أعلنت جماعة الحوثي رفضها تمديد الهدنة التي تنتهي في الثاني من أغسطس/ آب المقبل. وقال مجلس الحكم التابع للجماعة إن الهدنة مثّلت "تجربة صادمة ومخيبة للآمال"، لا يُمكن تكرارها في المستقبل.
كما أعربت الجماعة عن استهجانها للحديث عن تفاهمات حول تمديد الهدنة، في إشارة إلى تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته للسعودية عن "اتفاق لتعميق وتمديد وقف إطلاق النار في اليمن".
واتهم الحوثيون التحالف بقيادة السعودية بعدم الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة.
ويبرر الحوثيون رفضهم تمديد الهدنة بأنهم قدّموا الكثير من المبادرات والتنازلات بغية التخفيف من المعاناة الإنسانية، وتشجيع التحالف على الانخراط في مسار السلام، لكن من دون جدوى. ويؤكدون استمرار "العدوان والحصار" وإعاقة تدفّق السفن إلى ميناء الحديدة، وإغلاق المجال الجوي والمطارات.
من جهته، حضّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجماعة على الوفاء بتعهّداتها بشأن فتح الطرق في تعز بموجب إعلان الهدنة الإنسانية السارية منذ مطلع أبريل/ نيسان الماضي.
وقال بلينكن، في تغريدة على حسابه على تويتر: "يجب أن نرى تحركًا هادفًا للحوثيين للسماح بالوصول إلى تعز".
أما رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، فدعا، خلال لقاء مع بلينكن في جدة، إلى دور أميركي فاعل للضغط على الحوثيين من أجل تنفيذ بنود الهدنة بما في ذلك فتح الطرق الرئيسة إلى تعز، التي تفرض عليها الجماعة حصارًا مطبقًا منذ سبع سنوات.
جماعة الحوثي تعلن رفع الحواجز الترابية في #تعز مع اقتراب انتهاء الهدنة الإنسانية الأممية في #اليمن تقرير: نبيل اليوسفي pic.twitter.com/gxNb9o7T1n
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 17, 2022
"اليمن ورقة مساومة إقليمية ودولية"
وفي هذا الإطار، أوضح ياسين التميمي، الباحث السياسي المتخصّص في الشأن اليمني، أن الرفض الحوثي يأتي من باب كيفية توظيف الملف اليمني والحرب اليمنية لصالح استحقاقات أخرى، من ضمنها الملف النووي الإيراني.
وقال التميمي، في حديث إلى "العربي"، من اسطنبول"، إن الحديث عن تمديد الهدنة من دون الرجوع إلى بقية الأطراف هو نوع من الاستفزاز الذي قد يقود إلى إفشال الهدنة بشكل كامل.
ورغم ذلك، اعتبر التميمي أن الرفض الحوثي لتمديد الهدنة لا يقوم بالضرورة على أسباب وجيهة، موضحًا أن الحوثيين يريدون الهدنة غطاء للحصول على المزيد من المكاسب، وصرف أنظار العالم إلى البعد الانساني.
وأوضح أن الأزمة الإنسانية مرتبطة بالحرب، والحرب لا يُمكن أن تنتهي إلا بتفاهمات سياسية يتهرّب الحوثيون منها، ولا يريدون أن يبنوا عليها استحقاقات ربما تتناقض مع المكاسب العسكرية التي حصدوها خلال السنوات الماضية.
وأشار التميمي إلى أن السعودية تناقش تمديد الهدنة باعتبارها أولوية للرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه، ولأنها تريد أن تعقد صفقة مع الإدارة الأميركية، مضيفًا أن هذه المعطيات تكرّس حرب اليمن باعتبارها قضية إقليمية أكثر من كونها يمنية إنسانية مأسوية، ويتداولها اللاعبون الإقليميون والدوليون باعتبارها ورقة مساومة.
"الحل لا يمكن إلا أن يكون شاملًا"
بدوره، رأى العقيد مجيب شمسان، رئيس لجنة المتحدثين العسكريين، أن رفض صنعاء للهدنة مبني على تقييم لمسارها منذ شهرين، حيث لم يبد التحالف بقيادة السعودية أي استجابة حقيقية في ما يتعلّق بالشقّ الإنساني، أو بالشقّ العسكري.
وقال شمسان، في حديث إلى "العربي"، من صنعاء، إن "التحالف وميليشياته قاموا بأكثر من 20 ألف اختراق للهدنة، وهو ما يؤكد أن لا نية لديه لتحقيق السلام أو الالتزام بما جرى الاتفاق عليه في الهدنة".
وأوضح أن الهدف الأساسي من الهدنة هو تخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، لكن مع عدم تحققّ هذا الهدف لا يُمكن لصنعاء أن تقبل بتمديد الهدنة، بخاصّة وأنها تملك القدرات والإمكانات على كسر هذا الحصار وفرض معادلة مختلفة في الحرب.
ورأى أن الهدنة كانت من أجل مصلحة الولايات المتحدة وتأمين مصادر الطاقة، بينما يعتبرها التحالف فرصة من أجل إعادة ترتيب أوراقه في المنطقة.
وأكد أن الحل في اليمن لا يُمكن إلا أن يكون حلًا شاملًا يُنهي العدوان، والحصار، وانهاء الضغط الخارجي، ومعالجة تداعيات الحرب من دفع تعويضات ومعالجة ملف الأسرى.
"الهدنة مصلحة مشتركة لجميع الأطراف"
من جهته، قال عبد الناصر المودّع، الكاتب والباحث السياسي، إن كل الظروف كانت مهيأة لتمديد الهدنة، إلا في حال كان لدى الحوثيين خطة لفتح جبهة صراع جديدة، تحديدًا جبهة مأرب.
وأضاف المودّع، في حديث إلى "العربي"، من عمّان، أن ما يقوم به الحوثيون هو نوع من الضغوط للحصول على التنازلات، وعملية توجيه رسائل بأنه لا يُمكن الحديث عن هدنة أو تمديد هدنة من دون العودة إليهم.
وأكد أنه في نهاية المطاف، سيقبل الحوثيون بتمديد الهدنة، لأنه من مصلحتهم ومن مصلحة إيران الاستمرار في هذه الهدنة القصيرة المدى.
وأوضح أن الهدف السعودي من تثبيت الهدنة هو الانسحاب من الواجهة، وجعل الحرب يمنية-يمنية، إذ أن الرياض ليست بوارد العودة إلى التدخّل في الحرب كما فعلت في السابق.
ورأى أن السلام في اليمن لا يمكن أن يتحقّق بمجرد التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيراني، أو اتفاق إيراني-سعودي، لأن تعقيدات القضية اليمنية هي يمنية خاصة، مضيفًا أن أفضل ما يمكن توقّعه هو تجميد الحرب، وهي مصلحة مشتركة لجميع الأطراف المتورّطة في الأزمة اليمنية، بخاصة وأن السلام في اليمن لا يزال بعيد المنال.