الخميس 21 نوفمبر / November 2024

الهروب إلى الموت.. البحر يبتلع أحلام ضحايا المركب الغارق قبالة سوريا

الهروب إلى الموت.. البحر يبتلع أحلام ضحايا المركب الغارق قبالة سوريا

شارك القصة

"العربي" ينقل شهادة إحدى العائلات المفجوعة في حادثة غرق مركب المهاجرين قبالة سوريا (الصورة: تويتر)
لم تتضح ملابسات غرق المركب قبالة سوريا وقد تراوحت التقديرات بشأن عدد ركابه بين 100 و170 شخصًا نجا منهم نحو 20 مهاجرًا فقط.

فُجع لبنان بغرق قارب يحمل عشرات المهاجرين السورين واللبنانيين أمس، نجا نحو عشرين منهم وانتشلت جثث نحو 77، فيما لا يزال مصير البعض الآخر مجهولًا. هربوا من أزمة اقتصادية حرمتهم لقمة العيش، أرادوا بلوغ أوروبا فحملوا أحلامهم على متن قارب غصّ بأعدادهم فأغرق أحلام كبار وبراءة صغار أرادو خبزًا وكتابًا.  

الموت بالمرصاد

لم يتخيل مصطفى ميستو، عندما حسم قراره بالهجرة غير الشرعية مع أسرته الصغيرة، أن الموت سيكون لهم بالمرصاد كما يروي أقرباؤه. فجلّ ما حلم به سائق سيارة الأجرة أن يطعم أطفاله ويعلمهم بعدما ضاقت بهم سبل العيش في لبنان.

ومصطفى هو أحد ضحايا قارب الموت الذين عثرت عليهم السلطات السورية الخميس، بعد غرق مركبهم الذي انطلق من شمال لبنان وعلى متنه عشرات المهاجرين، غالبيتهم من اللبنانيين واللاجئين السوريين.

في باب الرمل، أحد أفقر أحياء مدينة طرابلس في شمال لبنان، تبكي العائلة على مصابها، بعدما تبلغت بأن مصطفى قضى غرقًا مع أطفاله الثلاثة بينما نجت زوجته.

طارد حلمه البسيط

ويقول جهاد المانع، قريب مصطفى، لوكالة "فرانس برس": "لم يذهب في نزهة إلى الخارج أو لقضاء إجازة نهاية الأسبوع. لم يكن حلمه الحصول على جنسية أخرى بل أن يسجل أولاده في مدرسة ويطعمهم". 

وغادر مصطفى مع عائلته، بعدما دفع مبلغًا يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف دولار مقابل كل شخص لمهربين، كما يروي المانع. وجمع المبلغ المطلوب بعدما باع سيارته واستدان مالاً من إخوته وباعت والدته مصاغها.

ولم تتمكن العائلة من معرفة الوجهة التي كان سيسلكها القارب قبل غرقه. وينتقد أفرادها بشدة المسؤولين خصوصًا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتحدر من طرابلس، والذي تحاول عبثًا التواصل معه منذ وقوع الفاجعة. ويسأل المانع بانفعال: "أين المعنيون؟ لا نعلم ما إذا كان أولادنا موتى أم أحياء". 

"أصل أو أموت"

ومنذ شيوع نبأ غرق المركب، يتوافد الأقرباء والأصدقاء إلى منزل العائلة المفجوعة، بينهم عمر ميستو، صديق مصطفى منذ الطفولة.

ويقول لـ"فرانس برس": "الفقر والوضع المعيشي جعلا مصطفى يغادر لبنان". وينقل عنه قوله باستمرار "سأغادر حتى لو كنت سأموت. إما أن أصل أو أموت". 

وتحدّث مانع المانع الذي هاجر أقرباء له على متن المركب  إلى "العربي"، لافتًا إلى العثور على جثة فتاة من عائلته فيما لا يزال مصير الأب وابنته الأخرى وابنه مجهولًا. 

وانتقد المانع أداء الدولة اللبنانية في إدارة الأزمة. وقال من منزل عائلة المانع في طرابلس: "لا توجد دولة"، مؤكدًا تواصل العائلة مع نواب طرابلس ورئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي دون الحصول على جواب. ولفت إلى متابعة وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية للملف.

غضب في صفوف الأهالي وتساؤلات بلا إجابة عن مصير المفقودين - غيتي
غضب في صفوف الأهالي وتساؤلات بلا إجابة عن مصير المفقودين - غيتي

نجا لكنه خسر عائلته

وبدأت عائلات في لبنان الجمعة تشييع قتلاها، بينهم عائلة التلاوي. وغادر وسام التلاوي مع زوجته وأطفالهما الأربعة على متن المركب، لتتبلغ العائلة بنجاته، بينما توفيت ابنتاه (خمس وتسع سنوات) ولا تزال زوجته مع طفلين آخرين في عداد المفقودين.

وتسلمت العائلة، وفق أحمد، شقيق وسام، جثة الطفلتين وجرى تشييعهما في مسقط رأسيهما في منطقة عكار (شمال). ويتلقى وسام العلاج حاليًا في مشفى الباسل في مدينة طرطوس، مع 19 شخصًا آخرين ممن تم إنقاذهم من البحر. ويقول أحمد لـ"فرانس برس" عبر الهاتف: "استيقظنا الخميس ولم نجد شقيقي، العامل في شركة تنظيفات".

ويضيف: "لم يقو على تأمين قوت يومه وتعليم أطفاله، فكلفة تسجيل كل ولد في المدرسة تبلغ 10 ملايين ليرة".

وينتقد أحمد بشدة غياب السلطات اللبنانية. ويسأل بغضب: "أين الدولة؟ لم نتلق اتصالًا من أي جهة بعد، ولم يكلف مسؤول نفسه بالذهاب إلى سوريا لمتابعة الملف". 

تنسيق سوري لبناني

ولم تتضح بعد ملابسات غرق المركب الذي تراوحت التقديرات بشأن عدد ركابه بين 100 و170 شخصًا. وكانت إيطاليا هي وجهته، بحسب مراسل "العربي" في طرابلس شمال لبنان.  

وأشار مراسل "العربي" في منطقة المنية شمالي لبنان إلى ارتفاع عدد ضحايا غرق القارب إلى أكثر من 50، كما انتشل نحو 21 ناجيا ويقبعون في المستشفيات السورية. 

وفيما تستمر عمليات البحث، يتخوف من عدم العثور على بقية الجثث. كما وسّعت دائرة البحث في المياه السورية لتشمل المناطق البحرية المشتركة بين سوريا ولبنان. 

وأشار المراسل إلى معلومات تفيد بأن لبنان قد يطلب من دول الجوار وبالأخص قبرص المساعدة في عمليات البحث في المياه الإقليمية.

وعلى الجانب اللبناني تنسق قوى الأمن العام مع الجانب السوري لاستعادة الجثث والناجين. وتتولى وزارة الأشغال العامة التنسيق سياسيًا مع الجانب السوري.

وتعدّ حصيلة الضحايا الأعلى منذ أن نشطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من لبنان، التي بدأها لاجئون سوريون وفلسطينيون يبحثون عن بدايات جديدة، قبل أن ينضم إليهم لبنانيون، غالبيتهم من شمال لبنان، أنهكتهم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - وكالات