ما إن شنّت إسرائيل صباح الإثنين غارات كثيفة على جنوب لبنان وتلقى السكان رسائل هاتفية تطالبهم بإخلاء منازلهم، حتى سادت حالة من الهلع، حيث حزم المئات أمتعتهم ونزحوا على عجل، بينما ضاقت مستشفيات المنطقة بعشرات الضحايا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي شنّه غارات على أكثر من "300 هدف" لحزب الله، ما تسبب باستشهاد أكثر من 270 شخصًا وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة، في تصعيد غير مسبوق منذ بدء المواجهة بين الطرفين قبل نحو عام على خلفية الحرب في غزة.
هلع ونزوح وجرحى في المستشفيات
ففي مستشفى النجدة الشعبية في مدينة النبطية في جنوب لبنان، يصف الطبيب جمال بدران لوكالة "فرانس برس" ما جرى بأنه "كارثة ومجزرة"، مضيفًا: "بين الغارة والغارة، تشن غارة، حتى إنهم قصفونا خلال انتشالنا جرحى" في بلدة دير الزهراني.
ويقول بتأثر بعدما نجا منزله من غارة استهدفت محيطه: "عدت الآن من المستشفى، هناك شهداء كثر وجرحى كثر".
وعلى بعد أكثر من عشرين كيلومترًا، تكرر المشهد ذاته في مستشفى تبنين الحكومي. ويقول موظف، امتنع عن كشف هويته: "يتدفق الجرحى بشكل متتال، الوضع صعب للغاية"، مضيفًا: "لا يمكنني أن أحدد عدد الإصابات، الجرحى في الخارج، ما زالوا في الشارع".
وتعرضت مناطق عدة في جنوب لبنان وشرقه الإثنين لسلسلة غارات إسرائيلية كثيفة منذ ساعات الصباح، وأثارت الغارات هلعًا لدى سكان المناطق المستهدفة ومحيطها في جنوب لبنان.
وفي مدينة صيدا التي تعدّ أحد مداخل الجنوب، رصدت وكالة "فرانس برس" تدفقًا كبيرًا للسيارات باتجاه بيروت. واكتظت الطرق بمئات السيارات وعشرات الحافلات التي أقلت نازحين مع أمتعتهم، بعد اتساع رقعة القصف إلى قرى وبلدات لم يشملها القصف منذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل قبل نحو عام.
ويقول النازح السوري محمّد الوليد الذي فرّ مع عائلته المؤلفة من سبعة أشخاص: "هربنا من بلدة الغسانية بعد غارات عدة أرعبت أطفالنا"، مضيفًا: "سنلجأ الآن إلى أي مكان حتى لو نمنا على الرصيف".
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية من جهتها عن "زحمة سير خانقة" شهدها الطريق السريع، الذي يربط الجنوب ببيروت.
"أول مرة" منذ 2006
ووجد الصحافي نذير رضا نفسه عالقًا في الزحمة منذ ساعات الصباح، بعدما قرر التوجّه من بيروت إلى بلدته البابلية، الواقعة على بعد نحو 25 كيلومترًا من الحدود، بهدف إحضار زوجته وأطفاله الثلاثة بعد القصف الكثيف.
ويقول لفرانس برس عبر الهاتف: "لا أحد توقع تصعيدًا إلى هذا الحدّ وبشكل مفاجئ، حتى القرى التي كانت آمنة وإحداها قريتنا البابلية لم تتعرض في الحروب السابقة لقصف"، متابعًا: "لم يستعدّ أحد لذلك".
ويضيف: "ذهبت إلى عملي في بيروت وتركت أولادي في القرية باعتبار أنها آمنة أكثر من الضاحية الجنوبية"، ليجد نفسه بعد ساعات مضطرًا لأن يعود أدراجه إلى الجنوب لاصطحاب عائلته.
ويصف رضا حالة "جنون" على الطريق، مع اكتظاظ الطريق الساحلية بسيارات متجهة إلى بيروت، تقل "عائلات مع أولادها، حملوا ما أمكنهم من حاجيات" مضيفًا: "هذا المشهد، حالة الهلع هذه تحصل لأول مرة منذ حرب 2006" المدمرة التي خاضها حزب الله وإسرائيل مدى 33 يومًا.
وشهدت مناطق في جنوب لبنان لم يشملها القصف توافد نازحين بينها مدينة صور. ويقول بلال قشمر، المسؤول في وحدة إدارة الكوارث في المحافظة لفرانس برس: "توافد مئات النازحين إلى مركز إيواء" مستحدث، بينما لا يزال آخرون "ينتظرون في الشارع".
وصبيحة الإثنين أيضًا، تروي معلمة المدرسة عذراء قانصو من مدينة النبطية كيف أن "القذائف سقطت قرب مناطق سكنية ومكان تجمع مدارس في المنطقة".
وتضيف: "لو قدم الطلاب إلى مدارسهم، حتى لو لم يصابوا بأذى، لكان وضعهم النفسي عبارة عن فوضى عارمة".
بدوره، أعلن وزير التربية والتعليم العالي في لبنان عباس الحلبي الإثنين إغلاق المدارس والجامعات الرسمية والخاصة الثلاثاء في أنحاء لبنان.
رسائل نصية
وبعد وقت قصير من الغارات، تلقى سكان في بيروت ومناطق أخرى بينها جنوب لبنان اتصالات الإثنين عبر الهواتف الثابتة والنقالة مصدرها إسرائيل، يُطلب فيها منهم إخلاء أماكن وجودهم، وفق الوكالة الوطنية.
وأكد مكتب وزير الإعلام زياد المكاري لوكالة فرانس برس تلقيه اتصالًا تمّت خلاله "تلاوة رسالة مسجلة جاء فيها نطلب منكم أن تخلوا المبنى لئلا تتعرضوا للقصف".
ويقع المكتب في مبنى وزارة الإعلام بمنطقة الحمراء في غرب بيروت.
وفي بيان لاحقًا، قال المكاري: "هذا الأسلوب ليس غريبًا على العدو الإسرائيلي الذي يتوسّل كل السبل في حربه النفسية".
وأجلت الإذاعة الرسمية الواقعة في مبنى وزارة الإعلام كذلك موظفيها بعد تلقيها رسالة مماثلة، وكذلك أجلى مبنى تجاري في شارع الحمراء موظفيه بعد رسائل مشابهة، حسب وكالة فرانس برس.
وأفاد مواطنون الإثنين عن تلقيهم كذلك رسائل نصية عبر هواتفهم الخلوية، بينهم خالد الذي قال لفرانس برس متحفظًا عن ذكر اسمه الكامل: "تلقيت رسالة نصية جاء فيها إذا أنت متواجد في مبنى فيه سلاح لحزب الله ابتعد عن القرية حتى إشعار آخر".
وطلبت مدارس ودور حضانة في بيروت من الأهل الحضور لأخذ أولادهم مبكرًا، كما قال أولياء أمر.
ودوّت صفارات سيارات الإسعاف في العاصمة خلال اليوم، بعد ليلة طويلة الجمعة إثر غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية.