الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

الرابط بينها خليفة حفتر.. القصة الكاملة لمسارات تهريب الوقود من ليبيا

الرابط بينها خليفة حفتر.. القصة الكاملة لمسارات تهريب الوقود من ليبيا
الثلاثاء 30 أبريل 2024

شارك القصة

باتت ليبيا التي تزخر بثروات نفطية هائلة، قاعدة لتهريب الوقود الروسي في كل الاتجاهات رغم ما تمتلكه من إمكانات نفطية هائلة
باتت ليبيا التي تزخر بثروات نفطية هائلة، قاعدة لتهريب الوقود الروسي في كل الاتجاهات رغم ما تمتلكه من إمكانات نفطية هائلة

مجدّدًا، يطفو ملف تهريب النفط الليبي على سطح الأحداث، على خلفية سلسلة تسريبات وتقارير صحفيّة ووثائق تتحدّث عن عمليات تهريب من ميناء بنغازي وغيره إلى خارج ليبيا.

وفي هذا السياق، كشفت شبكة بلومبرغ في تحقيق استقصائي أنّ 40% من الوقود المورد إلى ليبيا والمدعوم من قبل الحكومة بنحو 5 مليارات دولار سنويًا يتمّ تهريبه عبر شبكات التهريب إلى دول أوروبا.

أكثر من ذلك، أفاد تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية بأنّ أطرافًا ليبية تقوم بتصدير عشرة آلاف برميل من الوقود إلى أحد أطراف النزاع في السودان.

يقود كلّ ذلك إلى استنتاج أنّ وقود ليبيا يتدفق خارج البلاد عبر مسارات تهريب مختلفة، الرابط بينها هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إذ تمر مسارات التهريب من المناطق التي يسيطر عليها بدعم من القوات المتحالفة معه.

فما قصة مسارات تهريب الوقود من ليبيا، ومن أبرز المستفيدين منها؟

يتدفق وقود ليبيا خارج البلاد عبر مسارات تهريب مختلفة، الرابط بينها هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر
يتدفق وقود ليبيا خارج البلاد عبر مسارات تهريب مختلفة، الرابط بينها هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر

الوقود الليبي يشعل الصراع في السودان

من ليبيا وتحديدًا من مناطقها الجنوبية القريبة من السودان، تنطلق شاحنات الوقود محملة بالبنزين والديزل لتعبر الحدود نحو وجهتها المحتملة، وهي قوات الدعم السريع التي تمردت على الجيش ويتزعمها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.

لكنّ هذه الشاحنات لا تتحرك وحدها، بل تشرف عليها قوات الفيلق الإفريقي المتحالفة مع خليفة حفتر، الرجل الذي يسيطر على الشرق الليبي وأجزاء من الجنوب، وهو أمر كشفه تقريران منفصلان لصحيفة "الغارديان" البريطانية وتقرير آخر للجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بليبيا.

وبحسب المحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجحي، إنّ التقارير أكّدت أن هذه الشحنات مستمرة، وبكميات كبيرة من البنزين والديزل، مشيرًا إلى أنّها "تأتي من ليبيا عبر ميليشيا طارق بن زياد التي يقودها نجل خليفة حفتر، صدام حفتر، وأيضًا عبر مرتزقة فاغنر، أو ما يسمى الآن بالفيلق الروسي الإفريقي".

ويلفت الراجحي في حديث لـ"العربي"، إلى أنّ لجنة الخبراء بمجلس الأمن رصدت العديد من الرحلات التي خرجت من مطارات عسكرية في شمال ليبيا، وهبطت في مطار الكفرة، وأن هذا المطار استُخدِم في أكثر من رحلة ومن ضمنها بعض الرحلات التي جاءت من خارج ليبيا وهبطت فيه. ويضيف أن هذه المعدات العسكرية وغيرها دخلت إلى السودان لدعم حميدتي في الصراع السوداني.

من جهته، يتحدث المستشار العسكري للقائد الأعلى للجيش الليبي سابقًا عادل عبد الكافي عن شحنة وقود انطلقت من حقل الشرارة، تحديدًا في الجنوب الشرقي لليبيا، وكذلك من مدينة الكفرة التي تسيطر عليها كتيبة سبل السلام، وأيضًا كتيبة 128 التي يقودها الزادمة.

ويقول في حديث إلى "العربي": "هؤلاء التابعون لمعسكر الرجمة وتحت قيادة خليفة حفتر، أعطيت لهم الأوامر مباشرة بأن يتمّ إرسال شحنات من الوقود، سُلّمت إلى قوات الدعم السريع". ويلفت إلى أنّ هذه القوات لا يزال لديها عمومًا "بعض الجيوب أو القوات داخل الأراضي الليبية، حيث تمّ تدريب بعض العناصر التي يتمّ تجنيدها ثمّ إرسالها لإشعال الصراع ضد الجيش السوداني"، على حدّ قوله.

من ليبيا، تنطلق شاحنات الوقود محملة بالبنزين والديزل لتعبر الحدود نحو وجهتها المحتملة، وهي قوات الدعم السريع
من ليبيا، تنطلق شاحنات الوقود محملة بالبنزين والديزل لتعبر الحدود نحو وجهتها المحتملة، وهي قوات الدعم السريع

معادلة مزدوجة المعايير

في تفاصيل مسار التهريب هذا، يتخذ الفيلق الإفريقي من قاعدة الويغ العسكرية قرب حدود تشاد والنيجر مركزًا لانطلاق أنشطته في مناطق الجنوب الليبي وصولا إلى مدينة الكفرة القريبة من حدود السودان.

من هناك تنطلق شاحنات الوقود التي تأتي من مصفاة حقل السرير النفطي الذي تسيطر عليه القوات الروسية ومن حقلي الشرارة والفيل في أقصى الجنوب الغربي وموانئ السدرة والبريقة ورأس لانوف في وسط البلاد نحو السودان.

وبسبب هذه المواقع الاستراتيجية أصبح حفتر وحلفاؤه يتحكمون في كميات كبيرة من مخزون الوقود في المنطقة الجنوبية.

أكثر من ذلك، رصد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا زيادة هائلة في طلبات إمدادات الوقود إلى نقطة التوزيع في منطقة سبها بالجنوب الليبي من 600 ألف لتر إلى 1.2 مليون لتر يوميًا بين أغسطس/ آب 2022 وسبتمبر/ أيلول 2023، وهو ما لا يتماشى عادة مع احتياجات السوق الفعلية في المنطقة.

تتربع ليبيا على تاسع احتياطي عالمي، بنحو 48 مليار برميل نفطي واحتياطات من الغاز تبلغ 53 ترليون قدم مكعبة وتنتج يوميا نحو مليونين و241 ألف برميل في أكثر من 12 حقل نفطي و6 موانئ تتوزع في شرق البلاد وجنوبها وغربها

وتشير هذه الزيادة الكبيرة إلى حجم تهريب الوقود عبر حدود ليبيا الجنوبية ضمن معادلة مزدوجة المعايير، بحيث توفّر دعمًا سياسيًا وعسكريًا لأحد أطراف النزاع في السودان من جهة، ومن جهة أخرى تمثل تجارة تدر مئات الملايين من الدولارات.

ويؤكد المستشار العسكري للقائد الأعلى للجيش الليبي سابقًا عادل عبد الكافي أنّ المنطقة الشرقية والمنطقة الشرقية الجنوبية وحقول النفط في تلك المنطقة كلّها تقع تحت هيمنة وسيطرة معسكر الرجمة، خليفة حفتر وأبنائها.

ويضيف: "هم يستغلون هيمنتهم هذه لإدارة عملياتهم من خلال التنسيق مع روسيا ومع الفيلق الروسي الإفريقي الذي يتمركز في الأراضي الليبية ويستخدمها كقاعدة عمليات رئيسية انطلاقًا من الأراضي الليبية باتجاه النيجر، وأيضًا إلى السودان ودول إفريقية أخرى".

يتحكم خليفة حفتر وحلفاؤه في كميات كبيرة من مخزون الوقود في المنطقة الجنوبية
يتحكم خليفة حفتر وحلفاؤه في كميات كبيرة من مخزون الوقود في المنطقة الجنوبية

نشاط التهريب وصل إلى الدول الأوروبية

وخلافًا لما قد يظنّه البعض، فإنّ مسارات تهريب النفط والوقود الليبي ليست حكرًا على الجنوب الليبي فحسب، بل وصل نشاط شبكات التهريب إلى الدول الأوروبية، إذ تخرج ناقلات النفط والوقود المهرب من عدة موانئ ليبية.

وأبرز هذه الموانئ ميناء بنغازي القديم الذي رصد فيه خبراء الأمم المتحدة في الفترة بين مايو/ أيار 2022 وحتى سبتمبر/ أيلول 2023 ما مجموعه 24 ناقلة صغيرة تصل حمولتها إلى 20 ألف طن من الوقود تبحر في الغالب دون تفعيل نظامها الآلي لتحديد الهوية ودون تسجيل الموانئ التي تتوقف فيها، وهو ما جعل الخبراء يستخلصون أنها تستخدم في تهريب النفط ومشتقاته من البنزين والديزيل.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الليبي عبد السلام الراجحي إنّ ميناء بنغازي القديم أصبح مكانًا لتهريب الوقود، حيث تأتي بواخر كبيرة جدًا، يتمّ تزويدها بالوقود وتهريبها إلى الدول الأوروبية وإلى العديد من الدول.

ويصف الراجحي شبكة التهريب هذه بـ"المعقدة"، لافتًا إلى أنّ لجنة خبراء مجلس الأمن أشارت إلى أنّ التهريب يتمّ بشكل منظّم، وبإشراف من مسؤولين، بمعنى أنه ليس تهريبًا من شبكة صغيرة.

وكما يحصل جنوبا، فإن بصمات روسيا كانت حاضرة أيضًا في تهريب الوقود الليبي نحو الدول الأوروبية عبر ميناء بنغازي، إذ أظهرت سجلات مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الذي يتتبع تدفقات الطاقة من روسيا ارتفاع صادراتها إلى ليبيا بأكثر من عشرة أضعاف خلال عام 2023.

فقد بلغت نحو 2.5 مليون طن من المنتجات النفطية المكررة بقيمة 2.6 مليار دولار وبنسبة تمثل نحو 28% من إجمالي إمدادات ليبيا من الطاقة. وبذلك أصبحت لروسيا نافدة جديدة ومسار تستطيع من خلاله الالتفاف على العقوبات الأوروبية التي منعت استيراد النفط الروسي ومشتقاته من قبل دول الاتحاد الأوروبي.

رصد خبراء الأمم المتحدة بين مايو 2022 وسبتمبر 2023 ما مجموعه 24 ناقلة صغيرة تصل حمولتها إلى 20 ألف طن من الوقود تبحر من ميناء بنغازي القديم.
رصد خبراء الأمم المتحدة بين مايو 2022 وسبتمبر 2023 ما مجموعه 24 ناقلة صغيرة تصل حمولتها إلى 20 ألف طن من الوقود تبحر من ميناء بنغازي القديم.

"الملكة ماجدة"

وبالحديث عن قضايا التهريب، يستحضر كثيرون قصة "الملكة ماجدة"، وهو اسم أطلِق على أبرز هذه القضايا، في إشارة إلى ناقلة وقود حجزتها السلطات الألبانية في سبتمبر/ أيلول سنة 2022.

بتتبع مسار الناقلة نجد أنها خرجت من ميناء بنغازي في شرق ليبيا محملة بنحو مليوني دولار من زيت الديزل البحري وجرى اعتراضها بعد دخولها إلى المياه الألبانية ليتم احتجازها في ميناء دوريس أكبر موانئ ألبانيا.

وبعد تحقيقات مطولة تبين أن الناقلة تعمل على تهريب الوقود الروسي المورد إلى ليبيا بسعر مدعوم من الدولة ثم تعيد تهريبه إلى الخارج. كما تبيّن لاحقًا أن الناقلة ماجدة مطلوبة للسلطات الليبية في عدة قضايا تتعلق بتهريب النفط الليبي إلى تركيا.

بدأت قضية تهريب ثروات ليبيا تبرز على السطح منذ عام 2011 بعد أن قسمت البلاد بين حكومتين، الأمر الذي فتح الباب أمام شبكات التهريب لاستغلال ثروات البلاد ونقلها عبر البر والبحر إلى الخارج لبيعها بأضعاف سعرها المدعوم مستفيدة من فارق العملة

وتظهر سجلات الناقلة قبل سبتمبر/ أيلول 2022 رحلات متعددة انطلقت من ميناء بنغازي إلى الموانئ اليونانية تحديدًا في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2022 ومنها إلى ميناء تارانتو بإيطاليا، حيث اكتشف المسؤولون هناك أن الناقلة تحمل نحو 3 ملايين لتر من الوقود دون توثيق وإجراءات رسمية. كما رصدت مرات أخرى بالقرب من جزيرة صقلية قبل احتجازها بميناء دوريس في ألبانيا.

ويقول عبد الكافي إنّ القبض على ناقلة النفط في المياه الألبانية هو الذي "فضح" تجارة النفط الروسي، الذي وصل حجمه إلى ما يقارب 5 مليارات دولار. ويشير إلى أنّ هذه التجارة تديرها روسيا، بقيادة أبناء خليفة حفتر انطلاقًا من شواطئ ليبيا، وتحديدًا من ميناء بنغازي.

ظهر سجلات الناقلة ماجدة رحلات متعددة انطلقت من ميناء بنغازي إلى الموانئ اليونانية ومنها إلى ميناء تارانتو بإيطاليا
ظهر سجلات الناقلة ماجدة رحلات متعددة انطلقت من ميناء بنغازي إلى الموانئ اليونانية ومنها إلى ميناء تارانتو بإيطاليا

كيف تحولت ليبيا إلى قاعدة لتهريب الوقود الروسي؟

هكذا، باتت ليبيا التي تزخر بثروات نفطية هائلة، قاعدة لتهريب الوقود الروسي في كل الاتجاهات رغم ما تمتلكه من إمكانات نفطية هائلة، فالبلاد تتربع على تاسع احتياطي عالمي، بنحو 48 مليار برميل نفطي واحتياطات من الغاز تبلغ 53 ترليون قدم مكعبة وتنتج يوميا نحو مليونين و241 ألف برميل في أكثر من 12 حقل نفطي و6 موانئ تتوزع في شرق البلاد وجنوبها وغربها.

ويُعَدّ الوقود الليبي ثاني أرخص وقود على مستوى العالم بعد فنزويلا بسعر لا يتجاوز 3 سنتات من الدولار. لكن قضية تهريب ثروات ليبيا بدأت تبرز على السطح منذ عام 2011 بعد أن قسمت البلاد بين حكومتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، الأمر الذي فتح الباب أمام شبكات التهريب لاستغلال ثروات البلاد ونقلها عبر البر والبحر إلى الخارج لبيعها بأضعاف سعرها المدعوم مستفيدة من فارق العملة.

وتقترح السلطات الليبية في غرب البلاد رفع الدعم عن المحروقات أو استبداله بدعم نقدي يصرف للمواطنين شهريًا أو سنويًا في خطوة ربما تسهم في القضاء على تهريب النفط الليبي ومشتقاته من البنزين والديزل.


تجدون في الفيديو المرفق من سلسلة "على الأرض"، كل التفاصيل عن مسارات تهريب الوقود الليبي نحو السودان والدول الأوروبية، في تجارة تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار سنويًا.
المصادر:
العربي