يخشى العلماء الأوكرانيون من أن يعيق الغزو الروسي لأوكرانيا التقدّم الذي أحرزوه في أبحاثهم العلمية منذ عام 2014.
وأوضح عدد من العلماء لمجلة "نايتشر" العلمية، أنهم وزملاءهم يتخذون تدابير لحماية أنفسهم وعملهم، بما في ذلك جمع مواد للدفاع عن النفس والاستعداد للفرار"، وأبدوا خشيتهم من أن الصراع الجديد سوف يُغرق أوكرانيا في الاضطرابات ويُوقف التقدّم الذي أحرزوه منذ ذلك الحين في مجال العلوم.
وقالت إيرينا يغورتشينكو، عالمة الرياضيات في معهد الرياضيات في كييف، بالقرب من حدود أوكرانيا مع بيلاروسيا: "في الوقت الحالي، أنا جالسة في مكان دافئ والإنترنت متاح، لكنني لا أعرف ما إذا كان هذا هو الحال غدًا".
قطع العلاقات العلمية مع روسيا
وقبل ثماني سنوات، أي منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، قطع العلماء علاقاتهم مع روسيا، بما في ذلك المتعلّقة بالأبحاث، وأقاموا روابط أوثق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.
وانتقلت مؤسسات البحوث في شبه جزيرة القرم، التي كانت تُديرها الأكاديمية الوطنية للعلوم في أوكرانيا، إلى السيطرة الروسية. ومع استمرار القتال في إقليم دونباس منذ ذلك الوقت، انتقلت 18 جامعة من لوغانسك ودونيتسك إلى أجزاء أخرى من البلاد، حيث فقد العديد من الباحثين منازلهم ومختبراتهم.
وأوضح رومان فيدوروفيتش هرينيوك، رئيس جامعة "فاسيل ستوس دونيتسك" الوطنية، أن معظم أعضاء هيئة التدريس في الجامعة التي تقع الآن في فينيتسيا، أُجبروا على المغادرة وفقدوا ممتلكاتهم وسبل عيشهم وروابطهم الأسرية.
وقالت إيليا خادجينوف، نائبة رئيس الجامعة للعمل العلمي: "تألمنا لفقدان العلاقات السابقة والاضطرار إلى بناء علاقات جديدة، لكن هذا أعطانا منظورًا جديدًا للتفكير".
وعام 2015، انضمت أوكرانيا إلى برنامج تمويل الأبحاث الرائد في الاتحاد الأوروبي، ومُنح علماؤها الحقوق ذاتها للتقدّم بطلب للحصول على منح على غرار علماء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ضغط وشعور بالقلق
ويشعر العلماء الأوكرانيون بالضغط نتيجة الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا، والتوقّعات الغربية بغزو روسي محتمل للبلاد.
وفي هذا الإطار، قالت يغورتشينكو: "هناك تهديد مؤكد بالحرب. أشعر أنني قد أموت غدًا، أو في غضون يومين، لكن لا يمكنني فعل أي شيء حيال ذلك".
وعلى الرغم من أنها تشعر أن التحضير لا فائدة منه، إلا أنها تحتفظ بالأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف، وهي على اتصال دائم بأسرتها، مشيرة إلى أن "كل العلماء يفعلون ذلك".
وأضافت: "بشكل عام، يهدف هذا التوتر الروسي إلى خلق الفوضى في أوكرانيا، وإلحاق الضرر بالوضع الاقتصادي، ونحن نعلم أنه سيكون لدينا تمويل أقلّ للبحوث، وفرص أقلّ للسفر، مع انعدام عقد المؤتمرات الداخلية في أوكرانيا".
"لن نعمل لصالح العدو"
في جامعة سومي الزراعية الوطنية، التي تبعد 30 كيلومترًا عن الحدود مع روسيا، تم تدريب الموظفين على كيفية التصرف في حالة الحرب. ووضعت الجامعة خططًا للموظفين لإخلاء المبنى، وخططًا لنقل المعدات العلمية الفريدة والعينات البيولوجية إلى خارج المنطقة.
وقال يوري دانكو، الخبير الاقتصادي في المؤسسة: "في محادثات خاصة، يقول العلماء إنهم جمعوا حقائب الطوارئ مع وثائق وأساسيات"، مشيرًا إلى أن هذه الحقائب تحتوي على ملابس وأدوية وأدوات ومواد للدفاع عن النفس وطعام.
ويشكّك دانكو في الغزو الروسي، لكنّه يؤكد أنه في حال حدث ذلك، سيضطر العديد من العلماء إلى الانتقال من منازلهم إلى المناطق التي تسيطر عليها أوكرانيا لمواصلة العمل - أو قد يضطرون إلى السفر إلى الخارج.
وأضاف: "إذا احتلّت روسيا أوكرانيا، لن يعمل العلماء لصالح العدو".
محاولة للحفاظ على الهدوء
وإلى الغرب، في مدينة لفيف بالقرب من الحدود البولندية، قال عالم الكمبيوتر أولكسندر بيريزكو، إن عددًا كبيرًا من السكان يشعرون بالتوتر، ولكنهم يحاولون الحفاظ على الهدوء.
وأضاف: "قد يبدو الأمر غريبًا، لكن الحرب بدأت قبل ثماني سنوات، وليس الآن".
وكان بيريزكو، الذي يعمل في جامعة "لفيف بوليتكنيك" الوطنية، يخطط لعقد اجتماع صغير لنحو 20 باحثًا في بداية حياتهم المهنية لمناقشة العلوم المفتوحة في نهاية مارس/ آذار المقبل، لكنه يرجّح إلغاء الاجتماع.
وأوضح أن "مجال الأبحاث في أوكرانيا ليس في أفضل حالاته، ويحاول الكثير من الناس تطوير نظام بحثنا لتقريبه من المعايير الأوروبية والعالمية. لكن إذا اندلعت الحرب، فإن أولوية الحكومة ستكون القوات المسلحة ومساعدة الناس على النجاة".
بدوره، قال فلاديمير كوزنتسوف، عالم الأحياء النباتية في معهد "كي إيه تيميريازيف" لفيزيولوجيا النبات في موسكو، إن الوضع بين بلاده وأوكرانيا "غير مرغوب فيه، وغير مقبول على الإطلاق"، مضيفًا أن معظم العلماء الأوكرانيين سيغادرون بلادهم، وأن ذلك سيكون سيئًا للغاية".
وأوضح كوزنتسوف أنه "على الرغم من تضاؤل التعاون العلمي بين البلدين، يحاول العلماء في أوكرانيا عدم إظهار أنهم على اتصال بأقرانهم الروس، حتى لا يعرّضوا أنفسهم وعائلاتهم للخطر".