توّجت النيجر تاريخها الحافل بالانقلابات العسكرية، بانقلاب جديد على حكم الرئيس محمد بازوم.
ففي 26 يوليو/ تموز الماضي، وجد بازوم نفسه محتجزًا في قصره الرئاسي، جراء انقلاب قائد الحرس الرئاسي الجنرال عمر عبد الرحمان تياني.
ومنذ ذلك الحين، لا يزال الرئيس المعزول حبيس قصره، ولا تزال العيون الدولية تترقب تداعيات لن تقف بحسب المحللين عند حدود النيجر.
تباين المواقف الدولية
منذ اليوم الأول للانقلاب، سارع رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، إيكواس، للملمة التداعيات، فخرجت النقاشات بعقوبات فرضت على النيجر مع تلويح بتدخل عسكري إن لم يعد الانقلابيون إلى ثكناتهم وإذا لم تنجح مبادرات الحوار معهم.
تدعم إيكواس عودة حكم بازوم وتراجع الانقلابيين، في موقف مشابه لدول عدة. فمن بريطانيا وألمانيا جاء دعم بازوم، وإدانة واضحة للانقلاب.
كذلك جاء الموقف الأميركي واضحًا عبر اتصال بين وزير الخارجية أنتوني بلينكن والرئيس المخلوع محمد بازوم، حيث أكد المسؤول الأميركي التزام بلاده بإعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا إلى السلطة.
من جهتها، دعت إيطاليا لاعتماد الحل السلمي واستبعاد الخيار العسكري. وكذلك جاء الموقف من ليبيا التي تخشى من تداعيات ذلك على الدولة التي تشاركها الحدود.
أما الصين فقد جاء تعليقها رماديًا، قائلة إن النيجر ودول المنطقة تمتلك الحكمة والقدرة لإيجاد حل سياسي للوضع الراهن.
أما الموقف الروسي الذي وصفه البعض بالمبطن، فقد دعا إلى تنظيم حوار وطني لضمان سيادة القانون، مع رفض أي تهديد عسكري لن يسهم في تسوية الصراع.
أزمة في فرنسا
هنا يبقى لفرنسا الموقف الأهم، فهي صاحبة النفوذ في الدولة التي استعمرتها لعشرات السنين، وترى في عزل الرئيس المقرب منها تداعيات تطال يدها القابضة على البلد الغني باليورانيوم.
تمسكت فرنسا في دعمها للرئيس محمد بازوم، مؤكدة أنها لن تعترف بسلطة أخرى، ونافية في الوقت نفسه أي نية للتدخل العسكري في النيجر.
شهدت 5 انقلابات منذ الاستقلال عام 1960.. تعرفوا إلى أبرز المحطات السياسية للنيجر 👇 #تقدير_موقف #النيجر pic.twitter.com/LCTIz1oIbh
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 7, 2023
وسارعت باريس إلى إجلاء الرعايا الأجانب، معلنة عن إجلاء 1079 شخصًا، بينهم 577 فرنسيًا.
وفي مقابل نوايا التدخل العسكري، خاصة من جانب إيكواس، خرج صوت مضاد يعلن جهرًا دعم الانقلابيين. إذ قال المجلسان العسكريان الحاكمان في بوركينا فاسو ومالي، إن أي تدخل خارجي لإعادة الحكومة المخلوعة سيعتبر إعلانًا للحرب.
إذًا، للانقلاب العسكري في النيجر انعكاسات قد تخلف زعزعة في الإقليم ودول الجوار، هذا مع تحول جذري ترتقبه البلاد جراء تبدل النفوذ فيها من خلال تقصير أجنحة فرنسا، وربما استبدالها بروسيا التي يتسع بساطها في القارة الإفريقية، مستغلة أي فرصة لإشعال ساحة جديدة تشغل فيها بال أوروبا.
استياء من فرنسا
في هذا السياق، ترى مديرة البرنامج الإفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية أماني الطويل أن "الانقلابيين اعتمدوا سياسة ذكية عبر الإبقاء وعدم الاعتداء أو ترحيل بازوم".
وتشير الطويل، في حديث إلى "العربي" من القاهرة، إلى أن "الاعتداء على الرئيس بازوم أو قتله أو ترحيله يمكن أن تترتب عليه نتائج سلبية للانقلابيين".
وتقول الطويل: "السلطة الانقلابية تفكر في نموذج مالي وبوركينا فاسو، اللتين توصلتا مع الغرب وإيكواس إلى حلول وسطية".
وتضيف: "السلطات الانقلابية في هذين البلدين التزمت بفترة انتقالية، واعدة بإجراء انتخابات، ما أعطى شرعية للسلطة الانقلابية".
وتشدد الطويل على أن "الشعب في النيجر اقتنع بأن التحالف مع فرنسا لم يحسن المستوى المعيشي للمواطنين".
أزمة عند الانقلابيين
من جهته، يعتبر الباحث المتخصص في شؤون غرب إفريقيا إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا أن "الانقلابات السابقة في النيجر كان هدفها دعم المسار الديمقراطي على عكس ما يحصل اليوم".
ويؤكد يعقوب الشيخ سيديا، في حديث إلى "العربي" من نواكشوط، أن "الانقلاب الحالي كان مغايرًا وغير مقنع من الناحية الديمقراطية".
بعد إغلاقهم المجال الجوي ورفضهم مهلة "إيكواس".. هل أصبح انقلابيو #النيجر على أهبة الاستعداد لأي تدخل عسكري خارجي؟ تقرير: سلمان النجار pic.twitter.com/Ah3cxT5oqE
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 7, 2023
ويقول: "تغيرت قيادة الجيش مرتين منذ بداية الانقلاب، ما يظهر عدم ثبات التحالفات عند القوى العسكرية".
ويضيف: "الحرس الرئاسي لم يكن أبدًا قوة داخل الجيش، ولا يوجد اليوم أي إجماع داخل صف الضباط، وهذا يظهر في التعيينات التي حصلت عند الانقلابيين".
غياب البرنامج
بدورها، ترى الخبيرة في شؤون الأمن الدولي آن غويديتشيللي أن "الانتخابات الأخيرة في النيجر كانت إجراءً وطنيًا بعيدًا عن أي تدخل خارجي".
وتشدد غويديتشيللي على أن "ما يُقال عن أن الرئيس بازوم يؤدي أدوارًا خارجية غير صحيح، فهو وصل بانتخابات شرعية".
وتقول: "الرئيس بازوم يعامل بشكل جيد ليستخدم بطاقة في المفاوضات وليقولوا إنهم عاملوه بشكل حسن".
وتؤكد الخبيرة السياسية أن "الانقلاب الحالي لا يمتلك أي رؤية أو برنامج للمرحلة المقبلة، على عكس ما حصل في مالي وبوركينا فاسو".