فتح جون كيرياكو، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية "سي أي إيه"، العلبة السوداء للوكالة، في سلسلة حلقات مثيرة من برنامج "وفي رواية أخرى" بعنوان "الجاسوس المتمرّد"، ليكشف عبر شاشة "العربي أخبار"، الوجه المظلم وخبايا وأسرار جهاز الاستخبارات الأميركي الأكثر سرية وتنظيمًا وتمويلًا في العالم.
ويعود جون كيرياكو إلى بداياته الأولى في عالم الاستخبارات، مفنّدًا المحاولة الأولى لتجنيده عبر السي آي أي عبر ما عُرف آنذاك، في ثمانينيات القرن الماضي، بشبكة "الرجال العجائز" التي كانت تنشط في المعاهد والجامعات الأميركية الراقية من خلال ضباط أُحيلوا إلى التقاعد يعملون أساتذة باعتبارهم غطاء رسميًا لمهمة منوطة بهم لتجنيد عملاء جدد.
ومن بين هؤلاء الخبير في العقل الإرهابي، جيرارد بوست، وهو أحد أشهر الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة الذي كان يدرّس كيرياكو مادة تقنية القيادة في جامعة جورج واشنطن.
بداية العمل مع السي أي إيه
وفي الحلقة الأولى، روى كيرياكو لبرنامج "وفي رواية أخرى" الذي يقدمه بدر الدين الصائغ أن المعاهد والجامعات الأميركية كانت، في تلك الفترة، ساحة لتجنيد شبكة عملاء من العرق الأبيض والذين يمتلكون مواصفات خاصة ومؤهلات استثنائية مرشّحين للالتحاق بالسي آي إيه بصفتهم موظفين.
وأشار إلى أن الحظ قاده إلى السي أي إيه، إذ إن أستاذه جيرارد بوست، الذي كان ضابطًا سريًا في الوكالة، طلب من طلابه مادة بحثية عن تحليل شخصيات، فاختار كيرياكو تحليل شخصية مديره النقابي البارز في اتحاد عمالي في العاصمة واشنطن.
ولفت التقرير انتباه الأستاذ لمؤهلاته، ما دفعه إلى تقديم عرض له للالتحاق بالوكالة، بعد أن كشف له عن هويته الحقيقية بكونه ضابطًا سريًا في السي آي إيه.
وعلى الفور، وافق كيرياكو ودون تردد، نظرًا إلى وضعه المالي الصعب ومعاناته من البطالة ورغبته في الزواج.
وأقر بأن طريقة توظيفه لم تكن قانونية آنذاك، مشيرًا إلى أنه تم إلغاء العمل بهذه الطريقة بعد سن قانون المساواة في فرص العمل بين الأميركيين عام 1993.
وعلى مدار أكثر من 15 سنة، عمل كيرياكو في الوكالة، وتحوّل من بطل تفتخر به الوكالة بعد أن قاد الإطاحة بالقيادي البارز في تنظيم "القاعدة" أبو زبيدة، إلى العدو الأول للوكالة بعد تورّطه في تسريب بيانات لصحافي أميركي، وكشفه عن وجود سجون أميركية سرية، وبرنامج التعذيب الممنهج الذي أقرّه البيت الأبيض، وهو ما أثار ضجة عالمية.
وعن قصة ارتباطه بالثقاقة العربية وولعه بالتراث الإسلامي التي مهّدت له في ما بعد العمل على عدة ملفات شرق أوسطية في مبنى السي أي إيه، قال جون كيرياكو إن مجال دراسته في جامعة جورج واشنطن فتح له أفاقًا مهنية عند التحاقه بوكالة الاستخبارات الأميركية .
وبدأ عمله في مبنى السي أي إيه، حيث قدّم كتابات تحليلية روتينية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق، وهو العمل الذي لم يكن ملهمًا له على حد تعبيره، إلى غزو الكويت، والذي اعتبره كيرياكو "المنعرج في عمله الاستخباراتي". وبذلك، انتقل من الكتابة التحليلية إلى دائرة العمليات.
وعن آليات عمل جهاز الاستخبارات، قال كيرياكو إن هدف أي عميل هو سرقة الأسرار، وتجنيد عملاء جدد. وفي هذا الإطار، خضع لدورات تدريبية عسكرية "مكثّفة وبالغة الصعوبة" تضمّنت القفز من الطائرات وتمارين جسدية مكثفة.
وفي ما يتعلق بالقاعدة الأساسية التي تحكم عمل ضباط الاستخبارات في حال اعتقالهم من قبل استخبارات دولة معادية، أوضح أنه لا يمكن لأحد تحمّل التعذيب، فـ"الجميع سيتكلم في النهاية"، لذلك تركّز السي أي أيه في تدريب عملائها على الكذب لأكبر قدر ممكن من أجل تشتيت محقّقي الأجهزة الاستخباراتية في تفاصيل غير دقيقة، وخلط الاعترافات التي يُدلي بها العميل تحت التعذيب عبر المزج بين الحقيقة والكذب، مع سرد تقنيات التعامل مع الأسماء الوهمية عند الإدلاء بأي اعترافات.
كاتب سيرة صدام حسين وأكبر فشل للاستخبارات
في بداية مساره المهني، أشرف كيرياكو على الملف العراقي، البلد الذي كان يحكم بقبضة من حديد من قبل صدام حسين.
وقال: "في عام 1990، وخلف جدران مكتب تحليل القيادة في مبنى السي أي إيه، كنا أربعة أفراد فقط نعمل على ملف العراق".
وكشف أنه كتب سيرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي تعد الآن مرجعًا في دائرة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأن مصادر معلوماته كانت محدودة، واعتمد في صياغتها على برقيات السفارات، وتقارير وزارة الخارجية، وتحقيقات صحافية، وما كانت تعترضه السفن الحربية الأميركية من مراسلات واتصالات .
واعترف جون كرياكيو أن أكبر فشل مُنيت به وكالة الاستخبارات الأميركية، هو عدم قدرتها على تجنيد عملاء في الدائرة المقربة من الرئيس العراقي، وأبرز قيادات الصف الأول في النظام العراقي آنذاك.
وأوضح أنه بسبب سياسة صدام الصارمة في التعامل مع كل مشتبه فيه بالتعاون مع استخبارات أجنبية، "عجزنا عن تجنيد أي متعاون في بغداد".
جيمس بيكر ارتكب أكبر خطأ
وأشار إلى أن التاريخ المفصلي في مساره المهني، كان في الثلاثين من يونيو/ حزيران عام 1990، على إثر ورود تقارير استباقية تتحدّث عن تحريك الجيش العراقي آلياته باتجاه الجنوب استعدادًا للقيام بعملية عسكرية على الحدود مع دولة الكويت.
وأوضح أن تقديرات الاستخبارات الأميركية فشلت في كشف نوايا صدام حسين، وهو ما استدعى من وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر إلى توجيه أمر للسفيرة الأميركية أبريل غلاسبي في بغداد لطلب لقاء صدام حسين. وبالفعل، حدث اللقاء بعد ثلاثة أيام، لترتكب الخارجية الأميركية ما وصفها جون كيرياكو بـ"أكبر خطأ".
وقال: "قبل أيام قليلة من الاجتياح العراقي للكويت، أوعز جيمس بيكر للسفيرة غلاسبي بإبلاغ صدام حسين أن واشنطن لن تنحاز لأي طرف في النزاعات القائمة بين الدول العربية، وأن الولايات المتحدة لا تملك موقفًا منحازًا لأي طرف في نزاعه مع الكويت، وهو ما فهمه صدام حسين آنذاك أنه ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية لغزو الكويت".
كان هذا السيناريو خارج حسابات صنّاع القرار في البيت الأبيض وتقارير السي أي إيه، التي كانت تعتقد أن الجيش العراقي سيحسم عسكريًا نقطة نزاع حدودي مع الكويت تضمّ أبارًا نفطية في حقل الرميلة.
وأوضح جون كيرياكو أنه بعد الغزو العراقي للكويت، صار الملف العراقي يحظى بأولوية قصوى ومحل متابعة دقيقة من قبل من وصفهم بجيش من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية المنتشرين حول العالم الذين يرصدون كل شاردة وواردة تتعلّق بنظام صدام حسين وترسانته العسكرية وأوضاع البلاد الاقتصادية.
وعن ورود تقارير مغلوطة وكاذبة للسي أي إيه بشأن العراق وعلاقة نظام صدام حسين بتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن أنذاك، أكد كيرياكو من دون أدنى تحفظ حدوث ذلك.
وقال إنه عند عودته من مهمة في باكستان في مايو/ أيار 2002، عُيّن في منصب المساعد التنفيذي لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو ما أهلّه للاطلاع عن كثب على نشاط عملاء السي إي إيه في أي بقعة من العالم .
السي أي إيه كانت على علم بتاريخ غزو العراق
وكشف ضابط الاستخبارات الأميركي السابق النقاب عن واقعة مثيرة حدثت معه خلال أول يوم له في منصبه الجديد، عندما أُجبر على توقيع 6 اتفاقيات سرية يُمنع بموجبها من الإدلاء بأي تصريح أو تسريب معلومات يحوز عليها ضابط الاستخبارات في وكالة السي أي إيه حتى غاية وفاته.
وقال كيرياكو: "هنا، تجرأت على الفور، وطلبت من الضابط الذي كان يشرف على عملية تنصيبي في وظيفتي الجديدة، معرفة المهمات التي سنعمل عليها في الوقت الراهن، أو مستقبلًا. أجابني الضابط من دون تردّد، إن صناع القرار في واشنطن قرّروا غزو العراق، والإطاحة بصدام حسين، وإنشاء أكبر قاعدة عسكرية جوية أميركية في العالم، وبالضبط في الجنوب العراقي حتى تغلق واشنطن القواعد العسكرية الأميركية في السعودية، وتسحب البساط من تحت أقدام زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن الذي يسوّق لأن الوجود العسكري الأميركي في السعودية يدنّس بيت الله الحرام".
وشكّلت المعلومة التي قدّمها المسؤول الرفيع المستوى في السي إي إيه "صدمة" لجون كيرياكو على حد تعبيره، بعد أن كشف له تاريخ الغزو المحدد من قبل إدارة جورج بوش في فبراير/ شباط 2003.
وأضاف أنه دخل في تلاسن كلامي مع ضابط الاستخبارات، وأخبره باستحالة تنفيذ العملية العسكرية في العراق على ضوء ما يحدث في الوقت نفسه بأفغانستان، حيث كانت القوات الأميركية لا تزال تخوض حربًا ضد تنظيم "طالبان" بقيادة أسامة بن لادن على الحدود الأفغانية الباكستانية، ولم يتم القضاء على أي قيادي في التنظيم الإرهابي.
لكن المسؤول قاطعه ليقول إن "الخطة قد رُسمت، وعليكم الاستعداد للغزو".
وأضاف أن هذا القرار انقسمت بشأنه دوائر صناعة القرار في واشنطن بين جناح مؤيد للغزو، يقوده مكتب نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس آنذاك، ووسط معارضة من قبل وزارة الخارجية ورؤساء الأركان ووكالة الاستخبارات المركزية، "لأنهم يعلمون أنه لا يمكن فتح جبهتي حرب في وقت واحد في العراق وأفغانستان، بينما كان جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية في عهد جورج بوش الابن، "يريد التركيز على أفغانستان كمعركة رئيسة أولى في الحرب على الإرهاب".
أحمد الجلبي قدّم تقارير مغلوطة
وذكر كيرياكو أن أحمد الجلبي، مهندس غزو العراق، اختلق الأكاذيب وحصل على ملايين الدولارات مقابل معلومات كاذبة قدّمها لوكالة الاستخبارات الأميركية، ووصفه بـ "الرجل ذي السمعة السيئة الذي احتال على أميركا ولم تجد له بديلًا".
وأضاف ضابط الاستخبارات الأميركية السابق أن أحمد الجلبي كان مديرًا لمصرف البتراء في الأردن، واختلس آنذاك مدخرات كل اللاجئين العراقيين، وبعد أن سرق مئات الملايين من الدولارات دخل الأراضي السورية. وقال إن قيادات السي إي إيه كانت تعتمد على من وصفه بـ "المحتال أحمد الجلبي" بشكل رهيب في الجانب المعلوماتي قبيل غزو العراق.
وأوضح أن الجلبي عرض على الاستخبارات الأميركية تنصيبه رئيسًا للعراق عقب الإطاحة بصدام حسين، مقابل ضمان ولاء كل التيارات السياسية والطائفية لواشنطن. وقال كيرياكو: "للأسف، أخذ الجلبي ملايين الدولارات ولم يقدّم أي إضافة لعمل السي أي إيه، وهو من قدّم معلومات مضللة عن وجود صلة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي البعثي بقيادة صدام حسين؛ وأن التنسيق كان يتمّ في اجتماعات عُقدت في مركز المخابرات العراقية في براغ؛ وهو ما فنّدته التسجيلات المصوّرة التي قدّمتها جمهورية تشيكيا للسي أي إيه، والتي لم تكشف عن أي لقاءات تنسيقية حدثت داخل مبنى السفارة العراقية".
قصتي مع "أبو زبيدة"
وتحدث ضابط الاستخبارات السابق جون كيرياكو سرد خبايا السي أي إيه، في برنامج "وفي رواية أخرى"، عن القيادي البارز في تنظيم "القاعدة" أبو زبيدة، الذي كان مهندس اعتقاله. ونفى كيرياكو أن يكون أبو زبيدة قد أدلى بأي اعترافات تؤكد وجود صلة وتنسيق مشترك بين تنظيم "القاعدة" والعراق.
وكشف كيرياكو أنه يكن كل الاحترام لأبي زبيدة رغم اختلافه معه، مؤكدًا أن مكتب التحقيقات استجوب الموقوف على مراحل عبر المدعو علي صوفان، وهو ضابط في السي أي إيه من أصول لبنانية ومتمكن من فنون الاستجواب.
لكنه أقرّ بأن أبا زبيدة اعترف لأول مرة بتفاصيل مثيرة كانت غير معروفة لدى المخابرات الأميركية، وتتعلّق بالعقل المدبر لتنظيم "القاعدة"، وهو شخصية مركزية معروف باسم مختار، وهو خالد الشيخ محمد، والذي يُعتبر الحلقة المفقودة في الهرم القيادي لتنظيم "القاعدة".
هذا ما حدث في البحرين
وتحدث كيرياكو عن المهمة التي قادته إلى البحرين منتصف تسعينيات القرن الماضي، وسرد أحداثًا متتابعة تخللت مساره المهني؛ وعلى رأسها الأزمة التي نشبت بين واشنطن والمنامة عقب قرار البحرية الأميركية نقل مقر القيادة إلى اليابسة، بعد أن كانت على ظهر سفينة في عرض البحر.
وأضاف أن القرار اتُخذ ونُفذ من دون استشارة الجانب البحريني، وهو ما أثار غضب ولي العهد آنذاك حمد بن عيسى الذي خاطب السفير الأميركي في المنامة بلغة حازمة، ما استدعى اعتذارًا أميركيا من الجانب البحريني عن هذا التصرف الذي كشف "العجرفة والعنجهية ونظرة الاستعلاء لدى الأميركيين".
وقال ضابط الاستخبارات الأميركي السابق إنه قدّم عام 1995، طلبًا للانتقال إلى الشرق الأوسط، وقدم طلبات للعمل في القدس والمنامة في سياق برنامج المحلّلين في الخارج تحت وصاية وزارة الخارجية الأميركية لفترة زمنية محددة بعيدًا عن السي إي إيه .
تفجيرات أبراج الخبر في السعودية
وعن تفجيرات أبراج الخبر في السعودية، قال صاحب كتاب "الجاسوس المرتد" إنه لن ينسى ما حدث ليل 25 يونيو/ حزيران 1996، عندما سمع دوي انفجار ضخم كسر صوته نوافذ بيته.
وأضاف كيرياكو أن الموجة الصوتية للقنبلة تجاوزت 22 كيلومترًا، وفي مجال بحري مفتوح. وقال: "اعتقدت في البداية أن منزلي تعرّض لهجوم صاروخي، لكن تقارير وزارة الخارجية أشارت، في الصباح، إلى أنه هجوم وقع في الأراضي السعودية ".
وقال: "طُلب مني على جناح السرعة، الانتقال إلى منطقة الخبر عندما تمّ الإعلان عن حصيلة التفجير، والذي أدى إلى مقتل 19 جنديًا أميركيًا. وعند وصولي، صُدمت من المشهد الذي صادفته في موقع الانفجار".
وأوضح أن التقارير الاستخبارية الأولى أشارت إلى أن تفجيرات أبراج الخبر في السعودية "عمل إرهابي"، ورجّحت أن جماعات موالية لإيران تقف خلفه. وكان هذا الاستنتاج الرائج في الدوائر الاستخبارية والرسمية الأميركية، بخاصة أن تلك الفترة شهدت تأزمًا في العلاقات بين طهران وواشنطن على خلفية التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية الإيرانية. وهو ما اعتبره كيرياكو "أمرًا غير مقبول".
واستنتج ضابط الاستخبارات الأميركية السابق جون كيرياكو أن وكالة الاستخبارات الأميركية "تحوّلت إلى منظمة خارجة عن القانون، وتتصرّف دون أي اشراف رسمي"، وهو الموقف نفسه الذي تبنّته عدة أطراف أميركية عارضت نهج السي إي إيه خاصة الاغتيالات السياسية التي تنتهك القانون الدولي والأميركي.
الاغتيالات السياسية
وتحدّث كيرياكو عن ملف يقع في خانة "المسكوت عنه" في وكالة الاستخبارات الأميركية وفي دوائر صناعة القرار الأميركي، وهو توقيع الرئيس جيرالد فورد عام 1975 على قانون يحظر ويجرم الاغتيالات السياسية التي تنفّذها فروع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو القانون الذي ألغاه الرئيس جورج بوش الابن عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، لتتحوّل الاغتيالات السياسية إلى "سلوك قانوني".
واعترف، ضمنيًا، أن عمليات الاغتيالات التي قامت بها السي إي إيه خارج الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، "تناقض كل الشعارات البرّاقة التي ترفعها الولايات المتحدة الأميركية، وهي جرائم مخالفة لكل القوانين والأعراف، ولا أحد يستطيع كبح نفوذ وجماح السي إي إيه، التي أصبحت أداة للأمبريالية الأميركية منذ إنشاء الوكالة سنة 1947 في عهد هاري ترومان، رغم صعوبة الإقرار بأن السي إي إيه تعمل خارج القانون وتخالف المبادئ الأميركية.
قائمة الموت
ورأى ضابط الاستخبارات الأميركية أن نزيل البيت الأبيض، سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا، "هو من يحدّد قائمة من سيُقتل في عمليات خارج القانون للسي إي إيه، عبر مستشاره للأمن القومي".
ورجّح أن "وكالة الاستخبارات وكل الإدارات الأميركية الأخرى، لا تزال تنتهج هذا الأسلوب، حتى اللحظة؛ وأن وكالة الاستخبارات الأميركية تتسلّم من الرئيس، أسبوعيًا، قائمة بالأسماء التي تشكّل خطرًا على الولايات المتحدة، والتي يجب تصفيتها بأي طريقة حول العالم". وهو ما وصفه كيرياكو بأنه "أمر مخالف لمبادئ حقوق الإنسان التي تدافع عنها واشنطن" .
وفي معرض رده عن سبب صراحته عند الحديث عن الاغتيالات السياسية التي تنفّذها السي إي إيه، قال كيرياكو إن هذه العمليات "جرائم"، وأن موقفه هو نفسه "من عمليات التعذيب الممنهج والاعتقالات التعسفية من دون محاكمات، على غرار حالة أبو زبيدة" الذي ترفض وكالة الاستخبارات الأميركية الإفراج عنه، رغم عدم محاكمته، كما لم توجه له أي تهمة واضحة منذ 19 عامًا.
وأوضح كيرياكو أن تقرير مجلس الشيوخ عن التعذيب، والذي رفعت عنه السرية، أشار إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قالت في وقت سابق إن المعتقل أبو زبيدة لن ينال حريته أبدًا، وسيموت في غوانتانامو، وستُلقى جثته في البحر.
واعتبر أن "هذا عمل مناف لكل القيم الإنسانية التي تتبجح بها الولايات المتحدة ".