أُقر قانون الإجراءات الجنائية المصري في العهد الملكي عام 1950، أي قبل أن تصبح مصر جمهورية بثلاثة أعوام، وهذا يعني أن عمر القانون 74 عامًا لم يتغير فيها وإن كان قد أُدخلت عليه بعض التعديلات في أوقات متفرقة.
وطرح قانون الإجراءات الجنائية الذي ينظم إجراءات التحقيق والمحاكمة بالنسبة للمتهمين أمام البرلمان المصري بعد توجيه رئاسي بإعادة صياغة المواد المتعلقة بمدة الحبس الاحتياطي.
وهذه المرة تبدو إجراءات العمل على القانون أسرع من المعتاد. وعلى الفور، كانت الحكومة جاهزة، وعلّق رئيسها مصطفى مدبولي على توجيه الرئيس بالأمس في مؤتمر صحافي.
تركيز رسمي
ويبدو أن التركيز الأكبر من قبل الحكومة والرئيس ينصب على المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي والمدة التي يحق فيها لجهات التحقيق أن تحبس المتهم، من دون أن يكون لديها دليل على إدانته.
وتقترح مسودة القانون الجديد أن يكون الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي بالنسبة لقضايا الجنح أربعة أشهر بدلًا من ستة أشهر، وبالنسبة لقضايا الجنايات 12 شهرًا، أي عامًا واحدًا، بدلًا من 18 شهرًا، وهي عام ونصف.
أمّا الجنايات التي قد تصل عقوبتها للسجن المؤبد أو الإعدام، فتكون المدة فيها ثمانية عشر شهرًا، ما يساوي عامًا ونصفًا بدلًا من أربعة وعشرين شهرًا. وفي كل الحالات يجب ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي العامين.
وشكلت المسودة تعديلات أخرى كثيرة، كانت مواد الحبس الاحتياطي أبرزها إلى جانب مواد تتعلق بالمرأة المحكومة بالإعدام، بحيث لا ينفذ فيها الحكم إذا كانت حاملًا أو مرضعة حتى يتجاوز طفلها العامين.
لكن ما حجم المستفيدين من هذا القانون في حال إقراره؟ لا يوجد إحصاء واضح لأعداد المتضررين من قانون الحبس الاحتياطي الحالي، لكن منظمات حقوقية تقدر تلك الأعداد بالآلاف خصوصًا من المتهمين في قضايا ذات طابع سياسي.
تجاوز مدة الحد الأقصى
وتحدثت تقارير حقوقية عن إخراج جهات التحقيق هذا القانون عن جوهره باستخدامه أداة عقاب وقمع لمعارضي الحكومة، وليس إجراء احترازيًا يخدم سير التحقيقات بالإضافة إلى التحايل على نص القانون وتجاوز مدة الحد الأقصى المنصوص عليها عبر ما تسميه التقارير سياسة التدوير، وهي محاكمة المتهمين في قضايا جديدة فور انتهاء مدة حبسهم الاحتياطي.
وأثارت توصية الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعمل على القانون جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
وتوزع هؤلاء بين متفائل بانفراجة على المستوى الحقوقي في البلاد؛ وبين من يعتبر الأمر مجرد مناورة سياسية تشبه إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قبل أعوام.
وقالت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل: "لأننا في حزب الدستور والحركة المدنية مع كل إجراء لصالح المواطن من شأنه دعم حريته وأمانه ورزقه وحياته بكرامة في مصر؛ نتمنى أن يكون ذلك التسريع خطوة جيدة في إطار تحقيق العدالة والحد من التنكيل بالناس وتدويرهم بعد الإفراج عنهم".
بدوره، قال الحقوقي جمال عيد في تعليق طويل جاء فيه: "الادعاء أن مشكلة السجناء في مصر هي النصوص القانونية لمدة الحبس الاحتياطي، وأن الحل هو تعديل تلك النصوص! كذب. المشكلة الأولى، غياب الإرادة لاحترام القانون، بل والدستور نفسه. المشكلة الثانية، غياب استقلال القضاء. المشكلة الثالثة هي غياب الأسباب الحقيقية والجادة لحبس الناس من أساسه".
من جهته، قال المحامي خالد المصري: "هو لا شك نقلة نوعية في ملف المعتقلين في مصر، ومن السذاجة أن نعتبر أنه خصيصا للجنائيين فقط بل هو للسياسيين أيضًا وربما كان خصيصًا لهم".
أمّا أحمد خليفة وهو معتقل سابق فرأى أن المشكلة ليست في نصوص القوانين. ويقول عن تجربته: "لقد حُبست في ظل قانون الحبس الاحتياطي الحالي والذي أقصى مدة له عامان، حبست على ذمة قضية واحدة، ثلاثة أعوام ونصفا، وفي نفس القضية هناك شاب اسمه إبراهيم محبوس حتى اللحظة منذ أكثر من أربع سنوات. مئات المحبوسين يخلى سبيلهم ثم يتم تدويرهم على ذمة قضايا جديدة وقد حبسوا لمدد تصل لستة أو سبعة أعوام".
ويفترض أن يناقش البرلمان القانون الجديد فور عودته من العطلة لدورة الانعقاد الجديدة في أكتوبر القادم.