الموضة هي ظاهرة ثقافية ديناميكية ومتغيّرة باستمرار، وغالبًا ما تعكس روح العصر الثقافي. لكن في بعض الأحيان، تكون أحدث الاتجاهات مستوحاة من الماضي. وغالبًا ما أثّرت اللحظات المحورية في التاريخ على طريقة التعبير عن الذات وأنماط الملابس التي نختار ارتداءها.
وشكّلت الأحداث والشخصيات التاريخية من الطيارين المقاتلين في الحرب العالمية الأولى إلى الصيادين الأيرلنديين، الموضة على مرّ السنين. وتعرض هذه الأنماط الأنيقة الطبيعة الدورية للأزياء، بينما تُذكّرنا وفقًا لويليام فولكنر أنّ "الماضي لا يموت أبدًا".
وبالنسبة للجيل الجديد، تقدّم الملابس ذات التصاميم القديمة الآن مظهرًا جديدًا مريحًا ودافئًا بقدر ما هو أنيق.
أزياء معاصرة
ورصد موقع "هيستوري فاكتس" (historyfacts) 5 اتجاهات للأزياء المُعاصرة تربط بين الماضي والحاضر.
1- معطف الخندق (The Trench Coat)
حصل معطف الخندق على اسمه من حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى. لكنّ النمط نفسه تطوّر من الملابس الخارجية القطنية المطاطية التي تمّ ارتداؤها قبل قرن تقريبًا.
وكانت هذه الملابس المعروفة باسم "Macks" نسبة لمخترعها تشارلز ماكنتوش، مقاومة للعوامل الجوية، ولكنّها ذات رائحة كريهة وعرضة للذوبان في الشمس.
وتطوّر التصميم، عندما ابتكر المصمّمون أقمشة مقاومة للماء. وبحلول الحرب العالمية الأولى، كان معطف الخندق عنصرًا أساسيًا في زي ضباط الجيش البريطاني.
على مدار القرن الماضي، تحوّل معطف الخندق إلى قطعة أزياء شعبية متوفرة في مجموعة متنوّعة من الألوان والأقمشة لكل من الرجال والنساء.
ويصل طول معطف الخندق التقليدي إلى الركبة أو أقلّ؛ ولكن في السنوات الأخيرة تم ابتكار معطف الخندق القصير. ويحافظ هذا الطراز الجديد الأقصر على مظهر وبنية الطراز الكلاسيكي.
2- الثوب اليوناني (The Grecian Gown)
من الفستان المخملي الأزرق الذي ارتدته الممثلة جنيفر لورانس إلى حفل توزيع جوائز غولدن غلوب 2024، إلى فساتين الزفاف الرقيقة المستوحاة من الساتان والأورغانزا والدانتيل المستوحاة من الطراز اليوناني، تمت إعادة تفسير نمط الفستان الأنيق هذا على مر السنين، لكنه لم يخرج عن الموضة لفترة طويلة.
واستوحي هذا الثوب الذي يُشبه التوغا، من التماثيل اليونانية الكلاسيكية. ولكنّ صناعة الملابس من قطعة واحدة من القماش يعود تاريخها إلى الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر.
والثوب الإغريقي الكلاسيكي عبارة عن قطعة واحدة من القماش المجمّع، مثبتة عند الخصر بأربطة أو أحزمة.
وتُعدّ تصاميم اليوم أكثر تعقيدًا وتفصيلًا، لكنّها لا تزال تعكس الجمال الخالد المرتبط بالآلهة اليونانية.
وحظي الثوب الإغريقي بشعبية كبيرة على مر القرون. وقامت الاختلافات في النمط بتعديل خط الحاشية وخط الخصر وخط العنق، لكن مع الاستمرار في استحضار التصميم الكلاسيكي.
3- سترة بومبر (The Bomber Jacket)
تعود جذور "سترة بومبر" أو "سترة الطيران"، إلى الحرب العالمية الأولى، حيث صمّمها مجلس ملابس الطيران التابع للجيش الأميركي.
وكانت سترة الطيران الجلدية الأصلية شديدة التحمل "A-2" مصنوعة من الجلد البني أو الأسود مع سحاب أمامي، وأساور خصر مريحة، وياقة عالية ملفوفة.
وتضمّنت التصاميم اللاحقة، سترة الطيران "G-1" التي تم ارتداؤها في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت ذات ياقة وبقع مبطنة بالفراء، وسترة "MA-1" وهي نسخة أخفّ وزنًا من عصر الطائرات النفاثة مع غلاف من النايلون وبطانة من البوليستر.
وعلى الرغم من أصولها العسكرية، حظيت السترات الواقية من الرصاص بشعبية كبيرة بين السكان المدنيين على مر السنين. ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى أفلام مثل " Rebel With a Cause"، و"Top Gun"، و"Drive"، فضلًا عن انتشار موسيقى الهيب هوب في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي الآونة الأخيرة، أعلنت مجلة "Harper's Bazaar" أنّ السترة الجلدية الضخمة واحدًا من أهم الاتجاهات الجديدة في الملابس الخارجية النسائية.
4- قبعة الدلو (The Bucket Hat)
قد لا تبدو قبعة الدلو التي تُشبه الدلو المقلوب، ذات أهمية كبيرة في عالم الموضة؛ لكنّ المصممين يقولون إنّ غطاء الرأس المتواضع هذا يُمثّل أسلوبًا مهمًا.
يعود تاريخ تصميم القبعة إلى أوائل القرن العشرين، وكان شائعًا لدى الصيادين والمزارعين الأيرلنديين. ولهذا، تُعرف أيضًا باسم "قبعة الصياد".
في ذلك الوقت، كانت القبعات مصنوعة من الصوف أو قماش التويد، وهي مقاومة للماء بسبب وجود اللانولين في الصوف الخام. وتمتّعت بالمتانة للاستخدام في الهواء الطلق.
ونظرًا لكونها عملية، نالت إعجاب الجيوش في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الجيش والبحرية الأميركية، حيث وجدتها مفيدة للحماية من أشعة الشمس والمطر.
على الرغم من أصولها المتواضعة وغير المزخرفة، حظيت قبعة الدلو بشعبية واسعة النطاق في السنوات الأخيرة باعتبارها إكسسوار أزياء لا بد منه. وارتداها عدد كبير من المشاهير.
وتنوّعت تصاميمها بين القماش غير الرسمي لروّاد الشاطئ، إلى القبعات المصمّمة من أكبر دور الأزياء العالمية بأقمشة مثل النايلون والدنيم والتويد والشيرلينغ والساتان. وبهذا قطعت قبعة الدلو شوطًا طويلًا من جذورها الأيرلندية وتصميمها للطبقة العاملة.
5- الكاب (The Cape)
يعود تاريخ "الكاب" إلى أوروبا في العصور الوسطى. وكان لباسًا خارجيًا مشهورًا بدون أكمام للرجال والنساء لعدة قرون. وكانت تُثبّت عند الرقبة وتغطي الكتفين.
شقّ "الكاب" طريقه إلى الموضة الراقية في إنكلترا في العصر الفيكتوري، حيث تميّزت بالدانتيل والزخرفات. وفي العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، قام المصمّمون بدمج العباءات المصنوعة من الأقمشة الفاخرة مع فساتين السهرة الرائعة، لإضفاء لمسة عصرية على التصميم.
استمرّت دور الأزياء العالمية بتصميم "الكاب" الأنيق في الستينيات، وارتداه العديد من مشاهير هوليوود.
وبينما يتبنى المصمّمون المعاصرون الاتجاه الفاخر الهادئ، يجذب "الكاب" الأنيق الانتباه مرة أخرى على السجاد الأحمر وممرّات العرض، ويستقطب معجبين جدد.