نقل تقرير صادر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا المعاناة التي يعيشها معتقلون في مستشفى تشرين العسكري التابع للنظام السوري، حيث أُجبر معتقلون مرضى على نقل جثث، بينما تُرك آخرون من دون علاج حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، فيما تعرّض كُثر لضرب مبرح.
ومستشفى تشرين العسكري في العاصمة السورية دمشق هو الذي يُنقل إليه بشكل رئيسي المعتقلون المرضى، وجثث الموتى الذين قضوا تحت التعذيب أو جراء الأوضاع السيئة في مراكز الاعتقال، وعلى رأسها سجن صيدنايا الذائع الصيت.
وسبق أن تطرقت تقارير حقوقية لجرائم النظام السوري، حيث التقط المصوّر السابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية والذي يُعرف باسم "قيصر"، صورًا لجثث معتقلين في مستشفيات عسكرية تابعة للنظام وبينها مستشفى تشرين، أظهرت التعذيب والانتهاكات التي يتعرّض لها المعتقلون.
و"قيصر" هو الاسم المستعار للمصوّر المنشقّ عن النظام السوري، والذي هرّب 53275 صورة لجثث معتقلين سوريين بينهم امرأة، في مراكز احتجاز سورية، الى خارج البلاد منذ عام 2013. وأُطلق اسمه على "قانون قيصر" الأميركي الذي نصّ على عقوبات اقتصادية ضد سوريا.
"كثر لم يعودوا"
ويروي المعتقل السابق في صيدنايا أبو حمزة (اسم مستعار) الذي دخل مستشفى تشرين ثلاث مرات خلال فترة اعتقال دامت سبع سنوات، لوكالة فرانس برس: "كان السجناء يخشون الذهاب إلى المستشفى، لأن كثرًا لم يعودوا منه".
ويُضيف أبو حمزة (43 عامًا): "إن كان الواحد منا قادرًا على السير يعود إلى السجن، أما المريض جدًا فلا يعود ويُترك للموت في نظارة المستشفى".
وحمل التقرير عنوان "دفنوهم بصمت"، واعتمد على مقابلات مع 32 شخصًا بينهم معتقلون سابقون وعناصر أمن وأفراد من الكادر الطبي ووثائق مسربة، ويسرد مسار التعامل مع جثث المعتقلين و"التخلص منها"، من نقلها وتجميعها وتوثيقها وتصويرها وصولًا إلى إرسالها إلى المقابر الجماعية.
"تركوه يموت"
ويُشير تقرير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" إلى أنّ مفرزة الشرطة العسكرية التابعة للمستشفى هي "المحطة للأولى للمعتقل، وهي أيضًا مكان تجميع جثث المعتقلين قبل تحميلها ونقلها إلى مقابر جماعية" في نجها جنوب سوريا، والقطيفة وجسر بغداد قرب دمشق.
ويقول أبو حمزة: "في إحدى المرات، كان موقوف يئن وكأنه يُنازع داخل زنزانة المفرزة، لم يعرضوه على طبيب، بل وضعوه بين الجثث. تركوه يموت".
ووفقًا للتقرير، يُجبَر المعتقلون على نقل جثث من السجن إلى المستشفى، و"أحيانًا يكون بين الجثث مرضى ينازعون بين الحياة والموت، فيقوم المساعد في النظارة بتصفيتهم".
ويروي أبو حمزة أنّه "لساعات طويلة، نقل حافي القدمين وفي البرد القارس جثث معتقلين من سجن صيدنايا إلى عربة نقل، ولاحقًا إلى أماكن تجميع الجثث قرب المستشفى حيث تتمّ كتابة أرقام عليها أو على ورقة بيضاء تُوضع عليها، قبل أن يأتي مصوّر لالتقاط صور لها".
ويذكر التقرير أنّ "شهادات الوفاة تصدر لاحقًا من المستشفى، وغالبًا ما تُكتب أسباب الوفاة على أنّها توقّف القلب أو فشل كلوي أو جلطة دماغية"، مشيرًا إلى أنّ "الأطباء الشرعيين لا يقومون فعليًا بفحص جثث المعتقلين الذين قضوا فعلًا بمعظمهم تحت التعذيب أو جراء ظروف اعتقال سيئة".
"يخنقون المعتقلين المرضى"
ويوثّق تقرير رابطة معتقلين صيدنايا "عمليات تعذيب وحشية بحق المعتقلين المرضى" يقوم بها بمعظمها عناصر المفرزة الأمنية التابعة للمشفى.
ويذكر التقرير وناجون أنّ بعض المعتقلين المرضى تعرّضوا لإهانات من "الكادر الطبي" وضرب شديد على أيدي معتقلين آخرين، على مرأى من عناصر أمن لم يحركوا ساكنًا.
ويقول أبو حمزة: "في إحدى المرات، دخل حرس مفرزة المستشفى علينا، طلبوا منا الانبطاح أرضًا وأبرحونا ضربًا لربع ساعة ثم خرجوا".
وأفاد التقرير الحقوقي أنّ عناصر المفرزة كانوا أحيانًا يتخلّصون من المعتقلين المرضى بخنقهم عبر لفّ منشفة أو قطعة قماش حول أعناقهم.
ويقول الشريك المؤسس في الرابطة دياب سرية: "يؤدي تشرين دورًا مركزيًا في عمليات الإخفاء القسري والتستّر على عمليات تعذيب وتزييف أسباب الوفاة، فضلًا عن المعاملة السيئة داخل المستشفى وتصفية معتقلين، وذلك كله يُعد جرائم ضد الإنسانية".
ويضيف: "ما يحصل في مستشفى تشرين ومستشفيات عسكرية أخرى يعد بمثابة سياسة ممنهجة".
"وجدت نفسي بين الجثث"
عام 2014 وبعمر الـ16 عامًا، اعتُقل محمود (25 عامًا) لمدة سنتين.
ويروي محمود معاناته في مستشفى تشرين: "وضعوني أرضًا وداسوا علي وأغلقوا فمي بأيديهم حتى لم أعد أشعر بشيء. غبت تمامًا عن الوعي"، مضيفًا: "صحوت بعد وقت قصير لأجد نفسي بين جثث في زاوية الزنزانة".
ويروي كيف سقطت جثتان كانتا فوقه أرضًا، فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته. ويضيف: "كنت أرتدي سروالي الداخلي فقط، وقد تبوّلت وتبرّزت لا إراديًا".
حينها، غادر محمود المستشفى إلى السجن من دون عرضه على طبيب. ومنذ ذلك الحين، ساءت حياته في السجن أكثر ولم يعد يجرؤ على الذهاب إلى المستشفى حتى في أقصى فترات معاناته من مرض السلّ داخل زنزانة صيدنايا.
ويقول: "وصلت إلى درجة لا أستطيع فيها حتى أن أمضغ الأكل، لكني لم أبلغ أحدًا حتى لا يأخذوني إلى مستشفى تشرين مرة أخرى".
وعلى مرّ سنوات النزاع السوري المتواصل منذ عام 2011، اتهمت منظمات حقوقية عدة أجهزة أمنية تابعة للنظام السوري بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون.
وفي الفترة الأخيرة، تستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين.
ففي فرانكفورت الألمانية على سبيل المثال، يخضع طبيب سابق في سجن حمص العسكري لمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.