاضة" و"من النهر إلى البحر" تُثير الانقسام، لكنّ الطلاب كانوا واضحين بأنّ حركتهم عبارة عن حركة شاملة تهدف إلى التحرّر الجماعي لجميع الناس.
وقال تحالف "نزع الفصل العنصري بجامعة كولومبيا" في بيان: "نحن استمرار للحركة المناهضة للحرب في فيتنام وحركة التخلّص من الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. نحن ندعم الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني ولجميع الناس. ونحن نعلم أن الأمان الجماعي الحقيقي سينشأ عندما يتمكّن الجميع من الوصول إلى الهواء النظيف، والمياه النظيفة، والغذاء، والسكن، والتعليم، والرعاية الصحية، وحرية الحركة، والكرامة".
ولاحظ العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أنّ المخيمات كانت بمثابة نماذج للمجتمع والتعلّم والتحرّر. وأدى الطلاب المسلمون الصلاة، بينما أدى الطلاب اليهود صلاتهم يوم الجمعة، وغالبًا ما انضمّ إليهم طلاب من الديانات الأخرى.
ولم يؤد القمع المستمر والمتزايد للاحتجاجات الطلابية، والهجوم على حرية التعبير، واستهداف أعضاء هيئة التدريس والطلاب المؤيدين لفلسطين، إلا إلى توسيع الحركة وجعلها أكثر تنوعًا في الفكر ووجهات النظر.
كما حاول الطلاب التأكد من أنّ الحوار لا يتعلق فقط بحرية التعبير أو القمع الطلابي في الجامعات، بل بإنهاء احتلال فلسطين.
وقال طالب يهودي أميركي في جامعة تافتس لموقع "ميدل إيست آي": "أعتقد أنّ دور الحركة الطلابية هو المطالبة بسحب الاستثمارات، وأن تحرير فلسطين سيكون على أيدي الفلسطينيين. ودورنا هو فقط دعم تلك الحركة".