لم تمضِ سوى ساعات على هجوم دام استهدف الكلية الحربية في حمص وسط سوريا، بما قال النظام السوري إنه تم بواسطة مسيّرات مفخخة وخلّف عددًا كبيرًا من القتلى والجرحى، حتى بادر النظام إلى اتهام من وصفها بـ"المجموعات الإرهابية المدعومة خارجيًا".
والغريب أن رد الفعل العنيف من جانب النظام استهدف المدنيين فقط في إدلب وحلب، ليصعّد من حملته العسكرية هناك ويوسّع دائرة القصف في مناطق سيطرة المعارضة.
تشكيك برواية النظام حول هجوم الكلية الحربية
جاء ذلك في الوقت الذي لم تعلن فيه أي جهة المسؤولية عن الهجوم، وشككت المعارضة السورية بمزاعم النظام وروايته لتفاصيل الهجوم.
والمعارضة استحضرت أحداثًا سابقة، كانت مشابهة لحادثة الكلية الحربية، مثل تفجير "خلية الأزمة" وحادثة "مدرسة المدفعية".
من جانبها، انضمت القوات الروسية سريعًا إلى الحملة العسكرية ونفّذت غارات عدة، الأمر الذي يشير إلى توجيه دمشق وداعمتها موسكو الاتهام فعليًا وواقعًا إلى الفصائل في منطقة إدلب الحدودية، وهو ما تؤكده قيادات في المعارضة السورية.
إلى ذلك، عبّر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون عن قلقه البالغ إزاء ما وصفه بتصاعد العنف في سوريا، "والهجوم على حفل تخرج في الأكاديمية العسكرية"، وطالب جميع الأطراف احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي وضمان حماية المدنيين.
أما الكرملين فقد قال من جانبه، إن روسيا تعتزم مواصلة العمل عن كثب مع الشركاء السوريين في ما سماه "مكافحة جميع أشكال الإرهاب"، وفق تعبيره.
"رواية النظام مبتورة"
في هذا السياق، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي أحمد رحال، أن رواية النظام "مبتورة وليس المعارضة وحدها من شكك بها، فحتى الموالين ومن أبناء الساحل من خرجوا بصفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ليقولوا إن هذه الرواية غير مقبولة".
ويشير في حديثه إلى "العربي" من اسطنبول، إلى أن "العملية مدانة وجريمة كبرى بحق السوريين ومرفوضة بكل المقاييس".
إلى ذلك، يلفت رحال إلى أن منطقة حمص بوصفها منطقة وسطى، هي مركز الدفاع الجوي ومركز وسائط السطع والمراقبة الرادارية قبل الثورة وبعدها.
ويذكر بأن أي طائرة مسيّرة - سواء انتقلت من أرياف الساحل أو من إدلب وأريافها أو من أرياف حلب - تحتاج من 120 إلى 190 كلم لتصل إلى الكلية الحربية الواقعة في منطقة الوعر، ليسأل: أين كانت وسائط الدفاع الجوي ومحطات وأنظمة الاستطلاع والكشف؟
ويردف: أين قاعدة حميميم ومنظومة "رامونا" التي يوجد منها 3 محطات في سوريا وتغطي كامل الجغرافيا السورية، وهي قادرة على كشف أي طائرة إسرائيلية بمجرد أن ترتفع 15 مترًا عن أرض المطار؟
كما يتوقف عند ارتفاع أعداد القتلى من 10 إلى ما يقارب 100 قتيل، قائلًا إن ذلك يعني أن عمليات تصفية قد حصلت.
ويشير إلى أن منطقة حمص ومطار الضبعة بالتحديد يسيطر عليه حزب الله وإيران ويخضع لإدارة إيرانية، وهو منطقة تدريب على الطيران المسيّر.
"جريمة شنيعة ويجب إجراء تحقيق"
من جانبه، تحدث الباحث السياسي قاسم قصير عن "الجريمة الشنيعة، التي استهدفت ليس فقط ضباطًا يتخرجون حديثًا وإنما آباءهم وأمهاتهم وأولادهم أيضًا"، مشيرًا إلى أن "أعداد النساء والأطفال الذين قًتلوا في هذه المجزرة كبير".
ويسأل في إطلالته عبر "العربي" من بيروت: "لماذا قد يريد حزب الله وإيران قتل هؤلاء في اللحظة التي يعرف فيها الجميع عن التحالف الإستراتيجي بين سوريا وإيران وحزب الله، وأن الدماء التي بُذلت من أجل الدفاع عن سوريا طيلة السنوات الماضية كانت من أجل الاستقرار؟"، على حد تعبيره.
ويقول: "بحسب بعض القراءات والدراسات التي تابعتها، يمكن للطائرات المسيّرة أن تطلق من أي مكان، وهي لا تخضع حتى للأنظمة الجوية".
وبينما يلفت إلى أن الطائرات المسيّرة أصبحت علمًا قائمًا بذاته وتستخدم في الحروب، يشير إلى مدى صعوبة السيطرة عليها.
ويذكر بأن الطائرات المسيّرة الإسرائيلية وصلت قبل عدة سنوات إلى عمق الضاحية الجنوبية لبيروت واستهدفت مقرات لحزب الله، ثم بدأ منذ ذلك الحين وضع أنظمة دفاع جوية مختلفة.
ويؤكد قصير "وجوب إجراء تحقيق كامل في الهجوم على الكلية الحربية في حمص".
"للنظام سوابق في افتعال عمليات"
بدوره، يرى الباحث السياسي سعد الشارع، أن "تشكيك المعارضة السورية برواية النظام ربما يكون سببه منطقيًا، بالنظر إلى أن للنظام المجرم سوابق كبيرة في افتعال مثل هذه العمليات".
ويشير في حديثه إلى "العربي" من غازي عنتاب، إلى أن "النظام تجاوز ذلك وقام بعدة عمليات داخل المناطق السكنية راح ضحيتها الكثير من الأبرياء".
ويعتبر أن "الأسلوب الأمني الخاص بالنظام معروف ليس فقط في سوريا، فحتى الدول الإقليمية تعرف أسلوبه في افتعال أعمال عسكرية وأمنية يريد منها خلق ذرائع معينة".
ويلفت إلى أن "معظم الأطراف في سوريا – الدولي منها الذي يمتلك جيوشًا على أراضيها وحتى الأطراف المحلية – باتت لديها نوعًا ما مقدرة على تشغيل هذه المسيّرات".
وبينما يقول إن "أول من أدخل هذه الأخيرة إلى سوريا كان الميليشيات الإيرانية"، يذكر أن "المسيّرات شنّت هجمات متعددة على معظم الجغرافيا السورية، كما استُهدف مدنيون ومدارس ومساجد من قبل هذه المسيرات التي شغلتها إيران في سوريا".
ويعرض لعدة أسئلة يصفها بالمنطقية وتتعلق بالتفجير، الأول في ما يخص نوعية المكان المستهدف، حيث يشير إلى كون حمص محاطة بأكثر من 22 رادارًا. ويقول إن المنطقة محمية بشكل كامل، بحسب البروتكولات الأمنية والعسكرية التي تجري في سوريا.
كما يتوقف عند مغادرة الوزير وقائد الأركان والمحافظ قبل 20 دقيقة من تنفيذ العملية، ليقول إن كل ذلك يطرح أسئلة تشكك في رواية النظام.