المجاعة تطرق الأبواب.. كيف سنوفّر الغذاء في المستقبل؟
فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا وجائحة كوفيد-19 أزمة غذاء عالمية مع توقّف الصادرات الروسية والأوكرانية من الحبوب وارتفاع أسعار المواد الغذائية حول العالم نتيجة الاغلاقات والتضخّم.
ومع ارتفاع الكثافة السكانية حول العالم، وازدياد أعداد الجائعين، يحتاج العالم، بحلول عام 2050، إلى إنتاج ما يصل إلى 56% من الغذاء الذي أُنتج عام 2010، وذلك لإطعام سكان العالم.
ومع أن الخبراء يتّفقون على أنه من الممكن إنجاز تلك المهمة من خلال استخدام ممارسات الزراعة والإنتاج الحالية، إلا أن موقع "ويب ميد" المتخصص في الصحة والطب، أشار إلى أن ذلك قد يكون كارثيًا على الأرض.
كيف سنلبي الطلب على الغذاء؟
وأفاد الموقع أنه بدلًا من أن تستحوذ مزرعة ما على آلاف الأفدنة، ستنمو المحاصيل داخل مستودعات يجري التحكم في هوائها. كما ستُساعد تكنولوجيات جديدة المزارعين على معرفة الوقت المناسب لإضافة السماد للمحاصيل وحصادها، ما يؤدي إلى إنتاج كمية كبيرة من المحاصيل وانخفاض نسبة الخسائر. كما ستُبقي ابتكارات التعبئة والتغليف الموجودة على رفوف المتاجر، وفي المنازل الطعام طازجًا لمدة أطول؛ ما يؤدي إلى انخفاض نسبة الهدر. وعلى مدار العقود القليلة المقبلة قد تساعد هذه الابتكارات في توفير الطعام لسكان العالم بصورة مستدامة.
تقليل هدر الطعام
وأكد التقرير أنه إذا كان هدر الطعام بلدًا، فسيكون ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. وعلى الصعيد العالمي، لا يتناول البشر حوالي ثلث الطعام المنتج. ويأتي أكثر من نصف هذه النفايات على المستوى الفردي داخل المنازل. وعام 2020، لم يكن لدى 811 مليون شخص ما يكفي من الطعام.
وتؤدي التكنولوجيا دورًا في تقليل الهدر أيضًا، بداية من الحقل ووصولًا إلى منزلك. وفي ما يلي مجموعة من الابتكارات الحديثة:
- ساعد مقياس رطوبة يُطلَق عليه غرين ميت (GrainMate) المزارعين في إفريقيا على التأكّد من جفاف الحبوب تمامًا قبل تخزينها؛ ما يؤدي إلى انخفاض نسبة تلفها.
- استحدثت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة صناديق تعبئة مستدامة لنقل المنتجات الطازجة. وأسهمت هذه الصناديق في انخفاض الخسائر بنسبة تصل إلى 87% في بلدان جنوب آسيا وجنوب شرقها.
- ابتكرت شركة "أبيل" غلافًا للفواكه والخضروات يساعدها على البقاء طازجة لمدة أطول.
- تستخدم شركة "ويستليس" (Wasteless) الذكاء الاصطناعي لمساعدة تجار التجزئة على بيع المنتجات السريعة التلف قبل أن تفسد.
- تستخدم عبوات شركة "كويكس شيلد" (Coexshield) مواد آمنة للأغذية ومضادة للميكروبات والفيروسات بهدف إبقاء اللحم المفروم طازجًا لمدة تتراوح بين سبعة و12 يومًا.
- توضَع أكياس "بلو أبل" (Bluapple) في درج الخضروات لتمتصّ غاز الإيثيلين المنبعث من الفواكه والخضروات، وهو الغاز الذي يجعل المنتجات تفسد بسرعة؛ وتوفر هذه الأكياس وقتًا حتى لا يفسد طعامك.
تكييف الزراعة
في السابق، تمثّل الهدف الرئيس لكبرى الشركات التي تعمل في مجال النشاط الزراعي في زراعة أكبر قدر ممكن من المحاصيل الغذائية. وقد حقّقت هذه الشركات نجاحًا كبيرًا في هذا الإطار.
ولكن زراعة هذه المحاصيل الضخمة لها عواقب وخيمة، وفقًا للموقع الذي أشار إلى أنه على الصعيد العالمي، يمثل إنتاج الغذاء 70% من إجمالي استخدامات المياه العذبة، و26% من انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلًا عن أنه يشغل نصف مساحة الأرض الصالحة للسكن على كوكب الأرض. وإذا تمكّنا من توفير الطعام لمليارات الأشخاص بعد مرور عقود من الآن، فلا يمكن أن يتمثّل الحلّ في الاستمرار في الزراعة بالطريقة ذاتها.
وتعد الزراعة الدقيقة ممارسة جديدة نسبيًّا، إذ تستخدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأتمتة أو التشغيل الآلي (Automation) في إدارة أجزاء صغيرة من الحقل بصورة مختلفة. وتؤدي إضافة كميات دقيقة من المياه ومبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب والأسمدة (بما في ذلك النيتروجين، أحد العناصر الأساسية التي تتغذّى عليها النباتات والتي لها آثار سلبية كبيرة على البيئة) إلى ارتفاع نسبة إنتاج المحاصيل من خلال استخدام كمية أقل من هذه العناصر، ما يعني انخفاض نسبة المجاري المائية الملوثّة وانخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة من المعدات الزراعية.
ومن بين الجهود الأخرى، يقوم العلماء ومنتجو الأغذية بتحسين أنظمة الري لاستخدام كميات أقلّ من المياه، وإعادة إدخال محاصيل الخيم للمساعدة في تحسين التربة، واستخدام طرق مبتكرة لإيصال البذور إلى الأرض.
وحتى البذور نفسها تتغير، إذ في جميع أنحاء العالم، يزرع المزارعون محاصيل معدلة وراثيًا تقلل من البصمة البيئية للزراعة.
تغيير المزارع
وأكد الموقع أن شكل المزارع تغيّر أيضًا. ولا تحتاج بعض الابتكارات الرائدة إلى مساحات شاسعة من الأراضي، بل لا تحتاج إلى أي أراضٍ على الإطلاق، لأن المزارعين يزرعون المحاصيل داخل المباني، وفي المناطق الحضرية. ولا تقتصر هذه الممارسات على توفير المياه والتربة وغيرها من الموارد الطبيعية، نظرًا لأن المحاصيل الغذائية تُزرع بالقرب من أماكن بيعها، بل تقلّل أيضًا من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالنقل.
ومن المتوقّع أن تصبح الزراعة العمودية قادرة على صناعة ما يقرب من 10 مليارات دولار بحلول عام 2026. وتجمع الزراعة العمودية بين التكنولوجيا والأنظمة التي تحافظ على الموارد على غرار الزراعة المائية (التي تنمو فيها النباتات في الماء بالإضافة إلى المغذيات السائلة)، وعلم الهواء (حيث تنمو النباتات مع الجذور معلقة، مع استخدام العناصر الغذائية عن طريق الضباب الخفيف)، وaquaponics (حيث تنمو النباتات المائية في مياه الصرف الصحي ذات المغذيات الثقيلة من الأسماك المستزرعة).
وبالنسبة لبعض المحاصيل، قد يُنتج فدان واحد في المزارع العمودية ما يتراوح بين 10 إلى 20 ضعف ما ينتجه الفدان الواحد في الحقول التقليدية. وتزيل زراعة المحاصيل داخل الأماكن المغلقة القيود المتعلقة بالمناخ. على سبيل المثال، أعلنت شركة "دريسكول"، إحدى أهم الشركات التي تزرع التوت، مؤخرًا خططًا تهدف إلى إنشاء مزرعة عمودية شمالي شرق الولايات المتحدة. وقد ينتج سكان المنطقة الفراولة قريبًا، حتى في منتصف فصل الشتاء.
مستقبل اللحوم
لا تمثل المحاصيل التهديد الزراعي الوحيد الذي يواجه البيئة؛ إذ تُعد الثروة الحيوانية أيضًا أحد العوامل الرئيسة في تغيّر المناخ. وتستخدَم 80% من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العالم في تربية الحيوانات، لكن هذه الحيوانات لا تُسهم سوى في 18% من نسبة السعرات الحرارية في العالم. كما تحتاج إلى شرب مياه كثيرة، حتى أن إنتاج ربع رطل من البرغر يتطلَّب نحو 450 غالونًا من الماء.
ويتمثَّل أحد الحلول البديهية في تقليل استهلاكنا للمنتجات الحيوانية. وخلصت دراسة جديدة نشرتها مجلة "نايتشر فود" إلى أن التقليل من تناول اللحوم قد يحد من الآثار البيئية بنسبة تصل إلى 60%، وقد يرفع استبدال منتجات نباتية 80% من المنتجات الحيوانية هذه النسبة إلى 75%.
غير أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أنه من المتوقع استمرار الاستهلاك العالمي للحوم خلال العقود المقبلة. ومن أجل تلبية الطلب بشكل مستدام، يتعيّن على المزارعين إيجاد طرق لإنتاج المزيد من اللحوم ومنتجات الألبان دون الحاجة إلى المزيد من الأراضي واستخدام أساليب أقل ضررًا.
طرق جديدة لتربية الحيوانات
وذكر الموقع أن العلماء والمزارعين يعملون على إيجاد طرق جديدة للحد من التأثير البيئي لتربية الحيوانات التي تُستخدم في الطعام.
وتتضمّن هذه الطرق تنظيم علف الماشية بحيث يُحِد من تجشؤ الأبقار لغاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة الضارة، واستخدام أنظمة متكاملة تشمل زراعة المحاصيل وتربية الأحياء المائية والإنتاج الحيواني للحد من النفايات واستخدام موارد أقل، على غرار تحويل فضلات الماشية إلى أسمدة عضوية لتسميد المحاصيل.
كما تشمل النظم الرعوية الزراعية التي تزرع الأشجار وترعى الماشية على قطعة الأرض ذاتها، حيث تبطِل الأشجار مفعول جزء كبير من الغازات الدفيئة، إضافة إلى استخدام أدوات جينية لمراقبة الماشية بحثًا عن سمات مفضّلة وتربية حيوانات أكثر قدرة على المرونة، واستخدام التكنولوجيا ليصبح نظام تربية الحيوانات بالكامل أكثر كفاءة، مثل مراقبة المراعي لمعرفة موعد جاهزيتها للرعي.
ويتضمّن ذلك أيضًا الحلول الزراعية لإنتاج البروتين الذي يحاكي اللحوم، على غرار البرغر النباتي في بعض سلاسل الوجبات السريعة وفي متاجر البقالة.
وشدّد الموقع على أن كل ابتكار جديد لديه القدرة على تقديم تحدٍ مختلف للاستدامة، إذ استغرق الأمر عقودًا حتى يستيقظ العالم على الضرر الذي تسبّبه بعض هذه الممارسات.