في اليوم الثاني من زيارته للجزائر، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الجمعة إلى "شراكة جديدة" من أجل إحياء "قصة الحب" التي تربط فرنسا بالجزائر.
وأعلن ماكرون في كلمة ألقاها أمام حشد من الجالية الفرنسية، أنه سيعود إلى العاصمة الجزائرية بعد زيارة وهران غربي البلاد، وهو ما لم يكن في برنامج الزيارة، من أجل "تحية الرئيس عبد المجيد تبون ووزرائه والتوقيع على إعلان مشترك"، فيما تحدثت الرئاسة الفرنسية في بيان، عن اتفاق "شراكة متجددة وملموسة وطموحة".
واعتبر ماكرون أن العلاقات مع الجزائر "قصة لم تكن بسيطة أبدًا، لكنها قصة احترام وصداقة ونريدها أن تبقى كذلك، وأجرؤ على القول إنها قصة حبّ".
وأكد أنه سيعمل على "شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم" تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع إجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويًا إلى 38 ألفًا.
#ماكرون في #الجزائر.. محاولة لرأب الصدع وفتح آفاق تعاون جديدة بين البلدين رغم "الماضي الأليم" تقرير: محمد الشياظمي pic.twitter.com/NVZfIZNmtT
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 26, 2022
كما جدد دفاعه عن فكرة تسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة في ظهور "جيل فرنسي جزائري جديد في الاقتصاد والفنون والسينما وغيرها".
وبالإضافة إلى ملف الذاكرة حول الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962)، كانت قضية التأشيرات قد أدت إلى تعكير العلاقات بين البلدين، بعد أن خفضت باريس بنسبة 50% عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر.
وبحسب ماكرون فإنه ناقش خلال اللقاء مع تبون "مطولًا هذا الملف، حتى منتصف ليل" الخميس الجمعة و"كلفنا به وزراءنا، وبالتالي سيتقدم في الأسابيع والأشهر المقبلة". والهدف هو محاربة الهجرة غير الشرعية وفي الوقت نفسه تسهيل الإجراءات بالنسبة لـ"مزدوجي الجنسية والفنانين والمقاولين والسياسيين الذين يعززون العلاقات الثنائية".
وفي الصباح خلال زيارة مقبرة سانت أوجين الأوروبية، المقبرة الرئيسة في العاصمة الجزائرية، تطرّق للعديد من المواضيع، ولا سيما ملف الذاكرة الحساس الذي أثار أزمة دبلوماسية خطيرة مع الجزائر الخريف الماضي.
"أريد الحقيقة"
وعند إرساء المصالحة بينهما الخميس، أعلن ماكرون ونظيره الجزائري تبون تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين "للنظر معًا في هذه الفترة التاريخية" من بداية الاستعمار (1830) وحتى نهاية حرب الاستقلال (1962)، "من دون محظورات"، لكن ماكرون استبعد تقديم أي اعتذار كما تطالب الجزائر.
وقال ماكرون: "في ما يتعلق بمسألة الذاكرة والمسألة الفرنسية الجزائرية، كثيرًا ما أسمع دعوات إلى الاختيار بين الفخر والندم"، مؤكدًا: "أنا أريد الحقيقة والاعتراف وإلا لن نمضي قدما أبدًا"، معتبرًا أن "إجراء مباراة ودية في كرة القدم من شأنه أن يسمح بتجاوز الماضي".
وبعدما طُلب من ماكرون قبل زيارته الجزائر "عدم التغاضي" عن "انتهاك حقوق الإنسان في البلاد"، أكد أنه تطرق إلى الموضوع مع الرئيس تبون "بقدر كبير من الحرية".
وعن الغاز الجزائري والطلب الكبير عليه، نفى ماكرون أن يكون جاء إلى الجزائر "يستعطي" الغاز، مؤكدًا حصته الضئيلة في مصادر الطاقة الإجمالية الفرنسية (حوالي 20%).
لكنه قدّم شكره للجزائر- التي تُعد أول مصدّر للغاز في إفريقيا وثم أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها- بعد زيادة إمداداتها عبر خط أنابيب الغاز "ترانسميد" الذي يغذي إيطاليا، مشيرًا إلى أن هذا يسمح بـ "تحسين تنويع (المصادر) في أوروبا" بعدما كانت تعتمد إلى حد بعيد على الغاز الروسي.
وبخصوص القضايا الدولية، دعا ماكرون إلى "تعزيز الشراكة مع الجزائر" في محاربة التهديد الإرهابي في منطقة الساحل، موضحًا أن ذلك يشمل "منع انتشار المرتزقة في المنطقة، ولا سيما مرتزقة فاغنر"، المجموعة العسكرية الخاصة الروسية الناشطة في مالي بعد انسحاب القوات الفرنسية من هذا البلد.
والجمعة، ترأس ماكرون وتبون اجتماعًا غير مسبوق لمسؤولين أمنيين، بحسب ما أفاد بيان للرئاسة الجزائرية التي أشارت إلى أن "هذا الاجتماع التنسيقي يعد الأول من نوعه بهذا المستوى منذ الاستقلال".
وشارك في الاجتماع عن الجانب الجزائري رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة ونظيره الفرنسي تييري بوركهار ووزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو وقادة أجهزة الأمن الجزائرية.
هل نجحت زيارة ماكرون؟
واعتبر الأكاديمي والباحث المستقل، بوزيد بومدين أن زيارة ماكرون نجحت "إلى حد ما" بترميم العلاقات ورأب الصدع، مشيرًا إلى أن اتفاق "الشراكة المتجددة" بين البلدين لم يكن موجودًا في برنامجه مما يدل على أنه ثمرة اللقاءات الانفرادية والموسّعة بين الوفدين.
وعن قضية الذاكرة، قال بومدين في حديث إلى "العربي" من الجزائر، إن تشكيل لجنة والبحث في الأرشيف قد يحدث بعض "الحساسية" بين باريس والجزائر، كما أن عملها سيتطلب سنوات طويلة يمكن أن يمتد لعقدين من الزمن قبل التوصل إلى الحقائق.
وفي الشق الاقتصادي، أشار إلى أن الجزائر ستبقي على تنويع شركائها التجاريين حيث أصبحت إيطاليا الشريك الأول لها في أوروبا بعدما كانت فرنسا سابقًا، لافتًا إلى أن الدولة الجزائرية لن تبقى "رهينة" اقتصاديًا وتجاريًا لباريس.