بعد جدل وتصعيد وتوتر في علاقات مرهقة بإرث الماضي وجراح التاريخ، تخلص زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر بتوقيع 5 اتفاقيات شراكة وتعاون بين البلدين في مجالات علمية وسياسية واقتصادية.
والخميس بدأ ماكرون زيارة إلى الجزائر هي الثانية له، منذ توليه الرئاسة، وتعود زيارته الأولى إلى ديسمبر/ كانون الأول 2017 في بداية ولايته الأولى، طوت سنين من التوتر الذي تصاعد أخيرًا، قبل أن تفتح الجولة الجديدة عهدًا من الشراكة المتنوعة بين البلدين.
أبعاد سياسية وتاريخية
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي: "أعتقد أن زيارة ماكرون كانت ناجحة وفعّالة على كل المستويات وكانت مهمة أيضًا للعلاقات بين البلدين، كما أنها أعادت أشياء كثيرة لمكانها الصحيح".
من جهته، صرّح الرئيس الفرنسي، "قمنا بتحديد المواضيع التي سنتابعها ومنها موضوع التنقل لمزدوجي الجنسية وكل من له إرادة في التنقل بسهولة بين البلدين".
ودامت زيارة الرئيس الفرنسي 3 أيام، حيث كانت لها أبعاد تاريخية وفنية وثقافية، مع اجتماع أمني رفيع المستوى جمع بين رئيسي الدولتين رفقة الفريق الأول السعيد شنقريحة، ووزير الجيوش الفرنسي سيبستيان لوكور إلى جانب رؤساء المخابرات.
وكان لجراح الذاكرة النصيب الأكبر من النقاش، حيث تم الالتزام بتشكيل لجنة تضم مؤرخين من الجانبين مع فتح أرشيف البلدين للباحثين، بينما ملف الاعتذار والتعويض كان مؤجلًا، وبدا ذلك واضحًا حين قال ماكرون: إنّ "التاريخ لم يكن بيدنا".
وحتى وإن أجمع الرئيسان على نجاح الزيارة شكليًا، من خلال ما تمخض عنها، يبقى التزام الجانبين بتطبيق بنودها التحدي الأبرز في ظل متغيرات كثيرة قد تدخل على الخط.
ومساء السبت، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، "إعلان الجزائر" من أجل شراكة متجددة.
هل شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية تحولًا كبيرًا؟
وفي هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر زهير بوعمامة أنه لا يوجد تحولًا كبيرًا وعميقًا في العلاقات الجزائرية الفرنسية، مشيرًا إلى أن الاتفاق الذي وقع بين البلدين لم يكن مدرجًا في برنامج زيارة الرئيس الفرنسي، بل جاء بطلب من ماكرون، بهدف تمكينه من إيجاد شيء يعود به إلى بلاده ويناقش به مواطنيه في محاولة منه لتبرير زيارته إلى الجزائر.
ويرى في حديث لـ"العربي" من العاصمة الجزائرية، أن زيارة الرئيس الفرنسي نجحت في شيء واحد وهو إذابة الجليد الذي شاب العلاقات بين البلدين العام الماضي، نتيجة أخطاء وتصريحات ماكرون، ونتيجة أيضًا لخلافات على سياسات في المنطقة.
ويعتبر أن ما حدث خلال زيارة الرئيس الفرنسي يعد أرضية للانطلاق نحو شيء آخر، مضيفًا أن الجزائريين لم يحصلوا على ما كانوا ينتظرونه من زيارة ماكرون، حسب اعتقاده، واستبعد أن يكون الجزائريون قد قدموا في المقابل الكثير لماكرون.
وأضاف بوعمامة أن التقلبات الجيوسياسية نتيجة ما يحدث شرق القارة الإفريقية، أعطى للجزائر أوراقًا مهمة في يدها، وجعلها في موقف تفاوضي أقوى، وأن الجزائر اليوم أفضل نسبيًا مما كانت عليه حين زارها ماكرون عام 2017، في حين أن باريس اليوم أسوأ مما كانت عليها قبل سنوات بالنظر إلى معطيات داخلية واقتصادية وجيوسياسية وأخطاء وخيارات سيئة للفرنسيين بخاصة في ما يحدث في أوكرانيا.