تحقيق أوروبي مع مسؤولين ماليين في لبنان.. ضرورة أم انتقاص من السيادة؟
كشفت مصادر لـ"العربي" أن 30 مسؤولًا ماليًا لبنانيًا سيحقَّق معهم ابتداءً من الإثنين المقبل في قضايا مرتبطة بتحديد مصادر أموال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الموجودة في مصارف أوروبية، وتحويلات مالية حصلت أيضًا من لبنان إلى الخارج في السنوات الأخيرة.
هذه الخطوة، تأتي بعد اتفاقٍ جديد بين لبنان وكل من فرنسا، وألمانيا، ولوكسمبورغ، يقضي بمثول المسؤولين الماليين أمام قضاة لبنانيين في قصر العدل، وبحضور محققين أوروبيين يصلون بيروت غدًا الأحد.
حاكم المركزي لن يخضع للاستجواب
وعلّق النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على هذه التحقيقات، حيث أكّد أن الأشخاص المطلوب استجوابهم من قبل الوفد القضائي الأوروبي ليس من ضمنهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وأشار عويدات في تصريحات صحافية أيضًا، إلى أن مهمّة الوفد القضائي الأوروبي هي استجواب أشخاص استجوبهم القضاء اللبناني في السابق بصفة شهودٍ، باستثناء واحدٍ سيتم استجوابه باعتباره مشتبهًا فيه.
كما أضاف القاضي أن زيارة الوفد، قد تليها زيارات أخرى لكن ليس بالضرورة بطريقة متتالية، بل بحسب الحاجة، على حدّ قوله.
جدل يرافق زيارة الوفد الأوروبي
في المقابل، أثارت الزيارة المرتقبة جدلًا سياسيًا وقضائيًا كبيرًا في لبنان، حيث قال معارضو هذا التحقيق: إن قدوم الوفد الأوروبي يعد انتهاكًا لا لبس فيه لسيادة لبنان واستقلال القضاء فيه.
في المقابل، اعتبر المؤيدون أن التحقيق المرتقب واجب النفاذ لسببين، الأول هو أن لبنان موقع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وبالتالي فهو ملزم بالتعاون قضائيًا فيما يخصّ الجرائم المالية سواء خارج البلاد أم داخلها.
أما السبب الثاني، فمردّه إلى قناعات مفادها أن تحقيقات الوفد الأوروبي قد تقود إلى كشف خيوط فساد مالي في البلاد، عجزت التحقيقات القضائية المحلية وما رافقتها من تدخلات سياسية عن فكّ طلاسمه.
هل ينتقص التحقيق الأوروبي من سيادة لبنان؟
متابعةً لهذا الملف، يرى الكاتب الصحافي يوسف دياب أن ما يحصل في لبنان هو بمثابة حالة فريدة وطارئة على إجراءات قضائية مرعية يتّبعها لبنان والدول الموقّعة على اتفاقيات قضائية معه.
ويؤكّد دياب أن القانون اللبناني يرعى التعاون مع أي قضاء أجنبي بموجب اتفاقيات التعاون الموقعة بشرط اتبّاع إجراءات معينة، أي أنه في حال أرادت أي دولة أوروبية استجواب أفراد لبنانيين ثمة شبهات عليهم في بلادهم، فيفترض عليها إرسال استنابة قضائية إلى القضاء اللبناني.
كما يشرح الكاتب الصحفي لـ"العربي" أنه من الممكن أيضًا إرسال وفد يضم محققين من الدولة الأجنبية المعنية يحضرون جلسة الاستجواب، في حين يتولاها قضاة لبنانيون وهم من يطرحون الأسئلة التي يريدها الوفد الأجنبي، ويتلقون الأجوبة التي يريدونها ويعودون بها إلى بلادهم.
وعليه، يعتقد دياب أن الطريقة التي اعتمدت اليوم من قبل الوفد الأوروبي مخالفة لكل الإجراءات المذكورة، لافتًا إلى أنه تم إبلاغ القضاء اللبناني بأن الوفود القضائية الأوروبية هي بصدد المجيء إلى بيروت لاستجواب 30 شخصية مالية واقتصادية، على رأسها حاكم مصرف لبنان في قضية تحويل أموال إلى الخارج وربما عمليات فساد وتبييض أموال.
ويتابع من بيروت: "هذه الخطوة استفزت الأوساط القضائية اللبنانية، التي أبدت اعتراضًا واسعًا على طريقة مخاطبة القضاء وتجاهل دوره وصلاحياته السيادية بالنسبة لتطبيق القانون والإجراءات".
ما هو الغطاء القانوني للوفد الأوروبي؟
أما أستاذ القانون الدولي ورئيس منظمة "جوستيسيا" الحقوقية بول مرقس، فيوضح من جهته أن السند القانوني الذي يعتمده الوفد الأوروبي هو اتفاقية مكافحة الفساد التي أبرمها لبنان عام 2008.
ويقول مرقس: إن الحديث عن انتقاص من سيادة لبنان "لا يقدم ولا يؤخّر" في هذا الملف، كون الدولة اللبنانية قد أبرمت هذه الاتفاقية من دون تحفظ حينها، فضلًا عن كون وزراء العدل والخارجية المتعاقبين أحالوا المراسلات الصادرة والواردة إلى النيابة العامة، ولأن لبنان لم ينسحب من هذه الاتفاقية ما يفرض على القاضي اللبناني تطبيق الاتفاقيات الدولية والقوانين اللبنانية.
ويضيف أستاذ القانون الدولي: "المشهد طبيعي ما عدا ما ورد في مضمونه، كون التحقيقات مؤسفة ومحزنة للنظام المصرفي والمالي اللبناني، وأين وصل به الأمر".
هل أعطي الوفد الأوروبي الضوء الأخضر؟
بدوره، يتحدث الكاتب الصحافي طلال عساف لـ"العربي" عن وجود مجموعة من السوابق منح فيها قضاة أجانب حق التحقيق المباشر مع مشتبه بهم في قضايا فساد، وعلى أرضٍ لبنانية.
ومن هذه السوابق وفق عساف، إعطاء قضاة فرنسيين حق التحقيق مع رجل الأعمال اللبناني كارلوس غصن في لبنان، بالإضافة إلى قضايا أخرى استلمها المدعي العام السابق حاتم ماضي حيث استقبل وفودًا أجنبية للتحقيق فيها أيضًا.
ويردف من بيروت: "كما فهمنا، فقد أعطي حق المباشرة بالإجراءات القضائية التي طلبتها المجموعة القضائية الأوروبية. وقد صرح عن هذا الأمر مدعي عام التمييز الذي تحدث عن طلبات مساعدات قضائية وصلته قبل نهاية السنة".
وبالتالي، يلحظ الكاتب الصحافي أن الأمور اللوجستية قد أعدّت إنما ليس مفهومًا بعد سبب "الهلع" المرتبط بالتحقيق الأوروبي، فيعلل أن هذا الأمر يمكن تفسيره بسبب واحد وهو وجود منظومة ممانعة لا تريد المحاسبة وترغب في الإفلات من العقاب.
ويكمل من بيروت: "لا أحد ينكر أن هناك سرقة لأموال اللبنانيين من قبل المنظومة المصرفية. ولو قام القضاء اللبناني بما يتوجب عليه بهذا الملف لما كان لبنان بحاجة لمساعدة من وفود قضائية أوروبية للتحقيق مع من يشتبه بهم".