بعد مرور أكثر من 100 ساعة على وقوع الزلزال المدمّر تستمر المأساة. وفي الوقت الذي يحاول فيه الناجون تصديق ما يحصل من حولهم، تنهال عليهم التبعات المؤلمة، ليس أقلّها نفاد الطعام، ومواجهة الجوع، ومخازن الغذاء التي بدأت بالنفاد في الشمال السوري.
فالعاملون في المخازن، كغيرهم ممن نجوا، غير قادرين على التحرّك لجلب المزيد؛ والمعابر المفتوحة غير كافية لدخول ما يلزم لسد الحاجات في حدها الأدنى، وفق برنامج الأغذية العالمي.
وقال البرنامج: إن سكان هذه المناطق المتضرّرين أصلًا من مآلات النزوح واللجوء والحروب يعتمدون بنسبة 90% على المساعدات الإنسانية، مضيفًا أن هذه المساعدات دائمًا ما تُشكّل مصدر قلق.
وتتعدّى تأثيرات الكارثة لتشمل أيضًا نقص الوقود والكهرباء والمياه النظيفة، وهي الجدار المنيع أمام الأمراض.
ففي آخر تحديث لـ"اليونيسيف"، تشير المنظمة العالمية إلى أن أخطار الإصابة بالأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا والإسهال، هي في أعلى مستوياتها في أعقاب الكارثة؛ ما دفع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى التوجّه شخصيًا إلى المنطقة، ومعاينة الحالة على الأرض. وأعلنت منظمته عن ولادة أزمة إنسانية كبرى هناك، من شأنها التسبّب بأضرار تُضاف إلى ما خلّفه الزلزال.
وهي حالة تخوّفت منها العديد من المنظمات والهيئات العالمية، التي طالما أصدرت تقارير تؤكد معاناة سوريا من الدمار الواسع للبنية التحتية من مياه وصرف صحي بسبب الحرب.
"مساعدات لا تُذكر"
في المقابل، تبقى مساهمات الشعوب والهيئات والمنظمات الإغاثية البسيطة والتلقائية أكثر فائدة وتأثيرًا حتى الآن، وفقًا لمنظمة "الخوذ البيضاء".
وتخوض الأمم المتحدة محادثات ولقاءات لتوسيع آلية إدخال المساعدات إلى سوريا، بينما يعد الأوروبيون بتنظيم مؤتمر دولي للمانحين بهدف جمع التبرعات لدعم العمليات الإنسانية والإغاثية.
المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية سامويل ويربيرغ: لا توجد عوائق أمام إيصال المساعدات الإنسانية لأي شعب في العالم بسبب العقوبات الأميركية#العربي_اليوم#زلزال_سوريا_تركيا pic.twitter.com/dFVMEF9vvx
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 10, 2023
أما الأميركيون فقد أعلنوا رفع بعض العقوبات مؤقتًا، بهدف إيصال مساعدات إلى السكان المتضرّرين.
وفي هذا الإطار، أوضح أحمد اليازجي، عضو مجلس إدارة الدفاع المدني في سوريا، أن المساعدات المقدّمة لشمال غربي سوريا إزاء هذه الكارثة "لا تُذكر"، مقارنة بعدد القتلى والمصابين، وحجم الدمار، خاصة وأن فرق الإغاثة لا تزال تبحث عن مفقودين حتى الآن.
وقال اليازجي في حديث إلى "العربي" من سرمدا: إن المساعدات اللوجستية والآليات الثقيلة المطلوبة لانتشال الردم والمساعدة في البحث على ناجين لم تصل إلى سوريا رغم مرور 105 ساعات على وقوع الزلزال، وهو ما يقلّل إمكانية العثور على ناجين.
"استجابة الأمم المتحدة دون المستوى"
من جهته، اعتبر الدكتور فاضل الزعبي، الخبير في الأمن الغذائي والطوارىء، والرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة للأغذية، أن استجابة الأمم المتحدة للكارثة كانت "دون المستوى"، معتبرًا أن عدم وصول المساعدات إلى سوريا أمر لا يُمكن استيعابه أو فهمه، خاصة وأنه في حال وقوع أي كارثة طبيعية يُعتبر الوقت عنصرًا مهمًا جدًا لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض.
وقال الزعبي في حديث إلى "العربي" من عمان: إن الزلزال زاد من مأساة النزوح، ناهيك عن انخفاض درجات الحرارة، ومخاوف من انهيار السدود، معتبرًا ألا مبرر لتأخر وصول المساعدات اللوجستية، والغذائية، والمتطوّعين القادرين للمساعدة في عمليات الإغاثة.
لماذا لا يتم إرسال آليات ثقيلة لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض في #سوريا؟.. المنسق الأممي الإقليمي للشؤون الإنسانية لسوريا يجيب 👇#زلزال_تركيا_وسوريا pic.twitter.com/y0nsj53cCN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 10, 2023
وسأل: "لماذا لا يزال المجتمع الدولي والأمم المتحدة مصمّمين على الالتزام باستخدام معبر واحد دون المعابر الأخرى، رغم أن ما تمرّ به سوريا هو أزمة إنسانية لا سياسية؟".
وأوضح أن الأمم المتحدة تبرّر تقصيرها بعدم وجود آليات ثقيلة في مخازنها، لكن الأجدى بها أن تجلبها من السوق التجاري الأوروبي، من خلال استعارتها أو استئجارها أو حتى اللجوء إلى الدول الغربية لتوفيرها.
"معاناة لا مثيل لها"
بدوره، أوضح جيمس موران، الزميل في مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل والدبلوماسي السابق، أن ما يحصل في سوريا وتركيا "مأساة كبيرة"، خاصة وأن معاناة الشعب السوري "لا مثيل لها"، لناحية عدم نفاذ وسائل الإعلام الأجنبية إلى سوريا لنقل المأساة، مع إصرار النظام السوري على عزل تلك المنطقة.
وقال موران في حديث إلى "العربي من بروكسل: إن منسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة سيتواصل مع النظام السوري خلال الساعات القليلة المقبلة، في محاولة لفتح المعابر كافة وضمان سلامة عدم تعرّض قافلات المساعدات والإغاثة للقصف الروسي.
وأضاف أن الأمم المتحدة لم يكن بإمكانها استخدام المعابر الرسمية الأخرى من دون وجود ضمانات أمنية بعدم تعرّض القوافل للقصف.