وسط رفض شعبي وفصائلي فلسطيني كبير، ينطلق اليوم الأحد، في مدينة العقبة الأردنية، اجتماع أمني سياسي بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بحضور مصري ورعاية الولايات المتحدة في سياق الجهود المبذولة "للوصول إلى فترة تهدئة وإجراءات بناء ثقة".
ونقل التلفزيون الأردني عن مصدر وصفه بـ"المطلع" السبت: أن "الاجتماع بتنسيق كامل مع الفلسطينيين في ضوء خطورة الأوضاع من أجل وقف التدهور".
وأوضح المصدر نفسه، أن الاجتماع يأتي "استكمالًا للجهود المكثفة التي يقوم بها الأردن بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية وبقية الأطراف، لوقف الإجراءات الأحادية والتصعيد الأمني الذي يهدد بتفجير دوامات كبيرة من العنف، إضافة إلى الوصول لإجراءات أمنية واقتصادية تخفف من معاناة الشعب الفلسطيني".
ويأتي هذا الاجتماع في وقت تواصل فيه إسرائيل اعتداءتها بحق الشعب الفلسطيني، حيث أطلقت قوات الاحتلال مساء السبت النار تجاه شابين غرب رام الله وسط الضفة الغربية.
وأفاد شهود عيان، بأن قوات الاحتلال أطلقت النار على شابين قرب قرية بيت سيرا غرب رام الله، ولم تعرف هويتهما أو طبيعة إصابتهما.
"ضد الإجماع الوطني"
واستنكرت فصائل المقاومة الفلسطينية توجه وفد من المتنفذين في السلطة الفلسطينية للمشاركة في الاجتماع الأمني، واعتبرت ذلك طعنة جديدة في خاصرة الشعب الفلسطيني وتضحياته وخيانة لدماء الشهداء.
وفي مؤتمر صحافي عقده مساء السبت، اعتبرت فصائل المقاومة في جنين أن مشاركة السلطة في لقاء العقبة تأتي في الاتجاه المعاكس للإجماع الوطني للشعب الفلسطيني.
ورأت أن "السلطة الفلسطينية وقعت في فخ الإدارة الأميركية من جديد، والأولى في هذه المرحلة هو الذهاب للوحدة الوطنية كما وحدة البنادق في الميدان".
وقالت: "يأتي هذا اللقاء على وقع المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا، وعلى وقع الاستيطان في الضفة الغربية والتهويد في القدس".
وأضافت أن "هذا اللقاء لا يصب في مصلحة شعبنا، بل يمثل خدمة مجانية للاحتلال المجرم، الذي لا يتوقف عن العدوان على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا".
وأشارت إلى أن إلغاء المشاركة في هذا اللقاء هو أضعف قرار يمكن أن تتخذه السلطة كرد على جرائم حكومة الاحتلال وجيشها الإرهابي، بحق الشعب الفلسطيني.
ولفتت إلى أن اللقاء في العقبة يهدف إلى توفير مزيد من الفرص التي تشجع الاحتلال على الإمعان في ارتكاب الجرائم، بما فيها التضييق على الأسرى والأسيرات وفرض العقوبات عليهم، وسن القوانين الاحتلالية الجائرة بحقهم.
"غطاء سياسي للمجازر الإسرائيلية"
وفي سياق ردود الفعل، رفضت حركة حماس مشاركة السلطة باجتماع العقبة، معتبرة أنه يمثل غطاء للاحتلال لارتكاب الجرائم، و"عليها عدم الارتهان للوعود الأميركية والصهيونية التي ثبت فشلها".
وقال المتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع: "شعبنا ليس أمامه سوى خيار المقاومة وتصعيدها، وعلى السلطة الانحياز لشعبها والتوقف عن ملاحقة المقاومين بالضفة"، وفق تعبيره.
بدورها، طالبت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، السلطة الفلسطينية "بعدم المشاركة في اجتماع العقبة، وبعدم العودة للتنسيق الأمني".
وحذّرت "من خطورة الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تمارس لجرّ الفلسطينيين إلى صراعات داخلية".
من جانبها، حذّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "من تبِعات لقاء العقبة" ودعت السلطة لمقاطعته.
وقالت إن "الاجتماع (مع الجانب الإسرائيلي)، في وقت يصعد فيه العدو مجازره ضد أبناء شعبنا، ما هو إلا غطاء سياسي لهذه المجازر"، وفق وصفه.
مطالبات بإلغاء اجتماع الأردن
ودعا "حزب الشعب" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" في بيان مشترك، إلى "عدم المشاركة الفلسطينية وإلغاء الاجتماع المقرر في الأردن".
كما طالب الجانبان بـ"عقد اجتماع فوري للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل تقييم نتائج التحركات الفلسطينية السابقة، واتخاذ قرار بعدم المشاركة في قمة العقبة".
واعتبرا أن "الهدف الأساسي لإسرائيل والإدارة الأميركية هو إجهاض الموقف الفلسطيني الذي تضمّن وقف التنسيق الأمني".
لقاء أمني خماسي في #الأردن.. هل يفضي إلى إيقاف التصعيد في #الضفة_الغربية؟ تقرير: محمد شهابي pic.twitter.com/tdKPGxahA1
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 25, 2023
بدوره، دعا صالح رأفت، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، القيادة الفلسطينية "لعدم المشاركة في قمة العقبة".
وقال: إنه "لا يمكن التوصل لأية تفاهمات مع الحكومة الإسرائيلية".
ومنذ أبريل/ نيسان 2014، توقفت المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي جراء رفض تل أبيب وقف الاستيطان وإطلاق أسرى قدامى، بالإضافة إلى تنصلها من مبدأ حل الدولتين.
ما أبعاد "قمة العقبة"؟
في هذا الإطار، يرى مدير مركز مسارات للدراسات هاني المصري، أن ما جرى من مذبحة في نابلس، وما يجري كل يوم من اقتحام للمسجد الأقصى واستمرار هدم المنازل والمصادقة على بناء المستوطنات، يدل على أن إسرائيل ماضية في مخططاتها الرامية لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها.
ويتساءل المصري: "مادامت إسرائيل ماضية في إجراءاتها فلماذا يشارك الفلسطينيون والعرب في هذه القمة، ولا سيما أن عنوانها أمني، ومضمونه الحفاظ على أمن إسرائيل تحت عنوان التهدئة ومنع التصعيد".
ويضيف في حديث لـ"العربي" من رام الله وسط الضفة، أن الفلسطينيين يكافئون الاحتلال من خلال مشاركتهم في اللقاء والجرائم التي ارتكبها والتي يخطط لارتكابها، بدلًا من أن يطلقوا حملة لمحاصرة ومقاطعة الحكومة الإسرائيلية.
ويرى المصري أن السلطة الفلسطينية تبحث فقط عن بقائها، لا تبحث عن كيفية الخروج من الارتهان لإسرائيل، والرهان على الولايات المتحدة، كما أنها تخضع للضغط الأميركي، لأن واشنطن لا تريد أي تصعيد وتفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة.
ويتابع المصري أن مشاركة السلطة في القمة رغم ما تقوم به إسرائيل هو إشارة خطيرة جدًا، مشيرًا إلى أنها تعني تحولًا نوعيًا جديدًا نحو مرحلة جديدة في حياة السلطة، وهذا يقود القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة وهي الخضوع التام للاحتلال.
ويخلص إلى أن هذا الأمر قد يغير طبيعة السلطة ويجعلها عبئًا على القضية الفلسطينية، كما أنه ينذر بفتنة فلسطينية، لأن ما تحاوله الإدارة الأميركية وإسرائيل في قمة العقبة هو دفع الفلسطينيين للاقتتال بزج أفراد القوى الأمنية لمكافحة كتائب المقاومة وتأهيلهم في هذا الاتجاه.