لم تلقَ دعوة التهدئة في لبنان ترحيبًا في إسرائيل، إلا من زعيم المعارضة يائير لابيد، ولكن لمدة أسبوع واحد فقط. أمّا اليمين المتطرّف فهدّد بإسقاط الحكومة في حال إبرام اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار مع "حزب الله".
وعقب الدعوة للتهدئة، سرعان ما سرت أنباء أفادت بتوجّه إسرائيلي لتخفيف القتال في الشمال، لكنّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفى هذه الأخبار، مؤكدًا أنّ نتنياهو أصدر تعليماته للجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكل قوة.
بدوره، أكد رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أنّ الهجمات مستمرة، وأنّهم انتظروا هذه الفرصة منذ سنوات.
وعقب تعليمات نتنياهو، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، كان هدفها اغتيال قائد الوحدة الجوية في "حزب الله".
كما واصل جيش الاحتلال اعتداءاته على مناطق عدة في البقاع والجنوب اللبناني، ما أسفر عن استشهاد العشرات.
وفي ظل هذا التصعيد والرفض الإسرائيلي الصريح لمقترح الهدنة، اتّجهت الأنظار نحو موقف واشنطن من هذا الرفض الإسرائيلي ودورها في مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة في ضوء التعنّت الإسرائيلي.
فاكتفى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بتكرار ما ورد في بيان الهدنة بشأن الحاجة إلى وقف لإطلاق النار دون أن ينتقد الموقف الإسرائيلي، فيما أعلنت تل أبيب أنّها حصلت على حزمة مساعدات أميركية بقيمة 8.7 مليار دولار، لـ "دعم جهودها الحربية الحالية".
هل أخفقت واشنطن في مسعى التهدئة في لبنان كما في غزة؟ وما هو الدور الفرنسي ومدى تأثيره في التهدئة؟ وهل ستنتهج إسرائيل الإستراتيجية نفسها التي اتبعتها في مفاوضات غزة؟
وما هي الخطوط الحمراء لـ"حزب الله" في المفاوضات، والتنازلات التى من الممكن أن يُقدّمها للوصول إلى حل؟
"واشنطن لم تضغط على إسرائيل لوقف الحرب"
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أنّ نتنياهو كان يتمرّد على الولايات المتحدة منذ سنة من الآن، والولايات المتحدة لم تُمارس ضغطًا على إسرائيل لوقف الحرب في غزة أو لبنان.
وقال لانديس في حديث إلى التلفزيون العربي من أوكلاهوما، إنّ واشنطن لن تتوقّف عن توفير السلاح لإسرائيل أو دعمها، ولا يستطيع أحدًا أن يُنكر ذلك.
وأضاف أنّ نتنياهو استهزأ باقتراح وقف إطلاق النار، وبالحكومة اللبناني التي وصفها بأنّها "غير حقيقية، ولا تملك نفوذًا في لبنان"، وبالتالي فإنّه سوف يمضي قدمًا في حربه على لبنان.
"مواجهة مفتوحة لا أحد يعلم كيف يُمكن أن تنتهي"
من جهته، أوضح منير الربيع مسؤول القسم السياسي في جريدة "المدن"، أنّ "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري يعتبران أنّ نتنياهو لا يزال يناور ويتهرّب من كل الضغوط الدولية، ويُصرّ على مواصلة العملية العسكرية في لبنان.
وقال الربيع في حديث إلى التلفزيون العربي من بيروت، إنّ الطرف المفاوض في لبنان لا يُمكنه الإعلان عن إجهاض أي مسعى لوقف إطلاق النار، بل سيتمسّك بالمساعي الرامية إلى ذلك.
وأضاف أنّ بري يصف نتنياهو بأنّه يكذب على الجميع، وأنّه قد اطّلع مسبقًا على المقترح الأميركي، لكنّه تراجع عنه لأسباب متعدّدة.
وأكد أنّ الأمر مرهون بانتظار ما ستؤول إليه الاجتماعات التي سيعقدها نتنياهو في نيويورك، لا سيما مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط آموس هوكستين.
ونقل الربيع عن بري قوله إنّ الولايات المتحدة كانت قد وعدت بالعمل الجدي على الوصول إلى "رفع الغمّة عن لبنان وغزة"، وأنّه يعتبر أنّ هذا المبادرة وإصدار بيان عن مجموعة من القوى الدولية والعربية للمطالبة بوقف إطلاق النار في لبنان وغزة هو "إعادة إحياء للقرار الذي صدر عن مجلس الأمن ويُطالب بوقف إطلاق النار في غزة".
ولكن في الوقت نفسه، فإن بري مقتنع بأنّ نتنياهو سيواصل عملياته العسكرية ولمدة طويلة، بينما لا تُمارس واشنطن الضغط الكافي على تل أبيب على الرغم من كل من الوعود، مضيفًا: "إن أرادوا ممارسة الضغط، فإن نتنياهو لن يمنحهم هذه الورقة على أعتاب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".
أما بالنسبة إلى "حزب الله"، فرأى الربيع أنّ "حزب الله" يعتبر أن هناك مسارين: المسار الدبلوماسي والتفاوضي والمسار العسكري المتمثّل في الحملة العسكرية الإسرائيلية الموسّعة، وبالتالي سيكون هناك توازنًا بين المسارين في المرحلة المقبلة.
وأكد الربيع أن ما يحصل الآن هو مواجهة مفتوحة لا أحد يعلم كيف يُمكن أن تنتهي.
"لدى نتنياهو إمكانيات واسعة للتأثير على الأميركيين"
بدوره، رأى جاكي خوري المختصّ في الشأن الإسرائيلي، أنّ نتنياهو يشعر دائمًا بالنشوة بوجوده في الولايات المتحدة كونه يعرف جيدًا كيف يتعامل مع الأميركيين، لا سيما مع الدعم الأميركي المتواصل له مهما اختلفت الإدارات.
وقال خوري في حديث إلى التلفزيون العربي من الناصرة، إنّ لدى نتنياهو إمكانيات واسعة للتأثير على الأميركيين، والصحافة الأميركية التي تغازله أو تلاطفه.
ورأى أنّ نتنتياهو أثبت حتى على مستوى الرأي العام في إسرائيل، أنّه يستطيع الوقوف بوجه أي ضغوط أميركية قد تمارس عليه، ويُحقّق ما يُريد على المستوى السياسي على الأقل في المنظور القريب، لناحية البقاء في السلطة.