اعتبر الرئيس التونسي قيس سعيّد، أمس الأربعاء، أنّ "مشكلات الشعب الحقيقية تتمثل في البؤس والفقر والتهميش"، مؤكدًا أنّ "الفساد ينخر في البلاد كمرض السرطان"، حسب قوله.
وشدد الرئيس التونسي في كلمة أثناء زيارته إلى مركز للتكوين المهني، والشركة التونسية للصناعات الصيدلية بالضاحية الجنوبية للعاصمة، على "ضرورة محاسبة الجميع على قدم المساواة"، معتبرًا أنّ "على القضاة تطبيق القانون".
وقال سعيّد: إنّ "هناك مجرمين يقفون وراء إهدار أدوية بملايين الدينارات انتهت تواريخ صلاحيتها، وتونس تريد التخلص من هؤلاء المجرمين".
المهاجرون الأفارقة
وجاءت تصريحات الرئيس التونسي الجديدة بعدما أثارت كلمة له خلال اجتماع مجلس الأمن القومي حول المهاجرين الأفارقة جدلًا واسعًا في البلاد.
كما أتت تلك التصريحات مع تصاعد حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات التونسية بحق معارضين سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال منذ 11 فبراير/ شباط الجاري.
وكان سعيّد قد شدد على ضرورة اتخاذ "إجراءات عاجلة" لوقف ما أسماه "تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس".
ووصف الرئيس التونسي هذه الظاهرة بأنها "مؤامرة لتغيير التركيبة الديمغرافية" في بلاده، معتبرًا أن تدفقهم بطريقة غير شرعية يؤدّي إلى "عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة فضلًا عن أنها مجرّمة قانونًا".
ولاقى كلام سعيّد ردود أفعال عديدة، من منظمات حقوقية ومدنية اعتبرت أن كلامه بمثابة ترويج لخطاب الكراهية والعنصرية بحق المهاجرين.
وبلغ عدد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس 21466 مهاجرًا عام 2021.
"ترتيب إجرامي لتغيير ديموغرافي بالبلاد".. #قيس_سعيد يثير جدلا بشأن المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء#العربي_اليوم #تونس pic.twitter.com/xZ47Z3HQWC
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 22, 2023
"خطاب عنصري وشعبوي"
ويأسف نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي للطرح الذي قدمه سعيّد في مسألة المهاجرين غير النظامين، معتبرًا أن هذه المقاربة مسيئة لتونس، ولا سيما أنها المرة الأولى التي يجري تبنّي خطاب عنصري من قبل مؤسسات الدولة، ما يشجع على الكراهية والعنف ضد المهاجرين.
ويلفت الجلاصي في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ خطاب سعيّد حول المهاجرين يلتقي مع دعوات تروج لخطاب العنصرية منذ أشهر على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى أن هذا الخطاب يفسح المجال أمام مؤسسات الدولة على غرار "التفقدية العامة للشغل" لإطلاق حملة على المهاجرين بذريعة تطبيق القانون.
ويذكّر الجلاصي بأنّ الآلاف من التونسيين في أوروبا يقيمون بشكل غير نظامي، كما أن المجتمع التونسي لطالما دافع عن هؤلاء في مواجهة الخطابات العنصرية التي يتعرضون إليها في البلدان الأوروبية.
ويعتبر نقيب الصحافيين التونسيين أن خطاب سعيّد جاء لإلهاء التونسيين عن قضاياهم الحقيقية التي يعانون منها، ولا سيما المعيشية وسط غلاء الأسعار، والأزمة السياسية التي خلقت انقسامًا سياسيًا حادًا، كما أن هذا الخطاب يندرج تمامًا في إطار "الشعبوية"، وفقًا للجلاصي.
حملات التوقيف
وحول حملات التوقيف المتواصلة في تونس، يشير الجلاصي إلى أنها تأتي وفق تصعيد غير مقبول، وبطريقة عشوائية، مذكّرًا بأنّه أيضًا محال في إحدى القضايا، تتعلق بدعوته إلى "العصيان".
ويعتبر أن التوقيفات الأخيرة انتهاك لحق التونسيين بالمحاكمة العادلة، ولا سيما أن التوقيفات لم تحترم الإجراءات، وسط تعليمات سياسية واضحة للقضاء بتوجيهات من وزارة العدل.
واتهم الرئيس التونسي أمس، بعض من تمّ توقيفهم مؤخرًا، بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
وأضاف: "الفساد ينخر في البلاد كالسرطان، ويتحدثون عن الخلاص والحوار، فمع من الحوار؟"، مشيرًا إلى أنّ "مشاكل الشعب التونسي الحقيقية تتمثل في البؤس والفقر والتّهميش"، وفق تعبيره.
وجاءت زيارة سعيّد إلى مركز التكوين المهني، قبيل إقالة وزير التشغيل نصر الدين النصيبي أمس الأربعاء. كما ذكر خلاله أن "هناك إرادة لتعطيل أي مشروع وإهدار أموال الشعب"، في إشارة إلى مركز التكوين الذي تعطلت أشغاله.
ومقابل تشديد الرئيس التونسي مرارًا على استقلال المنظومة القضائية، تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ فرضها في 25 يوليو/ تموز 2021، واحتكر بموجبها كلّ السلطات، ما أحدث انقسامًا حادًا في البلاد.