من المغرب، تكاد آخر تجارب قيادة الإسلاميين للسلطة في الإقليم تطوى، لكنهم هذه المرّة خرجوا بهدوء وعبر أبواب الانتخابات الشاسعة.
إنّها باختصار النتيجة التي أفرزتها الانتخابات المغربية، التي انتهت إلى صورة جديدة وخارطة حزبية مختلفة، وموازين قوى انقلبت انقلابًا مفاجئًا مغايرًا لما عرفه المغاربة قبل خمس سنوات.
فاز حزب التجمع الوطني للأحرار بصدارة الانتخابات التشريعية والمحلية، فيما حلّ حزب الأصالة والمعاصرة ثانيًا. لكن، يبدو أنّها الانتخابات التي لا يُسأل فيها إلا عمّن هُزِم، ففي الوقت الذي كان شركاؤهم في الحكومة يربحون، كان الإسلاميون يخسرون.
هكذا، شكّل التراجع الكبير لحزب العدالة والتنمية المغربي عنوان هذه الانتخابات، في الوقت الذي تبادلت فيه الأحزاب التهم بشأن استخدام المال السياسي للتأثير على الناخبين.
"حصيلة أشبه بالعقاب"
في النتيجة، لم يخرج سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من رئاسة الحكومة وحدها، بل ما عاد يتّسع له الآن أيّ مقعد في البرلمان.
لم ينسحب الحزب من السلطة فقط، بل إنّه قد يُسحَب من هوامش المعارضة دون كتلة وازنة، بعدما اقتصرت "حصّة" الحزب على 12 مقعدًا فقط لا غير في حصيلة أشبه بالعقاب.
وإذا كان المغرب يفتتح بذلك عهدًا جديدًا قد يغيب فيه الإسلاميّون عن السلطة، فإنه تُطرَح الكثير من علامات الاستفهام، فما سبب هذا التراجع الكبير لأكبر الأحزاب الإسلامية في المغرب؟ وهل هذا نتيجة طبيعية لعشرية من حكم العدالة والتنمية؟
من كان يتصوّر "حجم" الهزيمة؟
في رأي الباحث السياسي بلال التليدي، فإنّ قيادة حزب العدالة والتنمية كانت تعتقد بوهم منها أنّها يمكن أن تتصدّر المشهد السياسي.
ويوضح، في حديث إلى "العربي"، من الرباط، أنّها لذلك وضعت كل بيضها في سلّة نقد القاسم الانتخابي اعتقادًا منها أنها لا تزال تحتفظ بتفوقها الحضري وفي كل المناطق التي تعتمد نظام الاقتراع اللائحي.
ويلفت إلى أنّه في المقابل كانت هناك آراء أخرى ترى أن التدبير القيادي لهذه المرحلة من طرف قيادة حزب العدالة والتنمية سيؤول إلى هزيمة، "لكن لا أحد كان يتصوّر حجم هذه الهزيمة".
ويشرح أنّه "كان هناك تصور وتقييم وتقدير بأن الحزب يمكن أن يفقد 50 إلى 60 مقعدًا، لكن لا أحد كان يتصوّر أنّ الهزيمة ستأتي بهذه الشاكلة ويخسر الحزب أكثر من 112 مقعدًا".
ما هو أهم سبب للهزيمة؟
ويعتبر التليدي أنّ هذه النتائج لها أسباب ذاتية، فالحزب كان يعاني منذ 2017 تصدّعات داخلية، وكان هناك شرخ قيادي امتدّ إلى القاعدة.
ويشير إلى أنّ القاسم الانتخابي لم يكن له مفعول فقط على مستوى تشتّت الأصوات، وإنما كان له مفعول أيضًا على بنية الحزب الداخلية، لأنه عمّق التنافس حول وكالة اللائحة بحكم أنّ هذا القاسم الانتخابي لا يتيح إلا مقعدًا واحدًا في دائرة واحدة ممّا جعل التنافس والصراع يحتدم حول وكالة الداخلية.
ويعتبر أنّ ذلك أثمر تصدّعًا داخليًا واستقالات ومغادرات، كما أنّ بعض شرائح الحزب لم تدخل إلى الحملة الانتخابية احتجاجًا على الأسلوب الذي تعاطت فيه القيادة مع التزكيات.
ويخلص إلى أنّ أهم سبب للهزيمة هو دخول حزب بتماسك تنظيمي ضعيف وبخط سياسي أضعف وبحملة انتخابية ضعيفة، وبخطاب قيادي في الحملة مهترئ لم يستطع أن يتفاعل مع الانتظارات الحقيقية للمجتمع.
حزب العدالة والتنمية يعيش ارتباكًا حقيقيًا
من جهته، يعتبر رئيس مركز الصحراء للدراسات الاستراتيجية عبد الفتاح فتيحي أنّ حزب العدالة والتنمية كان قد استنفد إمكانياته السياسية في الولاية الأولى لعبد الإله بنكيران، حين طرحت إشكاليات حقيقية على الحزب حول إمكانية مواصلة الأداء السياسي نفسه الذي كان المغرب ينتظره منه.
ويلفت إلى أنّ سعد الدين العثماني، بعدما جاء إلى الحكم، قدم تنازلات كبيرة، ولم يعد يتحدث عن الصلاحيات الواسعة والمتاحة، وظلّ ينّفذ فقط القرارات الواردة من السلطة الأعلى في البلاد وبالتالي بدا خانعًا.
ويشير إلى أنّ العثماني كان من الأطياف الهادئة لكنه لم يوفق في هذه المرحلة، لافتًا إلى أنّ حكومته لم تلبّ تطلعات المواطنين اقتصاديًا واجتماعيًا، وقد تزامن ذلك مع فترات جفاف ومع جائحة كورونا.
ويعرب عن اعتقاده بأنّ الحزب سيعيش ارتباكًا حقيقيًا وهو ما بدا واضحًا عند استقالة الأمانة العامة للحزب، وقد يتطلب وقتًا لتكون هناك مراجعات فكرية وكذلك تنظيمية داخل الحزب لأنه حزب له هياكل تنظيمية وهذه الهياكل يجب أن تعيد النقاش من جديد.
كيف يقرأ حزب التجمع الوطني للأحرار تصدّره؟
أما القيادية في حزب التجمع الوطني للأحرار اعتماد الزاهدي، فتعتبر أنّ تصدر حزبها للمشهد الانتخابي ليس له علاقة بفقدان ثقة المغاربة بحزب العدالة والتنمية.
وتوضح الزاهدي، في حديث إلى "العربي"، من الرباط، أنّ حزب التجمع الوطني للأحرار منذ سنة 2016 قام بوضع خطة جديدة، حيث كانت له لقاءات مع المواطنين توجت بوضع برنامج واقعي أوصله إلى المغاربة قبل الاستحقاقات الانتخابية.
وتؤكد أنّ كل الاحتمالات ممكنة بالنسبة لتشكيلة الحكومة والمفاوضات هي التي ستحسم الأمور وفقًا للدستور والعرف المغربي.
وتشير إلى أّنه بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار فقد عبّر عدّة مرّات على لسان رئيسه أنه ليس لديه خطوط حمراء أو معوقات للتواصل مع أي حزب كيفما كان فالتواصل والحوار دائم.
لكنّها تتحدث عن شروط وآليات سيعمل الحزب على احترامها لأنه يريد المرور إلى مرحلة جديدة في تاريخ البلد على مستوى بناء اقتصاد قوي وإعطاء كرامة للمواطن.
وتشدّد على وجوب أن يكون هناك تجانس تام في الحكومة، مشيرة إلى أن الحزب استفاد من تجربة ولايتين عرفت تذبذبات في التحالفات ولن يعيد الكرّة.