السبت 16 نوفمبر / November 2024

تحقيق لـ"العربي" يكشف السرّ.. من وراء التحريض على السوريين في تركيا؟

تحقيق لـ"العربي" يكشف السرّ.. من وراء التحريض على السوريين في تركيا؟
الثلاثاء 23 يوليو 2024

شارك القصة

أوقفت تركيا 474 شخصًا على خلفية التحريض ضد اللاجئين السوريين
أوقفت تركيا 474 شخصًا على خلفية التحريض ضد اللاجئين السوريين - غيتي

عاد الخطاب العنصري في تركيا إلى الواجهة من جديد عقب الأحداث التي شهدتها ولاية قيصري، وذلك بعد انتشار شائعات تفيد باغتصاب طفلة تركية على يد سوري بالمدينة، في الوقت الذي نفت فيه السلطات تلك الادعاءات وأشارت إلى أن الطفلة تحمل الجنسية السورية.

واندلعت أعمال شغب وسلسلة اعتداءات وتدمير وإحراق جماعي استهدفت ممتلكات سوريين مساء 30 يونيو/ حزيران 2024 في ولاية قيصري وسط تركيا.

خيط من قيصري

وعقب ذلك، أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا عبر حسابه على منصة "إكس"، عن توقيف 474 شخصًا من بينهم 285 من أصحاب السوابق على خلفية التحريض ضد اللاجئين السوريين.

وانتقلت تلك الحالة من التحريض في الشوارع إلى منصات التواصل التركية، حيث أعلن وزير الداخلية التركي في تغريدة سابقة له، أن 68% من منشورات منصات التواصل الاجتماعي حول أحداث قيصري أهدافها "استفزازية"، وأن هناك تحقيقات أطلقت بحق 63 حسابًا.

جانب من تدمير محلات تعود لسوريين في ولاية قيصري - إكس
جانب من تدمير محلات تعود لسوريين في ولاية قيصري - إكس

وأوضح عبر "إكس"، أن هذه المنصة شهدت نشر 343 ألف منشور عبر 79 ألف حساب، مشيرًا إلى أن 37% من هذه المنشورات نشرت من قبل حسابات وهمية أوتوماتيكية.

إذ ما حصل في ولاية قيصري، كان خطابًا عنصريًا وتحريض على استغلال الحادثة ونشر شائعات وأخبارًا مفبركة، وادعاء أن ما جرى كان اغتصابًا لطفلة تركية.

وعمل فريق "التلفزيون العربي" على تحليل النقاش التركي حول أحداث قيصري، والذي حصد ما يقارب المليون و535 ألف تفاعل، من قبل حوالي 527 ألف حساب، وذلك ما بين 30 من يونيو تاريخ واقعة قيصري، و5 من يوليو الحالي.

وبلغت نسبة التفاعل عبر إعادة نشر الخبر 84%، بينما بلغت نسبة المنشورات الأصلية 15%.

أحداث قيصري

وانتشر وسمان في النقاش والتفاعل حول أحداث قيصري هما "لا أريد طالبي اللجوء في بلدي"، "لا أريد لاجئين في بلدي".

وقد تركز معظم التفاعل في تركيا بنسبة 87%، وظهر بعض التفاعل في الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة ودول أخرى.

كما أن 48% من التفاعل من تلك الوسوم جاء من قبل حسابات غير محددة الجنس، وهو ما يؤشر على وجود بارز للحسابات الوهمية.

حسابات التحريض

وبتحليل عينة من التفاعلات التي شارك فيها أكثر من 16 ألف حساب وجد أن أكثر من 18% من هذه الحسابات منشأة حديثًا، وتحديدًا خلال سنة فقط.

اللافت أن 60% من هذه الحسابات أنشئت في العام الحالي، بينما 135 حسابًا أنشئت في يوم واحد فقط وهو الأول من يوليو/تموز 2024 أي بعد يوم من أحداث قيصري.

وحول تحديد التفاعل داخل تركيا جغرافيًا، فقد فجاءت مدينة اسطنبول في المقدمة، ثم أنقرة، وإزمير، وهي المدن التي تحظى بأغلبية حزبية لحزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا.

بينما حلّت ولاية قيصري التي جرت فيها الواقعة رابعًا، وهي تعتبر مؤيدة بأغلبيتها لحزب العدالة والتنمية.

وبتحديد المحتوى العنصري والتحريضي ضد السوريين، من خلال حصر الكلمات المفتاحية فقد ظهرت الجمل التالية: "السوريون إلى سوريا"، و"تركيا للأتراك"، وغيرها من العبارات التحريضية.

وجرى التفاعل معها بنسبة أكثر من 183 ألف تفاعل، يوصف بالعنصري من قبل 92 ألفًا 515 حسابًا.

وكانت ذروة هذا النقاش في الأول من يوليو/تموز 2024 تزامنًا مع أحداث العنف ضد السوريين في قيصري.

ولمعرفة ما إذا كان هذا الزخم العنصري في تركيا ضد السوريين وليد الأحداث الأخيرة؛ فإنه بالرجوع إلى ما قبل أحداث قيصري وتحديدًا لشهر يناير/ كانون الثاني 2024، تبين أن النشاط والخطاب التحريضي والعنصري كان موجودًا وشهد صعودًا ملحوظا أوائل شهر مارس/ آذار الماضي.

أحداث قيصري

وقد وصل لذروته في 28 من يونيو/ حزيران الماضي، فمثلًا هذا التفاعل الذي حصل قبل يومين فقط من أحداث قيصري كان نتيجة هذه التغريدة التي تدعي أن لاجئًا عراقيًا اغتصب فتاة عراقية تبلغ من العمر 17 عامًا، وألقى بها في البحر المتوسط أثناء رحلة هجرة غير شرعية إلى إيطاليا.

وهذا الخبر لا علاقة له بتركيا، لكنه تضمن وسم "ترحيل السوريين إلى سوريا"، ووسمًا آخر يقول: "لا أريد اللاجئين في بلدي"، كما تم التفاعل عليه بشكل واسع في هذه المناطق التركية وعلى رأسها اسطنبول.

خطاب متسلسل

والمفارقة أن 12 مدينة من بين هذه المدن التركية تقاطعت مع التفاعل الذي انتشر بعد أحداث قيصري، كما أن المدن التي ترأست التفاعل هي نفسها قبل وبعد الواقعة: اسطنبول، وأنقرة وإزمير.

وبالتالي، يمكن القول إن الخطاب التحريضي ليس وليد أحداث قيصري بل نشاط بدأ تدريجيًا منذ يناير الماضي.

جانب من حرق محلات تعود لسوريين في ولاية قيصري - إكس
جانب من حرق محلات تعود لسوريين في ولاية قيصري - إكس

إذ أن حملة التحريض ضد اللاجئين تزامنت مع إطلاق سراح رئيس مؤسسة سوريين إلى سوريا في يناير الماضي. 

تأجيج الرأي العام التركي ضد السوريين

ومنذ ذلك الوقت، بدأ النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام عبارات ضد اللجوء السوري، وباستخدام وسم السوريون إلى سوريا. 

كما قامت منصة "إكس" بإغلاق عدد كبير من الحسابات التي حملت لغة تحريضية وادعاءات مضللة لشحن الشارع التركي، حيث عمدت هذه الحسابات إلى اختلاق أخبار وادعاءات، ووضعها في إطار تحريضي ضد السوريين في تركيا، كهذه التغريدة مثلًا، التي ادعت طعن فتاة صغيرة حتى الموت على يد سوري، وأرفقت بوسم "لا أريد طالبي اللجوء في بلدي".

وهذه اللغة التحريضية استمرت لشهور، وحصدت نشاطًا لافتًا في أبريل/ نيسان الماضي، حيث نشر أحد الحسابات ادعاء يقول إن الحكومة التركية ستفرض غرامة مالية على المواطنين الأتراك الذين يرفضون تأجير منازلهم للسوريين.

لكن بالبحث عن هذا الخبر، تبين أنه غير صحيح، والحقيقة هي فرض غرامة مالية على دافعي الضرائب من أصحاب المنازل في حالة التأخر عن تقديم أوراق تثبت دخلهم من تأجير منازلهم خلال العام الماضي، ولا علاقة للسوريين بهذا القانون.

وخلال تصفح هذه التغريدات، بدا الحساب الذي يحمل اسم Volkan Giritly، كنفس الحساب الذي روج لخبر الاغتصاب من قبل اللاجئ العراقي وأرفقه بعبارات ضد السوريين، قبل يومين من حادثة ولاية قيصري.

والحساب كان من ضمن شبكة الحسابات البارزة التي تبنت الخطاب العنصري في تركيا.

كما ظهر في هذه الشبكة حساب السياسي المعارض وزعيم حزب النصر المعادي للاجئين أوميت أوزداغ حيث أعادت الحسابات في الشبكة تداول تغريداته المنددة باعتقال الحكومة التركية الأتراك المناهضين للاجئين في تركيا، وشارك في هذه الحملة مدير الأخبار في جريدة YeniÇağ فاتح إرغين وروج بدوره لادعاء قتل فلاح تركي على يد راع سوري.

وبالمحصلة، يبدو أن تأجيج الرأي العام التركي في وجه اللاجئ السوري حملة ممنهجة، وبالتالي فإن اعتداء ولاية قيصري الذي اعتبر الأسوأ على اللاجئين السوريين كان نتيجة أشهر من التحريض والخطاب العنصري، الذي ساهم فيه كثيرون لأهداف سياسية ومناكفات حزبية.

المصادر:
التلفزيون العربي